مقالات الأهرام اليومى

تحرك مصر لوقف العدوان وخطاب التحريض والوقيعة‏!‏

واجهت مصر العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة باعتباره عدوانا همجيا بربريا من دولة الاحتلال ضد شعب محتل أعزل يجب أن يتوقف فورا‏.‏

فمنذ الدقيقة الأولي للحرب الإسرائيلية كانت مصر واضحة وقوية علي لسان رئيسها مبارك‏..‏ حيث قال إن اعتداءاتها مرفوضة ومدانة‏..‏ ولابد أن تتوقف‏..‏ وحمل قادتها مسئولية عدوانهم الوحشي رافضا كل المبررات‏..‏ بل إنه كشف أيديهم الملطخة بالدماء التي تؤجج مشاعر الغضب وتبدد الأمل في السلام‏.‏

وقد أدركنا بوضوح أن لجوء إسرائيل إلي هذه الحرب الخاطئة بكل المعايير دليل ضعف بل وإفلاس للقوة الإسرائيلية‏.‏ فليس هكذا تقاوم حركات وفصائل سياسية مهما كانت أخطاؤها الكارثية‏.‏

فإسرائيل تكرر في حربها ضد غزة في يناير عام‏2009‏ خطأها الاستراتيجي نفسه في حرب لبنان في صيف عام‏2006.‏ فتقتل المدنيين والأبرياء والعزل وتدمر البنية التحتية للشعوب ولاتحقق شيئا‏!!‏ فما حدث في لبنان بالأمس‏..‏ يحدث في غزة اليوم‏.‏ فالعدوان يكرس التخريب والكراهية‏,‏ ويفيد المتطرفين والتنظيمات والفصائل علي حساب الأوطان والدول ودماء الأبرياء‏.‏

ونحن أكثر من يعرف معني الحرب‏..‏ فقد عرفناها في‏67‏ و‏73‏ وما بينهما وما بعدهما‏,‏ من استنزاف ومقاومة وسياسة‏,‏ وهزيمة وانكسار‏..‏ إلي انتصار وإقرار الحقوق‏..‏ ونعرف كيف نقود صراعا ناجحا يحقق الانتصار في النهاية‏.‏

وقد أطلقت مصر مبادرتها المستمرة لوقف الحرب‏..‏ فكان أكبر تحرك دبلوماسي وسياسي‏..‏ بكل مصداقية اللحظة ودقتها وحرجها علي كل الأصعدة‏..‏ من رئيسها ودبلوماسييها‏..‏ الجميع يطالبون بوقف قتل المدنيين والحد من ضغوط الحرب علي الأبرياء‏..‏

لقد كان للتحرك المصري ثقله مع الجميع من أجل تغيير المعادلة الخاطئة التي أدت إلي هذه الحرب غير العادلة ضد الأبرياء والمدنيين‏.‏ ووسط هذا التحرك الإيجابي الذي يتسم بالقدرة ووضوح الرؤية‏..‏ نجحت مصر في كشف العدوان وإبطال ذرائعه ومبرراته بما استوجب تحركا دوليا مختلفا‏,‏ حيث حضر الرئيس الفرنسي ساركوزي إلي المنطقة وكذلك وفد الترويكا الأوروبية ورئيس وزراء تركيا رجب أردوغان‏,‏ كما أن هناك تحركا جديدا في مجلس الأمن‏.‏

……………………………………………………….

لقد كشفت مصر كل القوي التي كانت وراء العدوان‏..‏ أو التي تحاول استثمار العدوان علي حساب دماء الشهداء من الفلسطينيين‏,‏ وبرؤية صادقة وحقيقية وعملية سوف نتحرك من جديد مع حماس‏,‏ فقد حضر وفدها للقاهرة لإعادة ترميم الموقف الفلسطيني المتصدع‏.‏ وهنا طار عقل كل المتطرفين في المنطقة‏..‏ كل من حرضوا علي هذه الحرب الحمقاء يحاولون الهروب في تلك اللحظة من جريمتهم‏,‏ سواء من الإسرائيليين أو المتطرفين منهم وإيران التي هيأت سياستها لأجواء العدوان حيث تريد أن تستفيد من هذه الحرب القذرة من أجل تحقيق مصالحها‏,‏ ولذا خرجت بتصريحات للصحف الإسرائيلية‏,‏ مدعية أن مصر ضد حماس ولا تريدها أن تخرج منتصرة من هذه الحرب‏.‏

وهناك فرق شاسع بين الرغبة في عدم الانتصار وبين أن تنتقد مصر حماس وتطالبها بتوضيح مواقفها‏,‏ وتدعوها إلي وحدة الفصائل الفلسطينية مع منظمة التحرير‏,‏ وأن تطالب مصر حماس وفتح بإنهاء الانقسام الدائر بينهما في الضفة الغربية وقطاع غزة‏.‏ فهذا الانقسام وهذا التصدع الفلسطيني هو الدافع وراء الأزمة الراهنة فلا يمكن لأي مدافع عن القضية الفلسطينية أن ينكر أن جزءا من مأساة غزة الراهنة يرجع إلي حالة الحرب والانقسام المعلنة بين فتح وحماس‏,‏ وأن الصراع بينهما كان أحد مسوغات استدعاء الهجمة والتوسع والتدمير الإسرائيلي للقطاع الذي خرج علي الدولة قبل إنشائها‏,‏ متسرعا بحثا عن السلطة قبل التحرر والاستقلال وقيام الدولة العتيدة‏.‏

إن مكاشفة حماس بالحقائق ومطالبتها بالتصحيح والتعاون واحترام العملية السياسية الدائرة هو جزء من واجب مصر السياسي تجاه الأشقاء وحماية لمصالحهم‏.‏

……………………………………………………….‏

كما أن مصر بقدرتها وصدق مواقفها لا تحتاج أن تتكلم بلغتين أو لسانين أحدهما لإسرائيل والآخر لحماس‏..‏ فمصر تطالب إسرائيل بوقف العدوان وإنهاء الحصار وإطلاق الأسري والتعاون مع السلطة الفلسطينية من أجل قيام الدولة‏.‏ وتطالب حماس باحترام شرعية وجودها في السلطة وبوحدة الفلسطينيين‏.‏

إنها مكاشفة صريحة وقوة سياسية تملكها مصر‏..‏ قوة نابعة من صدقها ووعيها بمصالح العرب ومصالح الفلسطينيين‏.‏ ومن هنا نستطيع أن نفهم عدم رضا المتطرفين‏,‏ وسعيهم إلي الوقيعة بين مصر وحماس حتي نترك الفلسطينيين فريسة للعدوان‏,‏ وهذا ما لن يحدث‏..‏ فمصر لديها رؤية استراتيجية‏,‏ ولديها قدرة علي متابعة الهدف‏,‏ بما فيه مصلحة الفلسطينيين من وقف للحرب ومنع الاعتداء عليهم‏.‏

ولعلنا هنا نتكلم بقوة عن رصيد مصر وعمقها السياسي والدبلوماسي مع أوروبا‏,‏ وخاصة مع فرنسا‏,‏ حيث يتم استخدامه الآن علي أعلي مستوي سياسي بين الرئيسين وتوظيفه من أجل المصالح الفلسطينية والعربية العليا‏,‏ ونفس الموقف مع أشقائنا العرب في السعودية والأردن وتركيا القوة الإقليمية المعتدلة‏.‏

وليس غريبا كذلك أن تواصل إيران وأذنابها في المنطقة حملتهم علي الدور المصري‏..‏ ويمارسوا اللغة نفسها والتحريض نفسه فتلتقي مصالح إيران وإسرائيل‏..‏ فكلتاهما يريد استمرار الحرب‏,‏ والمضي قدما في توسيع الهجوم علي غزة‏..‏ حيث تستمر إيران في التحريض ضد مصر ورئيسها بنشر الشائعات والفتن‏,‏ حتي التحريض الطائفي الرخيص‏..‏ لتأليب السنة والشيعة‏..‏ وتجميع المتظاهرين وخلط الأوراق بالحديث الفج والأكاذيب والأخبار المغلوطة عن الأوضاع الداخلية والاقتصادية في مصر‏.‏

………………………………………………………‏

لكن مصر قادرة علي كشف كل أكاذيبهم ومغالطاتهم وتناقضاتهم‏,‏ فكلها رخيصة وضعيفة‏,‏ بل إن عدوانية الملالي الإيرانيين ضد العرب تتصاعد‏,‏ وأصبحت مصدر استهجان ورفض الشارع العربي من المحيط إلي الخليج‏.‏ وما يهمنا هنا هو أن الخلاف ليس مع إيران شعبا‏,‏ ولكن مع الجماعات الحاكمة والتي تحرض ضد العرب وتصنع الفتنة الدينية‏,‏ وتتدخل في الشأن العربي لتحقيق أهداف سياسية رخيصة لجماعتها علي حساب القضايا العربية‏..‏ بل بلغت حماقتهم للتعريض بوطننا وبمصريتنا وعروبتنا وبرئيسنا‏,‏ وتحريض الجماعات الشيعية والمتطرفة علي الإرهاب وحماية القتل وتغيير الحكم‏.‏ ولعلنا نتذكر خطاب‏(‏ حسن نصر الله‏)‏ رئيس حزب الله‏,‏ والذي كان عنوانا للخطب صانعة الفتن والتحريض المباشر والفج‏,‏ والاستخدام الوقح والجبان للدماء الفلسطينية الغالية في صنع الفوضي والتوتر الإقليمي‏..‏ والتي كشفها شارعنا العربي بسرعة‏,‏ وهو يستحق التقدير والإشادة‏,‏ لأن الوعي العربي ارتفع إلي مستوي الحدث وبما يليق بأرواح الشهداء الأبرياء‏..‏ بل امتد إلي كشف الأنظمة وصغار الحكام والأحزاب التي تمارس التحريض والشعوبية علي حساب القضية الفلسطينية وعلي الدور الحقيقي والفعالية‏.‏

ومايهمنا الآن هو استمرار العمل علي حفظ الدم الفلسطيني الغالي ووحدة الفصائل‏,‏ وأن تظل قضية الفلسطينيين حية ومتجددة‏,‏ وأن نكشف العدوان ونعريه أمام نفسه وأمام العالم‏.‏ هذا هو الدور الحقيقي والفعالية التي ننتظرها‏..‏ فقد تعلمنا من كل أخطائنا السابقة في إدارة الصراعات والوقوع في الأخطاء‏.‏ وأصبحنا قادرين علي صناعة النصر الحقيقي‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى