مقالات الأهرام العربى

نحن وتركيا وإيران

المحددات الإقليمية للمنطقة العربية بها متغيرات سريعة، تصل إلى حد الاشتباك والصراع، ووصلت فى بعض الجبهات الهشة والضعيفة إلى حروب بالوكالة، خصوصا مع إيران التى تحارب بجنودها وأحزابها فى الجبهة السورية، ولها مرتكزات وقواعد بل وتبنى جيوشا طائفية بها، وأصبحت لها الكلمة العليا على الجيش الوطنى السورى، وبالتحديد على الطائفة العلوية التى لا تزال تقاتل بشراسة مع بعض حلفائها وشركاء حكم البعث السورى، أو بعض الطوائف الأخرى إلى جوارها لحماية مستقبلها فى سوريا..

كل ذلك إلى جوار روسيا التى أصبحت صاحبة النفوذ الأكبر فى الدولة السورية، والأمريكيون بالقطع موجودون بزعم حماية بعض أحزاب المعارضة والأكراد!

أما الأتراك فقد دخلوا مباشرة فى الحرب، ولهم أهداف تخص دولتهم، ومنع قيام دولة كردية على حدودهم، كما تقاتل إيران عبر الحوثيين فى اليمن، ولن يقدموا تنازلات لدول الخليج فى هذه الحرب الصعبة، إلا عندما يحصلون على مقابلها فى الشام، وهكذا الوضع فى العراق تتقاسم الولايات المتحدة وإيران النفوذ داخل هذا البلد الشقيق، الذى لم يتخلص بعد من الاحتلال الأجنبى والنفوذ الخارجى، وحاول الأتراك الدخول فى العراق للتوازن مع النفوذ الإيرانى، ولكنهم فشلوا، لأن الدولتين العظمى والإقليمية المحتلة (أمريكا وإيران) وصاحبة النفوذ القوى رفضتا الوجود التركى، واستطاعا معاً خلعها من الأراضى العراقية.

وهكذا الوضع فى لبنان، حيث النفوذ الإيرانى الضخم الذى يفرض وجوده عبر حزب الله، والذكاء السياسى الداخلى فى اللعب على المتغيرات والأحزاب اللبنانية للتركيبة الداخلية المركبة والصعبة..

وتحاول السعودية ودول الخليج ومصر جاهدة لمساعدة التيارات اللبنانية الداخلية، حتى لا ينزلق لبنان إلى صراع أو حروب أهلية جديدة، لكن النفوذ الإيرانى يكاد يشل مستقبل هذا البلد العربى الصغير..

وتسير الأمور فى خاصرة العالم العربى الضعيف على هذا المنوال، فالأتراك دخلوا إلى السودان الذى يعرض قواعده وجزره للإيجار للأتراك، بعد أن تدخلت دول الخليج لإخراج إيران من السودان، وتكاد تكون اللعبة السودانية الجديدة من الخطورة بمكان، لأنها تهدد دولا عربية كبرى مثل السعودية ومصر بعد تأجير جزيرة سواكن، فكل المؤشرات تؤكد أن الأتراك يريدون وجودا فى البحر الأحمر، يوظف سياسياً للضغط على الدول العربية الخليجية وعلى مصر، إذا لم ننتبه، سيكون استراحة ليس للجيش التركى وحده، ولكن للجماعات الإرهابية ولجماعة الإخوان المسلمين التى تحالفت مع الدولة التركية، وأصبحت أداة فى يدها للتحرك الإقليمى للوصول إلى السلطة لصالح السيطرة التركية أو العثمانية أو الخلافة بشكلها الجديد أو المبتكر على يد الرئيس التركى أردوغان، كما تحاول تركيا وإيران بمساعدة خبيثة من الجماعات الإسلامية المتطرفة وقطر، الوجود فى ليبيا التى ضربت فيها الدولة تماماً بعد الاضطرابات التى أعقبت مقتل القذافى..

وهكذا وصلت حال العالم العربى إلى تقاسم نفوذ إقليمى بين تركيا وإيران، وهو أمر شبيه إلى حد كبير، بما كنا عليه فى مطلع القرن التاسع عشر الميلادى، وتحديداً فى عام 1856، وهى الأوضاع التى استمرت لمدة ست عقود، حتى أبرمت الدول الغربية اتفاقية “سايكس بيكو” لتقسيم الوطن العربى بين إنجلترا وفرنسا فى عام 1916، وكان السبب المباشر هو الاحتلال الصفوى – الفرنسى للعراق والتنافس الذى حدث بين الصفويين والعثمانيين بعد ضعف دولة المماليك فى مصر والشام.

الأوضاع الراهنة قاسية على العرب، لأن الأتراك والإيرانيين يستغلون الخلافات العربية للتغلغل فى المنطقة، فقد استغلوا أوضاع ليبيا واليمن والسودان والعراق وسوريا، كما يوظفون التيارات المتطرفة الدينية والطموحات القطرية لتهديد الخليج، والأخطر الآن أنهم يمولون الاضطرابات فى البحرين وتونس ودول الخليج العربى لمحاولة النفوذ ولو حتى بالوجود..
مازال العرب ينتظرون أن يتحرك التحالف الجديد بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، لمحاصرة التحركات الإيرانية والتركية لتوظيف التيارات المتطرفة فى البلدان للسيطرة عليها، وخلق ثغرات للتدخل العسكرى المباشر..الوضع العربى حرج يتطلب عملاً غير تقليدى وتعاونا مكثفا للخروج من المأزق الذى وقع فيه، لأنه غير مقبول أن يتخلص العرب من النفوذ الغربى، ليحل محله النفوذ الإقليمى المجحف لكل الحقوق والمصالح العربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى