حول قمة الدول السبع

الأثنين 25 من ذي الحجة 1440 هــ
العدد 48475
كنت أتصور أن قمة الدول الغنية أو الكبرى، فى عالمنا المعاصر التى تعقد الآن فى إحدى المدن الفرنسية (بيارتيز) على الأطلسى، وقد كانت ثمانى ثم عادت سبعا، كما كانت، عندما أطلقت- قد احتضرت، أو انتهى دورها فعليا، قبل أن تصل إلى نصف قرن من عمرها.
تصورت ذلك عندما رفض الرئيس الأمريكى، فى قمتها العام الماضى 2018 فى كندا، البيان الختامى للقمة، وهو عائد إلى بلاده على الطائرة، بعد انتهاء الاجتماعات، وبذلك أعطى ترامب يومها درسا لنظرائه، أو حلفائه الأوروبيين وكندا الذين حاولوا تلجيم طموحات الرئيس الأمريكى المنتخب، والتأثير فى قراراته…ساعتها أدركت أن جموح ترامب أو قوته ورغباته السياسية واتجاهاته المعلنة أكبر وأقوى من حلفائه، وأنها بلا حدود، وأيا كان رأينا فى سياساته أو رؤيته، فهو قوى بما يكفى، ليصبغ الحقبة الراهنة، من الحكم الأمريكى باتجاهاته ورغباته، مهما يكن شططها، وأنهم لا يستطيعون تدجينه، أو دفعه للسير فى ركابهم.
ثم وجدنا الرئيس الأمريكى يتبع هذا التصرف الحاسم، غير المسبوق دبلوماسيا، بين الحلفاء، بقرار آخر مهم فى السياسة الدولية والخارجية الأمريكية بالخروج من الاتفاق النووى الإيرانى، ومع مجموعة (5+1) ومن بينها روسيا، والتى كانت جزءا من مجموعة الثمانى الكبرى حتى خرجت بفعل العقوبات التى فرضتها أمريكا بعد أحداث القرم وأوكرانيا.
هكذا ظهرت للوجود سياسة أمريكية مختلفة أو جديدة، ترسم فى واشنطن فقط، ولا تنتظر موافقة حلفائها الأوروبيين فى العواصم الأخرى، بل تتخذ القرارات الأمريكية أو الترامبية التى تنتظر من الأوروبيين أن يتبعوها أو يسيروا على نهجها، دون تمهيد أو مفاوضات أو اتفاقات مسبقة..
قمة السبع التى بدأت اجتماعاتها الخمسة والأربعين، فشلت فى أن تكون (مجلس إدارة للعالم) أو حتى مكتبا سياسيا لإدارة العالم، تلك القمة، التى اخترع مسماها الرئيس الفرنسى ديستان، فى منتصف السبعينات (1975)، وكانت عقب الاضطرابات التى شملت أسواق العالم، بعد أزمة النفظ العالمية 1973، وحرب أكتوبر المجيدة التى دفعت أسعار النفط للارتفاع بشكل جنونى، لم تستطع أن تكون مجلس قيادة للاقتصاد العالمى، رغم أنها فى عام 1978 أصبحت قمة للسياسة والاقتصاد معا، وظلت القضايا السياسية الكبرى، والحرب الإقليمية تعالج بعيدا عنها، خاصة فى واشنطن.
لم تلعب هذه القمة دورا فى إنقاذ العالم، وعلاج الاختلالات الجوهرية فى السياسة، أو حتى وقف الحروب الإقليمية التى نشبت، خاصة فى الشرق الأوسط، وفى أفغانستان وفى العراق وسوريا، والآن هى على أبواب الخليج، كما ظلت هذه القمة على هامش الاقتصاد، واستمرت على هامش السياسة، ولكن قدرة النظام العالمى مازالت فى استمرارية.. هذه القمة يحاول الرئيس ماكرون فى قمة مدينة الأمواج العاتية (بيارتيز) اجتياز صعوبات جمة، تواجه المجتمع الدولى والعالم، خاصة فى قضية إيران التى قد تندلع بسببها حرب جديدة فى الشرق الأوسط، فهل ينجح ماكرون فى فرض نفسه وسيطا بين (أمريكا وإيران)؟ وهل تستجيب له طهران؟ وهل تمنحه واشنطن الفرصة؟
الأحداث سوف تكشف عن ذلك، ولكن ذكاء الرئيس الفرنسى اختلق قضية حرائق الأمازون، ليعيد قضية الاحتباس الحرارى والمناخ إلى الوجود بقضية حية، تؤثر فى حياة الناس بشكل مباشر وسريع، حتى لا تفشل قمته، أو تزيد زخمها، بضرورة تدخل العالم لإنقاذ غابات الأمازون من الاحتراق، والتى تشكل 20% من أكسجين كوكبنا..قمة الدول السبع الكبرى تحولت، من قمة لمعالجة قضايا العالم إلى قمة لمعالجة الأوضاع الصعبة والشائكة التى تكتنف هذه الدول، وبعضها بعضا، ويكفى أن نشير إلى البريكست بين أوروبا وبريطانيا، وإلى الأمريكيين، وهم يقدمون أنفسهم بديلا للاتحاد الأوروبى باتفاق تجارى موسع مع المملكة المتحدة.
ولكن على هامش القمة تشارك قادة 17 دولة أخرى، بالإضافة للدول السبع بـ 24 وفدا، لعل أهمها دول الاتحاد الإفريقى برئاسة مصر، لمعالجة احتياجات هذه القارة الصعبة مع عالمها، ومحاولة تخفيف حدة الصراعات بين الدول الكبرى والدول الأخرى، أو الصغيرة التى تشارك فى أحداث وصناعة هذا العالم الواحد، ولكن يبدو أن ترامب يخطو خطوات أكبر لمعالجة أن يكون هذا التجمع العالمى أفضل وأقوى بمطالبه، بعودة روسيا لمجلس إدارة العالم وضم الصين، وهما فعلا قوتان لا يمكن تجاهلهما، ومن الدول المؤثرة فى صناعة القرار العالمى، ووجودهما مع الدول السبع الكبرى حول مائدة واحدة من الممكن أن يجعلنانصل إلى حلول أنجع وأسرع لعالم اليوم.
تساؤلات تطرحها هذه القمة التى تتكرر سنويا منذ نصف قرن: هل مازالت لهذا العالم قوة تستطيع ضبط إيقاعه وتنظيمه، بعد أن دمجته التكنولوجيا وعالم الفضاء؟ وأصبح ما يحدث فى أى بقعة فى العالم يؤثر فى الأخرى..؟ هل قادة العالم المعاصرون قادرون على إحداث هذا التغيير فى النظام العالمى لكى يستطيعوا مواجهة الإرهاب الدولى الذى تفشى، وأصبح يهدد كل البلدان؟. هل العالم أصبح قادرا على مواجهة التعصب والتطرف..؟ هل العالم قادر على تجاوز أزمات ما بعد الحرب؟ ومنع وقوع حروب جديدة؟ ومعالجة المظالم التى مازالت تكتنف العالم؟
لعل أهمها قضية الشعب الفلسطينى الذى أصبح الشعب الوحيد المحروم فى هذا العالم من تقرير مصيره. العالم أمام ظروف دقيقة، ومتغيرات تكنولوجية جمة، وحدت العالم، لكنها لم تستطع أن تواجه الأزمات، وتمنع الحروب، وتقلل من المظالم التى اتسعت رقعتها، خاصة فى منطقتنا العربية التى مازالت تدفع ثمن التعصب والإرهاب وحدها.. فهل تستطيع قمم متتابعة للزعماء الكبار أن توقف هذه المظالم، وتعالج تلك المخاطر، وتعطى البشرية والإنسانية فرصة أخرى للحياة، فى عالم تقل فيه الحروب، وتختفى منه عناصر التطرف والإرهاب؟
