دولة مارقة..!

الأحد 6 من ربيع الثاني 1447 هــ
العدد 50700
ظهر مصطلح «الدولة المارقة» فى مطلع التسعينيات على لسان الإدارة الأمريكية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، حين أرادت أمريكا أن تحدد خصوما جددا يبررون استمرار تدخلها فى النظام الدولى، وقد تبنى هذا المفهوم مستشار الأمن القومى الأمريكى آنذاك، أنتونى ليك، ووزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، للإشارة إلى دول ترى فيها الولايات المتحدة تهديدا مباشرا لمصالحها وأمنها القومى، مثل كوريا الشمالية، وإيران، والعراق، وليبيا، والسودان.
أعتقد أن هذا التصنيف سياسى بامتياز وليس قانونيا، إذ لم يعتمد على معايير دولية متفق عليها، وإنما على نظرة أمريكا وحلفائها، فالمصطلح ارتبط بعدم احترام القرارات الأممية، أو السعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، أو دعم جماعات مسلحة، أو ارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ومع ذلك، ظل انتقائيا إلى حد بعيد؛ إذ صُنفت دول بعينها، وفق هذه المعايير، بينما جرى تجاهل إسرائيل رغم تطابق أفعالها مع الوصف، والتى أصبحت المثال الأبرز على (الدولة المارقة)، بالطبع، منذ عقود، حيث تتهم بانتهاك القانون الدولى، ورفض تنفيذ عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى استمرارها فى بناء المستوطنات غير المشروعة، وممارساتها ضد الفلسطينيين.
لقد تصاعدت فى السنوات الأخيرة الاتهامات لإسرائيل إلى حد لجوء جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، التى أصدرت تدابير مؤقتة ضد تل أبيب فى قضية الإبادة بغزة، كما وثّقت منظمات حقوقية كبرى، مثل هيومن رايتس ووتش، وأمنيستى، أن سياسات إسرائيل ترقى إلى جريمة الفصل العنصرى، ورغم كل ذلك لم تُطلق الولايات المتحدة، ولا حلفاؤها الغربيون، على إسرائيل وصف «الدولة المارقة»، بل استمرت فى تبرير سياساتها تحت شعار «الدفاع عن النفس»، والسبب واضح وهو أن المصطلح أداة سياسية لا معيارا محايدا، فهو يُستخدم لتأطير الخصوم، وفرض العقوبات عليهم، بينما تُحمى الدول الحليفة مهما ترتكب من أفعال مشابهة أو أشد، لكن بالتأكيد رياح الواقع والتاريخ لن تجرى دائما حسبما يشتهى نيتانياهو، ولعل مشهد الأمم المتحدة عندما بدء نيتانياهو خطابه وقاطعه الكل ابلغ دلالة علي الدولة المارقة، وبعد الاعترافات العالمية، خاصة الأوروبية، بل كذلك بعد أن أعلن ترامب أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية- فإن تل أبيب اقتربت من وصف «الدولة المارقة».
