الشاهد

الأحد الحزين قبل نهاية العام في مصر

ودعت الكنائس المصرية ضحايا الكنيسة البطرسية العريقة – المجاورة للكاتدرائية، وهي كنيسة صغيرة تنتمي للكنيسة اليونانية- المسيحيين المصريين الأرثوذكس والبطرسيين.

وقد حرص بابا الكنيسة المصرية على احتضان القداس، فعقب الصلاة والقداس الغربي حضر القداس بجوار الأنبا أنياسيوس، رأس الطائفة، كما حرص الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على أن يترأس الجنازة الشعبية من أمام قبري الجندي المجهول والرئيس السادات.
لقد ودع المصريون الضحايا من السيدات المسيحيات بالكثير من الاحترام، في رسالة فحواها أن الوطن أكبر من الإرهاب، وأن القنابل المدسوسة لن تفت من العزيمة المصرية، ولن تضعف الأقلية المسيحية أو تجعلها تنزوي، أو تخاف.
فحادث الكنيسة وضحاياه الخمسة والعشرون أوقد شرارة مصرية مختلفة عن الشرارة التي أشعلها حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، هذا الحادث الذي ارتكبه أحد الفلسطينيين القادمين من حماس في غزة في نفس توقيت هذا التاريخ من شهر ديسمبر 2011، حيث كان مقدمة لأحداث يناير، أو ثورة 25 يناير، وما أعقبها من تولي الإخوان المسلمين السلطة والسيطرة على البلاد حتى ثورة المصريين عليهم في 2013، وما يحدث من اضرابات وعمليات إرهابية لا تتوقف في الداخل المصري، والحرب المشتعلة في سيناء، والطائرات التي تقع، والسياحة التي توقفت، والاقتصاد الذي تدهور.
الشرارة الجديدة ليست للثورة ولكن ضد حركة الإخوان المسلمين، بل ضد كل تيارات الإسلام السياسي، بل ضد الحركة السلفية التي تحاول أن تخفي نفسها منذ سقوط الإخوان المسلمين، وتحاول استفزاز المجتمع بأفكارها الدينية المتشددة، أو المتعصبة.
الشرارة الجديدة ارتكبتها الجماعات الدينية متصورة أنها مقدمة لكي يرتعد المجتمع ويخاف ويسلم بما يطرح من مصالحات أو تخفيف الأحكام وعودة المياه إلى مجاريها القديمة، متصورين أن الأزمة الاقتصادية الحادة، التي تؤثر على حياة الناس في كل مكان، ستجعل الشرارة الجديدة، والخبيثة، توقد، خاصة أنهم يقرأون الأحداث القادمة من الخليج العربي خطأ تماما، فهم يتصورون أن المنطقة العربية في حاجة اليهم، فهم المقاتلون على الأرض في الشام واليمن وليبيا، وأن الضغوط المقبلة، خاصة من السعودية، ستصب في مصلحتهم، وهي قراءة لا تراعي الأبعاد الدولية للحرب الدائرة في المنطقة، ومازالوا يقرأون أن الرئيس السيسي، والنظام في مصر، حلقة ضعيفة من الممكن التأثير فيها بالطريقة نفسها التي حدثت في يناير 2011، غير مدركين الصورة الحقيقية للشارع المصري المسلم، الذي يتصورون أنه من الممكن، تحت تأثير انخفاض مستوى المعيشة، وانهيار الأسعار، أن يقع تحت تأثيرهم مرة أخرى.
وما أستطيع أن أؤكده أن الجريمة، التي طالت الأقلية المسيحية في الكنيسة، قد أطلقت شموعا مختلفة عما تصورته الجماعة، أو الجماعات المتأسلمة، فقد ولدت عناصر كثيرة من التحدي، بل زادت من مقاومة الناس لارتفاع الأسعار والانهيارات الاقتصادية.
حادثان إرهابيان خسيسان يجمع بينهما الشبه والتفكير نفسه المتـآمر، ولكن تختلف الاستجابة وحدود الرؤية المختلفة، فالأول أدى إلى حشد الأقلية المسيحية وتجهيزها للتمرد والثورة، والثاني الاستجابة له تختلف من التمرد إلى التحدي والتصميم على التخلص من آفة التمرد والانخراط مع الأغلبية المسلمة في مكافحة الأقلية المتأسلمة والمنظمة والطامحة إلى السلطة والتفرد والنفوذ على الجميع.
صورة مختلفة تماما أردت قارئي العزيز أن أنقلها مكتوبة لك حتى تراها معي، فقد عشت التجربتين، عشت الأولى وشهدت البريق يلمع مصمما على التغيير والتلويح بعصا التمرد، وشهدت في الثانية العيون تبرق والدموع تملؤها ولكنها مصممة على الصبر، على الصراع ودفع الثمن، ولكنها تقول: «لن نرتكب أخطاء الماضي القريب، ونحن معكم صابرون محتسبون الشهداء»، وكأنهم يدركون أن القنبلة أو القنابل التي وضعت في صحن الكنيسة الصغيرة لقتل المصليات لم تقصدهن لذاتهن كمسيحيات، ولكنها قنبلة وضعت لتقتل الوطن كله بمسلميه ومسيحييه، فهي قنبلة حرب وليست تعصباً دينياً أو طائفياً، إنها قنبلة لقتل الوطن واجباره على تسليم مقاليد الحكم لجماعة منظمة تأخذ من الدين الإسلامي اطارا فلسفيا يبرر لها القتل والجريمة من أجل الحكم والتسلط.
لقد عرف المسيحي المصري كيف أنه انجرف وراء مقولات جاءت من الغرب للتسلط، واستخدام الغرب هذه الجماعة المنظمة في لعبة خبيثة جرت البلاد إلى خسائر فادحة في الأموال والأنفس، وانهيار المؤسسات، وكانت صورة جماعة 6 أبريل ومظاهراتها أمام الكنيسة بعد الحادث المفجع اشارة إلى افلاسهم.
خرج المسيحيون ليقولوا: لسنا المتظاهرين، ولا نريد أي مكاسب سياسية من هذا الحادث البشع، ونحن مع الرئيس ومع الشعب، وان الإرهاب لا يفرق بين مسيحي ومسلم، فبالأمس مات الجنود بجوار جامع واليوم ماتت السيدات داخل الكنيسة، توقفوا يا أبناء التمرد عن هذا الابتزاز الاجرامي، فأنتم أشقاء الارهابيين، بل أنتم من تبررون للإرهاب، أنتم مقدمات الفوضى الخبيثة غير الخلاقة التي أطلقتها جماعات أميركية على بلادنا بحجج مختلفة، ومقولات باطلة، ولكنها كانت مقدمات الربيع التي قوضت معظم العواصم العربية.
وأخيرا لا يسعني إلا أن أقدم التحية لأرواح الشهداء، فهم الرموز أو الشموع التي توقد روح الحرية أو الخلاص لمجتمعاتنا التي أنهكها الصراع والفوضى والحروب، التحية لأرواح الشهداء لأنها التي توقظ الشعوب لحماية مصالحها والحفاظ على الأوطان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى