مقالات الأهرام اليومى

من كرة الملعب إلى ملعب السياسة

كل شىء فى عالمنا يتغير، وعلينا أن نتعلم مما يحدث، حتى نستطيع أن نسبر غور هذه الدنيا الجديدة، ونعرف مغزاها، ومنها نستخلص الرؤية، ونضع حلولاً لمشكلاتنا، وألا نقع دائماً فى الخلط بين الأوراق، وهذا من أصعب آفاتنا!. وهى آفات تتحول باستمرارها إلى مرض مزمن، يؤثر فى مجريات الحياة، ويصيبها بالعطب، فقد خلطنا بين ما هو دينى وما هو سياسى، فكدنا نخسرهما معاً، وأثرنا سلبا فى الاثنين، فاختلت تحت أيدينا بعض القيم البديهية المنظمة للحياة والسياسة، فغاب الاثنان، وخلطنا بين الاقتصاد، أى (إنتاج السلع والخدمات)، وبين مساعدة الفقراء(الاقتصاد محدود الدخل)، فخسرنا الاثنين معا، وذلك بعد أن اختل النظام السعرى ككل، ولم تعد لدينا أسعار للأشياء، وتحولت إلى عملية تقريبية ووصلنا إلى أن التهم الدعم مواردنا كلها، فحدث انهيار للاقتصاد، وزاد الاستهلاك المفرط بلا مبرر، لغياب القياس السعرى المنظم لاحتياجاتنا وقدرتنا، واختلت عملتنا، ودخلنا فى برنامج قاس للإصلاح الاقتصادى ويجب ألا يتوقف مهما تكن آثاره السلبية على الكل أو البعض منا، لأن فيه الخلاص من أزمات كثيرة للمجتمع والناس، على المديين المتوسط والطويل، رغم تأثيره القاسى والصعب حاضراً.

وأخشى ما أخشاه اليوم أن تختلط الرياضة وقيمها ودورها مع السياسة، فتختلط أمورنا وتزداد تعقيدا، رغم حاجاتنا لهما معا، وحتى لا يحدث هذا علينا أن ننظم حياتنا ونتعلم: كيف تعيش وتحيا الشعوب وتتقدم وتستفيد من كل نواحى الحياة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو رياضية، فكلها من ضرورات الحياة المعاصرة، ولا غنى عنها، فهى تكمل بعضها البعض لتكتمل الصورة. ولكن الخلط بينهما يؤدى إلى أضرار أو خسائر بليغة، يصعب تلافيها، ويضر بالمجتمعات والناس معا، سياسة واقتصادا وحياة، ولأن من أكثر اللحظات إلهاما هى أن الفكرة السياسية هى حركه الجماهير فى الشارع، خاصة إذا كانت حركة مبدعة أو مفرحة بإرادة حرة، وليست حركة عاصية أو غاضبة تحت تأثير الوعى المزيف الذى يخلقه بعضنا أو أعداؤنا لأسباب متنوعة.

ففى الأولى تعيش الجماهير قضية واعية، وتعبر عن مضمون حقيقى ملموس وقيم، أما فى الثانية فهى تعيش قضية غائمة أو رغبات مكبوتة تنفس عن اللاوعى، ولا تعطى قيمة أو حقيقة.

وقد رأينا الجماهير الواعية فى الشارع بعد فوز أوروبا، ممثلة فى فرنسا بكأس العالم بالشانزلزيه، أهم شوارع العاصمة الفرنسية باريس، وهى تحتفل بفوز فريقها، ورأينا الرئيس الفرنسى ماكرون مع اللاعبين فى الإليزيه، والصورة تقول إن أوروبا فازت فى الرياضة، وتحتفل السياسة مع الناس. فالجماهير هى القوة العظمى فى عالمنا المعاصر، خاصة عندما يكتمل لها الوعى، فهى التى تختار الحُكم، وتخلق الأسواق، فهى التى تشترى السلع والخدمات.

وفى الوقت نفسه رأينا فى هلسنكى قمة غير عادية بين الرئيس الأمريكى ترامب، وبين بوتين رجل روسيا القوى، وريثة الاتحاد السوفيتى السابق، وهو يهدى الكرة المونديالية إلى ترامب، وبهذه الإشارة يقول إن نصر بلاده فى العالم الكروى يدعم دورها على المسرح العالمى، وإنها جزء منه، تنافس أوروبا والصين، بل إن روسيا وريثة الاتحاد السوفيتى السابق, القوة العظمى القديمة, تقدم للعالم المعاصر أفضل مونديال باعتراف الفيفا ورئيسها المسئول عن هذا الحدث الجماهيرى المنظم الذى يجمع الكرة الأرضية حول الساحرة المستديرة فى ملاعب واحتفالات يصعب تقدير قيمتها المادية، لأن فرحة الشعوب فى عالمنا المعاصر ستصبح وسوف تتحول فى قادم الأيام إلى أكبر الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية. والشعوب هى السلاطين أو هى القوى العظمى للعالم المقبل، ورضاؤها وفرحتها هى القيمة المعيارية لنجاح الحكام والأنظمة وحصولهم على الأهداف أو النتيجة المرجوة، فقد أصبحنا عالما واحدا والرأى العام أصبح عالميا وليس إقليميا، وإن ما تسمى السوشيال ميديا أصبحت تتكلم بلغة واحدة ويفهمها كل الناس فى كل مكان، والمغردون والمدونون يكتبون بها، وهم ينقلون أفكارهم لكل الشعوب فى كل مكان، ويجمعون الناس حول ما يفكرون به ويعتقدون فيه. إن كل الحكام فى كل مكان أصبحوا تحت تأثير هذه القوى، بل إنهم يسعون إلى أن يرضوا ويحققوا طموحات هذا العالم الجديد. وعلينا أن نفكر كما يفكر، وننظم أمورنا اقتصاديا وسياسيا، ونغير ثقافتنا لكى نكون جزءا من هذا العالم، بهذا الأسلوب ننتصر ونحقق أهدافنا، ونكشف كل الأفكار العنصرية التى تسود، والاضطهاد الذى يعيش فى منطقتنا، ونخاطب العالم بلغته وثقافته.

ارتكبت إسرائيل خطأ جسيماً لهذا النظام العالمى الواحد عندما شرّعت الفصل العنصرى وصادق الكنيست بأغلبية ضئيلة على أن إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودى وأن حق تقرير المصير فيها حصرى للشعب اليهودى، فقط، وأن القدس هى عاصمة إسرائيل إلى الأبد.

ونحن لم نستطع أن نكشفها أمام العالم لأننا لا نتكلم لغته ولا نعيش حياته ومازلنا مترددين فى الدخول فيه بل خائفين من المشاركة معه، وهم فى هذا العالم يكسبون بسبب أخطائنا ليس لضعف فينا أو قوة فيهم، فنخسر قضايانا فى ليبيا واليمن والعراق وسوريا وقبلها فلسطين، لأننا مازلنا لا نتكلم لغة العالم، ولا نستطيع أن نكشف ما يخططون لتدميرنا. اندمجوا فى هذا العالم وتكلموا لغتهم، تهزموا كل العنصريين فى كل مكان، أعداء الحياة الذين يحاربون الشعوب ويمارسون الاضطهاد، ونحن لا نريد الغرور بقوة لا نملكها ولا نستطيع عليها، بل نريد من حكامنا أن يجعلونا جزءا من هذا العالم، حتى نحافظ على ما بقى لنا من حياة، ومن بلاد أو دول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى