مصر والسودان

ما يجب ألا يغيب عن كل مصرى وسودانى أن مصر والسودان بلد واحد، وشعب واحد فى بلدين.
حقيقة يجب ألا تغيب عمَّن يحكم فى البلدين، ويجب كذلك ألا تنساها الشعوب، وواجبنا أن نذكر الجميع بها.
وإذا كانت حركة المجتمعات والطبائع والألاعيب السياسية قد حكمت بانفصال السودان فى الخمسينيات عن البلاد، عقب ما طرأ على مصر من الانتقال إلى الحكم الجمهورى، ونتيجة صراعات سياسية أدت إلى الإطاحة بالرئيس الأول للجمهورية الجديدة محمد نجيب ذى الأصول السودانية، فإننا جميعاً، مصريون وسودانيون، اختلطت أصولنا، وأنسابنا، وحتى حضارتنا فهى مشتركة، وتجمعنا حضارة واحدة أزلية هى حضارة وادى النيل الخصب، واجتمعنا عبر التاريخ – مصر والسودان – فى حضارة النيل والنوبة، ومازلنا نتذكر هتافنا فى المدارس لملك مصر والسودان والنوبة ودارفور وجنوب السودان.
ولعلنا نتذكر الآن أن انقسام السودان إلى دولتين، لم يبدأ فى أواخر التسعينيات، ولكنه بدأ بانقسام السودان عن مصر فى الخمسينيات، والذى كان إشارة إلى بداية تفتت السودان شعباً ودولة، وتشعب حروبه الداخلية، ويبدو أن السياسيين خصوصا الإخوان المسلمين تحديداً، يلعبون لعبة جديدة خبيثة، ستكون نتيجتها أن نخسر ما بقى لنا من السودان، وستكون بداية لانقسامات جديدة لهذه الدولة والشعب الذى نحبه كما نحب مصر تماما، ولا فرق، فكل مصرى وكل مصرية يحبون بلادهم وطنهم مصر لا بد لهم أن يحبوا السودان، فهو وطننا وشريكنا فى الدم وفى المياه وفى الحياة.
لعبة الإخوان الجديدة فى الشارع السودانى لن تنطلى على السودانيين كلهم، فهى لعبة تحاول أن تزرع عبرها حكومات الإخوان فى تركيا والسودان وقطر الكراهية بين الشعوب، فأوهموا السودانيين بأن المصريين لا يحبون الخير للسودان لمجرد الخلاف حول رفض المصريين عودة الاحتلال التركى ـ الإخوانى لبلاد السودان عبر معسكر أو جزيرة سواكن على البحر الأحمر، ومنها وبها يوجد الترك بطموحاتهم العثمانية الإمبراطورية المتجددة، بحجة الاستثمار أو السياحة أو الحج، ولا يخفى على الجميع أن كل المحطات التليفزيونية الإخوانية التى تبث من تركيا، قالت كلها بنفس واحد: إن أردوغان يحط فى سواكن ليس حباً فى النفوذ على السودان، ولكن عينه على الكعبة ومكة المكرمة! إلا أنه يخشى على مكة من أن تحتلها إسرائيل أو غيرها، ولأنه حامى الإسلام، فهو يوجد هناك ليحمى مكة المكرمة والمدينة المنورة!
ونحن نراه احتلالا لأراض إفريقية، ومحطة أو رأس حربة ضد استقرار مصر وليبيا، بالإضافة بالقطع إلى احتلال السودان وشعب السودان الذى يهمنا جدا، كما تهمنا بلادنا تماماً، ولا نفرق بين مصر والسودان أبداً وعلى الإطلاق وتحت أى ظروف.
أردوغان، عبر وصايته على جماعة الإخوان، وتحويلهم إلى جنود للدفاع عن خلافته المقبلة تصور، بوجوده فى سواكن، أنه سيطر على القرن الإفريقى وأصبحت له يد، فى التحكم فى البحر الأحمر (الذى هو بحيرة عربية).
أردوغان أو التيار العثمانلى الجديد، بدأ يحاول الاستفادة من الهشاشة التى بدأت فى المنطقة العربية عقب الاضطرابات التى عمت بلادنا، فيما سمى بالربيع العربى، وسقوط دول مثل ليبيا وسوريا، ويحاول أن يوجد ويقيم معسكرات جديدة للسيطرة والتحكم.
يبدو أن صورة العرب وانهياراتهم السياسية والصراعات الطائفية، قد أعطت إشارة لكل دول الجوار العربى للتحرك لفرض وصايتها على البلاد العربية، فبدأت إيران وتركيا، وطبعا من قبلهما جميعا إسرائيل ترى النفوذ الغربى ـ الأمريكى فى طريقه للانسحاب من المنطقة تدريجياً، فتفرض وصايتها عسكرياً وسياسياً على أغلب الدول العربية بما فيها مصر ودول الخليج العربى.
وهناك بالقطع تيارات فى الداخل العربى مثل الإخوان، وهم حلفاء طبيعيون لكل من يمد إليهم اليد للاستيلاء على السلطة فى بلادنا العربية، ولهم تيارات إخوانية فى السودان، وفى قطر، وقد وجدوا ضالتهم فى الخليفة العثمانلى، وفى الطموحات الإيرانية للاستمرار فى الحكم والتسلط ومد نفوذهم، وفى التردد الأمريكى فى البحث عن مواقع مختلفة للنفوذ والتحكم الإفريقي.
هذا ما يحدث الآن بين مصر والسودان، أما قضية مثلث حلايب وشلاتين فلم تكن يوماً سبباً فى الخلاف مع السودان، وإلا لماذا يتدخل السودان فى اتفاقية بين مصر والسعودية لمعرفة خطوط الطول والعرض والمياه الإقليمية لتقسيم الحدود؟ فإنها كشفت هذا المشجب الذى تركته طويلاً لاستخدامه وفقاً لحاجة سياسة الأنظمة الإخوانية المعادية لمصر للتفرقة بين الشعبين المصرى والسودانى.
هى قضايا متشابكة، ولكن لعبة الكراهية الإخوانية، هى آخر ما يكشف هذا الطابور الخامس الذى أضر كل العرب، بحثا عن سلطة لن يحصل عليها أى خائن أو عميل.
فالمصريون والسودانيون معاً سيدخلون معركة واحدة للمحافظة على استقلال السودان ووحدة أراضيه، ولن تقبل الشعوب تقسيم أراضى النوبة أو انقسام دارفور، وكلها معرضة لذلك
فى ظل حكم إخواني يفرق بين السودانى والسودانى ولا تهمه أراضى السودان.
مصر تحاول أن ترمم الأخطاء والصراعات والتناحرات الموجودة فى الجنوب، ومن أجل استقرار السودانيين وأراضيهم، مصر لن تترك القرن الإفريقي للانقسام والانهيار.
ستكون موجودة فى كل مكان لتحمى إفريقيا كلها، وتحمى النيل لكل الأفارقة، وتريد موارد النهر لكل شعوبنا وستطرد من منطقتنا أى نوع من الاحتلال التركى، كما لن يكون النفوذ التركى استثناء، كما لن يكون للنفوذ الإيرانى فى منطقتنا أى امتياز، والأيام ستثبت ذلك، كما حجمنا النفوذ الإسرائيلى، ونعمل لقيام دولة فلسطين العتيدة على الأراضى المحتلة.

