القمـــة في شــرم الشــــيخ!

أعادت قمة شرم الشيخ القضية الفلسطينية بكل مدلولاتها وزخمها وتاريخها إلي واجهة القضايا العالمية التي تتصدر أجندة العالم في عام2009, ونقول بصراحة ووضوح لمن لايفهم إنها قمة كبيرة في دلالتها وتوقيتها ولا يقدر علي تنظيمها إلا الكبار, فلقد اختير من حضروها بعناية وهي تحمل عدة رسائل إلي المنطقة والعالم.
إنها قمة تتحدث عن نفسها وتقول للتاريخ إن مصر تواصل دورها الممتد تجاه فلسطين ومن أجل استقرار الإقليم بلا توقف وبقوة تتزايد مع تطورات العصر.
قمة قالت للمعتدي قف مكانك, وبعثت برسالتها الأولي لأمريكا وإسرائيل بأن العدوان لا يفيد ويجب أن ينسحب المعتدي ويحترم حقوق الفلسطينيين, وقالت للأمريكيين والإسرائيليين معا إنه لا ترتيبات أمنية أو سياسية أو غيرها في المنطقة بدون مشاركة مصر واحترام أصحاب الشأن وملف القضية الفلسطينية..
إنه عمل مصري كبير احتل مكانة عالية متزايدة لا يدركها الحاقدون ولاغائبو العقول ولا المراهقون ولا أصحاب الأدوار الكاذبة وهم ليسوا قليلين في عالمنا ومنطقتنا.
مصر قالت كلمتها في حضور أوروبا والمؤثرين في عالمنا والشركاء الإقليميين الذين نحترم رؤاهم ونقدر مسئولياتهم, ونري في حضورهم احتراما للدور والمكانة والهدف الذي نسعي إلي تحقيقه. وليس تجمعا لمجموعات بلا هدف أو رؤية, أو لها مصلحة مضادة فتبيع أو ترهن أو تقايض, أو حتي حكام وجماعات تريد أن تتظاهر أو تتكلم عن قضيتنا لأهداف ومرام خاصة, قد يكون أقلها شأنا حب الظهور في أوقات الكوارث والدماء تسيل, وهو عمل يثير الاشمئزاز والاستفزاز معا.
وقمة شرم الشيخ أعادت أيضا تحجيم العدوان الإسرائيلي وبعثت للمعتدي برسالة أقوي من الدبابات والصواريخ والطائرات بحسابات العصر الراهن, وبرؤية متماسكة تعرف كيف تدير صراعات كبيرة تكشف المعتدي وتعري الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين العزل من السلاح.
إن هذه القمة ستجعل المعتدي يعيد التفكير مرات عديدة قبل أن يعتدي علي المدنيين أو يقتل الفلسطينيين بالطائرات والصواريخ ويعتدي علي الأطفال والنساء ويضرب عرض الحائط بقواعد لعبة السلام والتفاوض مرة أخري.
وهذا هو الانتصار الكبير للفلسطينيين لمن لا يفهم ولا يعي, ولمن يتكلم عن الدور المصري والمكانة المصرية.. أما من اتهمنا وتجرأ علينا بالقول أو بالتظاهر, فعليه الآن أن يندم لو كان في وجهه حمرة الخجل وأن يعترف لأصحاب الفضل والمكانة والدور بفضلهم ودورهم.
إن مصر ورئيسها حسني مبارك لم توقف القتل في قطاع غزة فقط, بل حصنت مواقع وأقدام الفلسطينيين وحمت ظهورهم, كما حمت قضيتهم وحملتها بأمانة ورسالة وتجرد منذ البداية وحتي الآن وكلها سنوات مريرة وصعبة من التضحيات والتكلفة والدماء لا يمكن أن تضيع هدرا بلا ثمن.
فيا أيها الغافلون وأصحاب الأدوار الصغيرة ويا أيها المتطرفون عودوا الي رشدكم وقفوا مع الدور المصري الذي يساند الحق والقضية الفلسطينية ويسعي إلي أن يصل بها إلي بر الأمان.. إلي الدولة والاستقرار بمعايير العصر وبأدائه وقوته.
وأقول لهؤلاء: لا داعي لأن ندير معركتين.. الأولي معركة السلام لاسترداد الحق الفلسطيني من إسرائيل. والثانية هي معركة غزة في مواجهة عدوان غاشم لايعرف الا القوة, وهذه المعركة كشفت الجميع, ومن هنا فلا داعي لأن نكرر أخطاءنا وخطايانا لكي نصل إلي حقوقنا وأهدافنا بصورة أسرع.
……………………………………………………….
إن قضية فلسطين قضية حق وعدل لشعبها المظلوم ولكل شعوبنا العربية فلقد سالت فيها دماؤنا وليس لها إلا ثمن واحد هو الدولة الفلسطينية المرتقبة وعاصمتها القدس, ويجب أن تفهم ذلك إسرائيل وأمريكا معا. وأن يسلم بذلك العالم كله. كما يجب أن تفهم إيران أننا لا نبيع قضيتنا الأم أو نرهنها, حتي ولو تظاهرت كل إيران وقال الملالي وتحدثوا عن فلسطين, فنحن نعرف حقيقتهم ومراميهم.
ونقول لهم أفضل لكم ولقضيتنا أن تبتعدوا.. لا نريد منكم حتي الدعم, فقد انكشف وجهكم القبيح وأنتم أداة تقسيم للعرب بل وللإسلام, وأنتم صناع حقيقيون للفتنة بين العرب والمسلمين وأن كل عربي يبيع اليوم قضيتنا لإيران لن يسامحه التاريخ والتجربة بينة في العراق ولبنان, فوجود إيران يؤخر استقرار وتطور ونمو بلدين عربيين شقيقين, بل إن وجودها يؤخر استرداد سوريا لأراضيها.
كما أن إيران تحتل جزرا عربية إماراتية ولن نتسامح معها حتي نستردها, وتتآمر يوميا علي البحرين بل إن إيران تضرب عرض الحائط داخل حدودها بحقوق عربية بل وحقوق الطائفة السنية, وتحاول أن تصل بالمذهب الشيعي إلي الدول العربية والإسلامية.
ونعود إلي قمة شرم الشيخ ومكانتها فهي قمة ذات معني ومغزي كبيرين وتعبر عن مكانة مصر ودورها في إقليمها وعالمها. فهي قمة دعي إليها صباح السبت الماضي وانعقدت ظهر الأحد بعد أن انكشف العدوان وبات وشيكا أن يتوقف, وأن إسرائيل ستعلن من جانب واحد وقف العدوان وأن الفصائل في غزة ستكون مطالبة بأن تفعل بالمثل.. وهذا ما حدث تماما.
ولذلك أصبحت هناك ضرورة قصوي وعاجلة لجمع هذا الحشد الدولي والإقليمي ليس لدعم دور مصر لأنه لا يحتاج إلي من يدعمه ولكن لمساندة تحركها من أجل تثبيت وقف إطلاق النار والانطلاق فورا إلي معالجة القضايا الأساسية التي ينبغي حلها للتوصل إلي تهدئة وهي فك الحصار وفتح المعابر من ناحية ووقف تهريب السلاح إلي قطاع غزة من الناحية الأخري.
……………………………………………………….
وهنا لابد من وقفة عند الخطاب السطحي الذي زعم أن إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد أضعف المبادرة المصرية أو جاء التفافا عليها أو تجاوزا لها.. ووجه السطحية أو الضعف هنا أن القائلين بذلك لا يفهمون أن البند الأول من المبادرة هو وقف إطلاق النار بغض النظر عن الصيغة التي يتم بها هذا الوقف, ولذلك كان واردا أن يحدث وقف إطلاق النار في إطار تفاهم متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية كما كان يجري من قبل عن طريق مصر, وهذا ما يفهمه أي مطلع علي المبادرة ويعرف بنودها
وكانت قمة شرم الشيخ هي القاطرة التي تضمن الاستمرار في تنفيذ المبادرة المصرية, التي مثلما صرحت مصر بإطلاقها في وجود الرئيس الفرنسي ساركوزي في زيارته الأولي خلال الأزمة, ضمنت مصر استمرارية الدفع لمبادرتها من خلال زخم الحضور الدولي والأوروبي والإقليمي, الذي يمثل أداة تنفيذ ضاغطة علي إسرائيل وعلي الولايات المتحدة, وإدارة الرئيس باراك أوباما التي تبدأ اليوم.
لقد أثبتت المبادرة المصرية وقمة شرم الشيخ عمق الدور المصري وقدرته علي الفعل وليس فقط القول والضغط والتأثير في الأطراف وحشدهم نحو تحقيق الهدف بمسئولية وشجاعة تستحق التشجيع والتأييد بل والاصطفاف العربي وراءها حتي تحقق أهدافها وتصل بالشعب الفلسطيني إلي كامل حقه وتواجه العدوان بقوة واقتدار, ولذلك لم تكن مصادفة أن كل من تحدثوا في القمة وكلهم من أصحاب التأثير والرأي القوي في عالمنا علي إسرائيل, بل وعلي أمريكا نفسها وإدارتها القادمة..
(11 متحدثا) أكدوا أهمية المبادرة المصرية وأشادوا بتحرك مصر علي أساسها فهم يعرفون أنها المبادرة الوحيدة العملية التي تقوم علي أساس صلب ومطروحة من الدولة الوحيدة القادرة علي إنهاء الأزمة.
ونعود إلي دلالة القمة. فقد دلت بما لا يدع مجالا للشك علي الثقة والمكانة المتميزة التي تحظي بها مصر ورئيسها حسني مبارك إلي حد أن ستة قادة أوروبيين كبار هم( فرنسا وانجلترا والمانيا وإيطاليا وأسبانيا والتشيك) لبوا دعوتها خلال ساعات بالرغم من أن لكل منهم جدولا مشحونا.
وهذا رد علي من يتحدثون عن علاقات الرئيس وزياراته الأوروبية حيث يتم تقويتها باستمرار واستخدامها وإدارتها واستثمارها في الوقت المناسب بكفاءة واقتدار, وما كان هذا ممكنا إلا لمن يعرفون قيمة مصر وما تمثله الدولة الراعية وما يمكن أن يترتب علي التأخير في تلك اللحظة العصيبة.
وحضرت مع أوروبا تركيا وهي الدولة الإقليمية المهمة التي كانت مصر أول من دعاها لتشارك في الجهود من أجل حل الأزمة منذ أيامها الأولي نظرا لدورها وجديتها, فهي دولة ترفض الصغائر مثلها مثل مصر, وحريصة علي إنقاذ الشعب الفلسطيني وليس علي تصفية حسابات صغيرة, كما حضرت الأردن وهي شريك أساسي في عملية السلام.
……………………………………………………….
وإذا كان حضور محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية طبيعيا باعتباره ممثل القضية والشعب الفلسطيني, فقد اكتملت ملامح القمة بمشاركة السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي ـ أي أكبر منظمة دولية والمنظمة المعبرة عن الوضع العربي التي حاول بعض الصغار من العرب الإساءة لدورها بعبارات مبتذلة وكاذبة.وكلتا المنظمتين الدولية والعربية سيكون لهما دور مهم بطبيعة الحال في إعادة إعمار غزة.
ومثلما حظيت القضية الفلسطينية في قمة شرم الشيخ بالدعوة إلي قيام الدولة الفلسطينية في العام الحالي والإعداد لمؤتمر عالمي لإعادة بعث العملية السلمية, فقد حظيت أيضا قضية إعمار غزة بعد التدمير الذي لحق بها باهتمام القمة, وهي رسالة أخري إلي قمة الكويت التي بدأ انعقادها أمس بأن تحتل عملية إعادة الإعمار رأس جدول أعمال القمة العربية الجديدة.. ففي القمتين تلعب مصر دورا محوريا باعتبارها الداعية إلي مؤتمر للمانحين الدوليين, وهكذا تعمل مصر بكل أمانة وقدرة علي حماية حقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه من التدخلات الخارجية المعيبة.
ويبقي علي الفلسطينيين أن يدركوا بكل فصائلهم الـ13 أهمية الوحدة الفلسطينية في مواجهة القمع الإسرائيلي, والمحاولات الدخيلة والخبيثة والمتآمرة لتصفية القضية وتوظيفها لمصلحة الآخرين.
كل التقدير لمصر ولدورها وأمانتها مع قضية الشعب الفلسطيني.. قضية الحق العادل.
osaraya@ahram.org.eg
