نصر أكتوبر بعد ٥٠ عاما «2»

الثلاثاء 18 من ربيع الأول 1445 هــ
العدد 49974
إن سرعة بناء الدفاعات المصرية فى غرب القناة حمت الداخل المصرى من الغارات الإسرائيلية بعد مذبحة «بحر البقر» التى كشفت عدوانية إسرائيل ضد المدنيين المصريين وليس الجيش فقط، حيث أعادت مصر بناء الجيش الحديث، وظهرت دفاعات جديدة، أهمها الدفاع الجوى الذى أبلى بلاء حسنا فى حماية الداخل المصرى، ثم بدأت قواتنا فى عبور قناة السويس، بل مهاجمة خط «بارليف» لحظة الإنشاء.
لكن رحيل رئيس الأركان الفريق عبدالمنعم رياض، على الخطوط الأولى للجبهة فى ذلك الوقت، كان بمثابة إعلان أن الحرب للجميع (مدنيين وعسكريين)، ومن الجنود إلى القائد الأعلى.. كلهم على خط الشهادة، حيث استشهد رياض فى 9 مارس 1969 ليشعل الوجدان المصرى، ومنذ تلك اللحظة تغير الجيش تماما، وتسابق المصريون على التجنيد (منهم مقاتلون خريجو جامعات)، وسارت مصر فى حرب استنزاف باهرة حتى وصلت إلى العمق الإسرائيلى، وتساقطت طائرات «الفانتوم» فى أكبر ضربة لإسرائيل فى تاريخها العسكرى، وتم بناء حائط الصواريخ الذى كان اللبنة الأولى لنجاح العبور العظيم فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣. أعتقد أننا إذا تعمقنا فى حرب «الاستنزاف» فسنجدها حربا شاملة وصلت العمليات فيها إلى العمق داخل سيناء (ما يقرب من ٥٠ عملية)، وبدأ نزيف الجنود الإسرائيليين، وقد اعترفوا بأنهم فقدوا ١٢٣ قتيلا فى هذه العملية، وعلى الجانب المصرى كانت هناك خسائر، ونفذت إسرائيل إلى عمقنا، لكن عيون العسكرية المصرية كانت منتبهة، ليتم إغراق المدمرة «إيلات» أمام شواطئ بورسعيد، والغواصة «داكار» التى حاولت اكتشاف ميناء الاسكندرية، كما أن رجال الضفادع البشرية لن ينسوا تدمير الحفار الإسرائيلى أمام دولة ساحل العاج، حيث جاء هذا الحفار ليكرس الاحتلال الإسرائيلى، ويبحث عن البترول فى سيناء، فغرق قبل أن يصل إلى البحر الأحمر، وكان تدميره عملية بحرية نوعية غاية فى الكفاءة.
وبناء على ما سبق، فإن الاستنزاف كانت حربا شاملة شاركت فيها القوات الجوية، والبحرية، والبرية، والمخابرات، والمعلومات، والمدنيون المصريون فى بورسعيد، والسويس، والإسماعيلية الذين تركوا بيوتهم وعاشوا معنا فى الدلتا فى انتظار التحرير الشامل، وعبور القناة..
وغدا نكمل الحديث.
