الإجراءات الجنائية.. وعصر القضاء المصرى

الأثنين 25 من جمادي الأولى 1447 هــ
العدد 50750
لا شك أن النسخة الجديدة من قانون الإجراءات الجنائية، التى صدق عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى أخيرا، بعد التعديلات التى أدخلها البرلمان، تُعد إضافة مهمة للضمانات المقررة لحماية حقوق الإنسان، سواء لشخصه أو مسكنه، بل علامة فارقة داخل منظومة العدالة الجنائية فى مصر، وتقلل من اللجوء إلى الحبس الاحتياطى، آخر الحلول لا أولها، الذى كان قد تحول، بل جعلتها عقابا فى حد ذاته، كما تزيد من سرعة إنجاز تحقيقات النيابة العامة، وإجراءات المحاكمة، وتكفل، فى الوقت ذاته، ضمانات المحاكمة المنصفة. ومع التطورات التى تحدث فى المجتمع من الاستقرار المطرد، أو المستمر، فإن هذا القانون من الممكن أن يطرأ عليه مزيد من الضمانات الجديدة، بحيث تكون معاييرنا ملتزمة بالمعايير العالمية، بحيث تتخلص مصر نهائيا من الأوضاع الاستثنائية التى كبلتنا طويلا، ونعود تدريجيا إلى الأوضاع الطبيعية التى نستحقها بلا مخاوف، ويجب أن نعترف بأن عودة القانون للبرلمان، بعد اعتراض الرئيس على بعض مواده، هى خطوة، بالقطع، أفضل نحو هذا المسار، وتعطى مزيدا من الضمانات للمتهم، وعندما يعترف بعض ثقاة القانونيين بأن القانون الجديد حقق نحو 90% من المأمول، وهى نسبة كبيرة، فإن ذلك ترسيخ لضمانات كثيرة. أما بالنسبة للجدل الدائر قبل إصدار القانون، أو بعده، فهو ظاهرة صحية، فليس هناك قانون خاص مثل الإجراءات الجنائية يحظى بتوافق مجتمعى كامل، وتمثل هذه الإجراءات خطوة كبيرة للأمام، حيث ضمنت الحقوق، ومنعت التباس التفسير عند التطبيق نحو مسار بناء منظومة عدالة أكثر توازنا وإنسانية، ولكنها اختبار لقدراتنا جميعا على تحويل مبدأ بسيط إلى واقع يومى (الحرية هى الأصل والحبس هو الاستثناء)، ونحن مؤمنون بأن العدالة الجنائية ليست شأن القضاء والنيابة وحدهما، بل قضية مجتمع بأكمله، حيث يشعر المواطن بأن المتهم، والمجنى عليه، والشاهد على حد سواء، وأن القانون يحميه بقدر ما يلزمه، وعندها سنقول إننا دخلنا عصر القضاء، العصر الذكى، أوعصر العدالة الرقمية الذى يجعل حرية الإنسان نقطة الانطلاق، فتحول العدالة من مجرد فكرة إلى واقع ملموس ينعكس على حياة الناس.
