مقالات الأهرام اليومى

الجنون العسكري لا ينتصر

مجزرة إسرائيل في غزة طوال يوم السبت الماضي والمستمرة حتي الآن هي جريمة بشعة ينكرها الضمير الإنساني ويرفضها الجميع بلا استثناء‏,‏ ويجب أن تتوقف فورا‏.‏

إنها جريمة تعكس حالة الجنون العسكري التي تتحكم في إسرائيل‏,‏ والتي تفتقر إلي أي منطق وكأنها أرادت أن تذكرنا قبل نهاية عام‏2008‏ بأن إسرائيل لم تتغير‏,‏ وأنها علي عهدها منذ نصف قرن تمارس لعبة العدوان الرخيصة والخاسرة معا ضد الفلسطينيين‏.‏ إذ ما الذي ربحته إسرائيل من هذه العملية العسكرية سياسيا واستراتيجيا؟‏..‏ وهل ضرب المدنيين والأبرياء‏,‏ أو حتي تدمير بعض مواقع حماس‏,‏ يكفي لتغيير المعادلة التي هدد قادة إسرائيل بها‏,‏ وزايدوا عليها‏,‏ في أجواء تسودها المبارزات الانتخابية الرخيصة لسياسيين إسرائيليين عجزوا عن إقناع ناخبيهم بالمصالح الحقيقية‏..‏ فوقعوا فريسة لحروب ودماء لا طائل من ورائها؟‏!!..‏

إن جريمة إسرائيل ضد غزة وضد الأبرياء والأطفال والطلبة تتجاوز حدود الرد علي صواريخ بلا تأثير‏..‏ إنها محاولة جديدة للمتطرفين فيها لاغتيال مساعي السلام ووضع كل العقبات في طريق القوي التي تعمل من أجله في المنطقة وفي مقدمتها مصر‏.‏ فلقد ضربت إسرائيل عرض الحائط بكل القوانين والشرعية الدولية بهذا العدوان الجديد الذي جاء في توقيت غير مناسب لدعم المتطرفين والحمساويين في غزة بعد أن فقدوا شرعيتهم بتحويل شعبهم إلي أسري لهم يزايدون عليه في قرار المصالح والأموال الخارجية‏.‏

لقد تصرفت إسرائيل بجنون من فقد التفكير وكأنها في معركة عسكرية ضد جيوش مدججة بالأسلحة والدبابات والطائرات‏,‏ وليست ضد شعب أعزل من السلاح‏,‏ ويئن تحت الاحتلال والحصار جوا وبحرا وبرا‏..‏ إن قطاع غزة وسكانه وهم في حالة من الحصار الكامل والأسر تحت سلطة غير شرعية لم يكونوا أبدا يستحقون مثل هذا العنف والعدوان الضاري‏.‏

وما فعلته إسرائيل لم يصل بها إلي أي هدف‏,‏ بل سيزيد العنف والغضب‏.‏ وبلا شك فإن تاريخ القضية الفلسطينية يعلمنا أن الجنون العسكري له ثمن تدفعه إسرائيل والمنطقة‏,‏ بل ويدفعه العالم بزيادة التطرف والإرهاب وتهيئة المناخ لحروب متزايدة‏.‏

إننا في زمن لم يعد أحد فيه يتحمل أن يدفع ضرائب تزايد الإرهاب وتخريب الاقتصاد‏,‏ فهو عصر الحرب علي الإرهاب والتطرف ومحاولة إنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار‏.‏

وإسرائيل بسياساتها العدوانية هي المتهم الأول بإثارة الكراهية والغضب والإرهاب بين الشعوب‏,‏ بل وبين الشرق والغرب‏,‏ كما أنها تهدد بتزايد كارثة الاقتصاد العالمية وتقويضها في ظل الأزمة المالية الحالية وتدهور أوضاع العالم‏.‏

وهذه رسالة للمجتمع الدولي وكل المتضررين لكي يتحركوا لمواجهة المعتدين ومجرمي الحروب الذين يصنعون أبطالا من ورق تتغذي علي دماء الأبرياء وأصوات المتطرفين في الانتخابات الإسرائيلية‏.‏

إن قضية الشعب الفلسطيني ودولته يجب أن تخرج من لعبة الانتخابات الإسرائيلية الداخلية‏,‏ فإسرائيل يجب أن تنتخب قائدا شجاعا لا يقتل الأبرياء ويعرف معني السلام والاستقرار وإعطاء الحقوق للشعب الفلسطيني‏..‏ وإسرائيل وحكومتها يجب أن تعرف أن تغيير المعادلة السياسية ليس بالعدوان والحرب ضد الأبرياء العزل‏,‏ ولكن بتغيير السياسة العدوانية التي تلحق الضرر بالجميع‏..‏ والأهم من كل ذلك أن يعرف الفلسطينيون معني القوة الحقيقية في معركة غير متكافئة لشعب تحت الاحتلال‏,‏ ويجب عليهم أن يوجهوا كل جهودهم إلي الحصول علي استقلالهم ودولتهم وحريتهم أولا قبل الصراع علي السلطة‏.‏

فيا أيها الفلسطينيون استمعوا إلي صوت العقل‏..‏ وعودوا إلي الوحدة الوطنية‏..‏ عودوا إلي الورقة المصرية للحوار بين الفصائل التي وافق عليها الجميع وابتعدوا عن التنافس الضيق بين الفصائل والرهانات الخاطئة والفهم المعيب للقوة فيما بينكم‏..‏ فأوهام حماس لن توقف الجريمة الإسرائيلية‏,‏ والفلسطينيون يملكون أقوي سلاح وهو حريتهم ووحدتهم وعدالة قضيتهم‏,‏ ويستطيعون به هزيمة إسرائيل خاصة أنها تستخدم أسلحة الكراهية وتغذية الإرهاب وضرب الاقتصاد العالمي في وقت الأزمة‏.‏

إن الظرف الدولي الراهن ومتغيراته يسير في اتجاه مصلحة الشعب الفلسطيني‏,‏ وأمامنا فرصة ذهبية لهزيمة قوي الإرهاب والتطرف‏..‏ وهزيمة إسرائيل وعدوانها‏..‏ ولكن المناخ الفلسطيني الراهن لا يحقق هذا الهدف‏,‏ فأخطاء ورهانات وأوهام حماس والتيارات الدينية المتطرفة وأحزابها السياسية والخلط بين ما هو ديني وماهو سياسي وبين المقاومة والارهاب‏..‏ كل ذلك لا يعمل في مصلحة القضية الفلسطينية‏.‏

اتركوا الفرصة للسياسيين‏,‏ وأبعدوا القضية الفلسطينية عن الاستقطاب الإقليمي والمناورات والمصالح الضيقة‏,‏ ولا تربطوا بين قضية فلسطين والمسار السوري‏,‏ ولا بين قضية فلسطين وشعبها ودولتها وقضية إيران وملفها النووي‏..‏ تكلموا باسم فلسطين ومصلحة شعبها‏..‏ تحدثوا بقوة الشعب الفلسطيني الحقيقية‏..‏ وكيف أنه شعب أعزل محتل تحت تهديد دولة معتدية نووية تستأسد علي حقوقه مع ضعف وانهيار القوة الكبري أمريكا أمام هذا التطرف والإرهاب الإسرائيلي‏.‏

لقد أرادت إيران أن تفجر الموقف لتعلن عن ورقتها الجديدة للإدارة الأمريكية وتختبر الموقف مع الإسرائيليين قبل الانتخابات الجديدة‏.‏ وأرادت سوريا أن تستخدم الموقف المتفجر ليخدم مفاوضاتها غير المباشرة التي ستتحول إلي مباشرة مع إسرائيل‏,‏ فضحت بدماء الفلسطينيين في سبيل مصالحها الخاصة قصيرة النظر والرؤية‏.‏ وأرادت إسرائيل أن تحول الدماء الفلسطينية تحت أسر حماس لاختبار لامتحان القيادات الانتخابية والمرشحين لحكم إسرائيل‏..‏ وفي غمار هذا الاضطراب فإن الرأي العام العربي غاضب لكنه أسير لحقائق لا يعلمها‏.‏

فعلي الفلسطينيين أن يواجهوا المتطرفين الإسرائيليين أولا في الشارع الإسرائيلي‏..‏ وعليهم أن يعرفوا أن طريقة التفكير من أبجديات إدارة الصراع‏,‏ أي صراع‏,‏ فمن الضروري أن نفهم العدو‏,‏ ونعرف كيف نتعامل معه‏,‏ إذ لن ينفعنا البكاء علي الشهداء الذين راحوا ضحية هذا العمل الجبان‏..‏ ولن تنفعنا بلاغة النعي في العالم العربي الآن‏..‏ فما ينفعنا هو أن نفهم طبيعة ما يجري في إسرائيل والعالم‏,‏ وهذا الفهم يمكن أن يحقق لنا أهدافنا‏,‏ وبه نهزم إسرائيل وتطرفها‏,‏ ويمكن إدارة المعركة والمواجهة مع إسرائيل‏.‏

وأقول لكل من يريد أن يغسل يديه بالشجب والإدانة أو الحديث عن مقاومة علي حساب دماء الفلسطينيين‏:‏ توقفوا عن المهاترات‏..‏ فدماء الشهداء سوف تطاردكم جميعا والقضية الفلسطينية أصبحت واضحة‏,‏ وقدرتنا علي هزيمة إسرائيل ممكنة‏..‏ ولكن مهاترات الذين يدعون الإسلام أو يسلمون قضيتنا للتدخلات والمؤامرات الخارجية‏,‏ تؤخر إنجاز المهمة‏..‏ وهم مدانون مثلهم مثل إسرائيل وجيشها تماما‏.‏

أكاذيب حماس ومهاتراتها ضد مصر
إن علي حماس أن تعود لوعيها وأن تدرك خطورة ماحدث وأن تتحمل المسئولية‏..‏ وأدعوها إلي أن تتوقف عن أكاذيبها عن مصر‏,‏ فقد خرج مسئول حمساوي ليقول‏:‏ إن مصر قالت لها إن إسرائيل لن تعتدي علي القطاع‏..‏ وقد سألت السفير سليمان عواد عن ذلك فقال لي متعجبا‏:‏ لقد قلنا العكس تماما وحذرنا حماس من أن إسرائيل تعد لضربها مستغلة انتهاء التهدئة والممارسات المعلنة من حماس ضد إسرائيل وإلقاء الصواريخ‏,‏ بل قلنا لهم بالعامية المصرية احذروا هيضربوكم‏..‏ وأضيف لقادة حماس أن اللعبة الداخلية الإسرائيلية والتنافس الحزبي بين باراك وليفني ونيتانياهو وغيرهم سيجعل القرار الاسرائيلي عدوانيا‏,‏ فلا تقعوا فريسة للعبة الإسرائيلية الداخلية بأخطائكم السياسية والرعونة في التصريحات‏,‏ أو في إلقاء الصواريخ التي لا طائل منها‏.‏

لقد تجرأت إسرائيل علي الأبرياء في غزة بعد أن تجرأت حماس عن كل ماهو فلسطيني وعلي فتح‏,‏ وبعد الانشقاق الفلسطيني‏,‏ وبعد أن قتل الفلسطيني ـ الفلسطيني‏,‏ وبعد أن رفض الفلسطيني أن يجلس مع الفلسطيني علي مائدة الحوار في مصر‏.‏

وضربت إسرائيل عرض الحائط بالهجمة العدوانية علي الشعب الفلسطيني بعد أن أصبحت الفصائل الفلسطينية في شقاق وانقسام‏,‏ وبعد أن رفضوا الاستماع لصوت العقل العربي والمصري‏,‏ وسلموا القضية للتطرف والإرهاب‏..‏ ومن يلعبون بالفتنة الطائفية‏.‏

وأقول‏:‏ توقفوا عن المهاترات‏,‏ وعودوا للوحدة الوطنية تهزموا إسرائيل‏..‏ بل وتضعوها في حجمها‏,‏ وتقدموها للمحاكمة لأنها ترتكب جريمة نكراء ليس ضد الفلسطينيين وحدهم بل وضد العالم واستقراره‏,‏ والظروف والمتغيرات العالمية قادرة علي محاصرة إسرائيل بل ومحاكمتها علي كل جرائمها في حق الفلسطينيين ليس بالأمس فقط‏,‏ بل وفي كل تاريخها الملئ بالإجرام‏,‏ وإذا استطعنا أن نحافظ علي الوحدة الفلسطينية‏,‏ وأن نتحرك بأسلوب يخلص القضية من ربطها بقضايا الآخرين أو بلعبة الإرهاب العالمي أو خلطها بالدين لصالح إيران ولقضايا رخيصة في سوريا‏,‏ فإن القضية الفلسطينية سوف تنتصر وتهزم الإرهاب والتطرف والعدوان الإسرائيلي‏..‏ نعم سوف ينتصر الفلسطينيون فهم أذكي وأكثر الشعوب فطنة‏..‏ وسوف يلجمون كل من يلعب بقضيتهم وهي الأكثر عدلا في عالمنا المعاصر‏.‏

***‏
إنني أحيي أرواح شهداء غزة فهي ترفرف علينا‏..‏ وتكشف المجرمين الذين ارتبكوا هذه الجريمة البشعة بلا مبرر إلا لثمن رخيص‏.‏

ووجه إسرائيل القبيح لا يمكن إخفاؤه‏..‏ كما أن أيدي حماس ملطخة بالدم الفلسطيني‏..‏ خاصة حماس الخارج التي تحصل علي الأوامر المباشرة من المتطرفين والإرهابيين في إيران وأصحاب المصالح في سوريا‏.‏

وأحيي الموقف المصري الصامد في وجه الشر‏,‏ والذي يلجم التطرف علي كل الأصعدة‏,‏ فمن مصلحتنا أن نري غزة المستقرة المزدهرة بلا عدوان أو همجية إسرائيلية أو ديكتاتورية دينية مقيتة لحماس‏.‏

وأشعر باستياء وحزن شديد ورفض لكل متطرف يلوي الحقائق ويزايد علي عظمة مصر وقدرتها الخلاقة علي وقف التطرف والإرهاب في عالمنا‏,‏ وفتح أبواب الحروب والكوارث في منطقتنا‏..‏ ولا يمد يد المساعدة الحقيقية للشعب الفلسطيني البطل في غزة ضحية الحروب والمؤامرات والمزايدات الرخيصة من كل الأطراف في الداخل والخارج‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى