مصر والسعودية.. وعالم الأقوياء

ثلاثة أيام من 4 إلى 6 مارس الحالى شهدت القاهرة زيارة محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، فى أول رحلة خارجية له فى موقعه الجديد، وهى رحلة سوف تسجل فى محطات التاريخ المهمة، ليس لأنها أول زيارة لولى عهد سعودى لمصر.
فطالما كانت القاهرة محطة مهمة لكل ملوك السعودية، ورجال الحكم الأقوياء فيها، فهناك علاقة خاصة وتحالف كبير بين البلدين منذ قيام مملكة عبد العزيز آل سعود منذ أكثر من 80 عاما، وذلك فى العصرين الملكى والجمهورى فى مصر، وقبل الاكتشافات البترولية التى جعلت السعودية مركزا سياسيا واقتصاديا مهما فى الشرق العربى كله.
كما أنها ليست أول زيارة للرجل القوى فى المملكة السعودية محمد بن سلمان، نجل الملك سلمان، وصاحب رؤية السعودية 2030، التى ينفذها بدأب فى تلك المملكة التى تشهد عهداً جديداً، يطلق عليه البعض المرحلة الثانية بعد التأسيس، فهو أول حفيد للملك عبد العزيز يتبوأ هذا الموقع الجديد، ويكون مؤهلا بقوة وتعاضد شعبى وعائلى ومؤسسى.
أتى ولى العهد إلى القاهرة وفى طريقه إلى لندن وواشنطن.. عواصم القرار الدولى ليقول للجميع إن القرار المصرى والسعودى مشترك، وإن البلدين يحملان رؤية واحدة للشرق العربى والشرق الأوسط بل والعالم، وتلك ـ وللحقيقة ـ رسالة مهمة للعالم والمنطقة العربية فى عصر تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة.
فنحن فى عصر يكاد يكون عصراً مختلفا، أصبحت فيه الدول الإقليمية المهمة تتحمل أعباء جديدة فى السياسة الدولية، وتكوين التحالفات والرؤى الجديدة، نحن نعيش الآن مرحلة الانتقال من سيطرة القرار الأمريكى على القرار الدولى، وعلى منطقتنا، إلى مرحلة تحولات مختلفة، لكل القوى العالمية رأى فيها.
هناك تصارعات يجب أن تأخذ فى الحسبان ما بين أوروبا وأمريكا، وما بين روسيا وأمريكا والصين، وهناك تباين فى المواقف الأوروبية ما بين لندن وبرلين وباريس وروما، وهناك كذلك صراع إقليمي محتدم على بلدان الشرق الأوسط والبلاد العربية، يشترك فيه شركاؤنا الإقليميون والأتراك والإيرانيون والإسرائيليون، كما أن مرحلة السيولة السابقة والتداخلات الأمريكية، إبان سيطرتها الإقليمية خلقت مراكز قوة محلية مثل جماعات الإسلام السياسى والإخوان ودويلة قطر، وقطر والإخوان يحاولان دس أنفهما فى إدارة السياسة المرتقبة، وأن يكون لهما رأي فى حكم ومستقبل الإقليم.
اللقاء المصرى ـ السعودى إشارة إلى أن الأقوياء عندما يتدخلون وينسقون، فعلى كل الصغار فى الإقليم أن ينتبهوا إلى أن حالة السيولة لم تعد موجودة، وأنه سيكون للأقوياء رأى فى كل القضايا المطروحة على مائدة البحث، وأن استمرار ووجود مؤتمرات وقوى خارجية سواء ما بين روسيا وإيران وتركيا، بعيداً عن الموقف العربى، لن يكون له تأثير على مستقبل الإقليم، وأن العرب فى سوريا ولبنان واليمن والعراق وفلسطين وحتى فى الصومال لهم ظهر وقوى سياسية يعتمدون عليها، وأن الأوروبيين والأمريكيين يجب أن يسمعا إلى ما تقوله مصر والسعودية عن مستقبل الإقليم، وأنه لن يقع فريسة لأية قوة إقليمية أو عالمية بعيداً عن حاجة الشعوب العربية.
هذه أول رسالة كبرى تخرج من زيارة ولى العهد السعودى، الذى جاء وقد أنجز معظم مهامه أو متطلبات القوة السعودية، بإصلاحات جوهرية طالت ثوابت سعودية قديمة، أن الدولة السعودية ستكون عضدا للتحديث وللدولة المدنية، وكانت زيارات ولى العهد ولقاءاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أنجز لتوه معركة كبرى فاصلة فى تاريخ الدولة المصرية، باستئصال الإرهاب والتطرف من شبه جزيرة سيناء، فى إشارة إلى قوة الدولتين، وما تملكانه من قوة عسكرية واقتصادية للتصدى لقضايا المستقبل فى المنطقة وفى العالم، وتكفى هنا الإشارة الى التحالف القوى الذى أعلن عن حماية البحر الأحمر والقرن الإفريقي ولتعمير شبه جزيرة سيناء، على أنه استغلال فعال ومحرك لكل الطموحات لشعوب المنطقة العربية، ولاستغلال مواقع الأمن القومى العربى الذى تحلق به مصر والسعودية فى آفاق جديدة فى العالم وفى المنطقة.
لقد قرر البلدان وبقوة اقتصادهما خلق منطقة تجارية واقتصادية ستكون فى سنوات قليلة هى المنطقة الأهم للتجارة العالمية، وستكون قبلة الاستثمارات فى المنطقة والعالم، وستكون لها فى شبه جزيرة سيناء فى الجنوب على البحر الأحمر (ألف كيلو متر مربع من مصر) ليكون ضمن منطقة النيوم، وستكون نقاط ازدهار لكل مدن هذه المنطقة (شرم الشيخ والغردقة والعقبة فى الأردن).
نحن أمام تطور مذهل على البحر الأحمر، يقول للعالم إن البحر الأحمر بحر عربى خالص، وأن العرب قادرون بالتعاون المشترك بينهم أن يجعلوه نقطة لاجتذاب السياحة العالمية.
السياحة تخطط لإنشاء 7 مناطق سياحية على البحر الأحمر ما بين مدن ومشاريع، كما تعمل على إنشاء 50 منتجعاً على البحر، و4 مدن صغيرة، وتنقل الزخم الموجود على البحر المتوسط خلال فصل الصيف إلى البحر الأحمر، لتكون منطقتنا على البحرين الأبيض والأحمر طوال العام هما أكثر نقاط الجذب السياحى بكل أشكاله من السائحين ، وهذا سيجعل سيناء قبلة العالم، مع وجود جامعة الملك سلمان المتخصصة فى المجالات الحديثة فى ثلاث مدن بسيناء.
لقاء الرئيس السيسى مع الأمير محمد بن سلمان عكس عناصر القوة فى البلدين، فكل الحراك فى السعودية ومصر تم استثماره اقتصادياً وبشكل لافت للنظر لكل المراقبين فى العالم.. وقد سبب لقاء الرئيس السيسى والأمير محمد بن سلمان إزعاجا لكل القوى الإقليمية التى تريد إضعاف العرب فى صراعهم الراهن لصالح قوى إقليمية أخرى، سواء كان ذلك فى قطر أو تركيا أو فى إسرائيل أم فى إيران، أو فى دوائر الإخوان.
إن قيادتى البلدين (السيسى وبن سلمان) قادرتان على ترجمة السياسات إلى فعل على أرض الواقع للتنفيذ لصالح شعوب المنطقة.
فالقوة المعلنة أفضل رسالة للرد على ادعاءات الأعداء، ولقاءات مصر والسعودية وقبلها مصر والإمارات، ثم التحالف الذى وقف ضد الصغار انطلق فى منتصف العام الماضى يتطور ويلاحق العصر وينتصر.
تذكروا أنه فى مارس 2018، ترجم التحالف العربى نفسه بنفس قوة التحالف العربى ما بعد انتصار 1973، لترجمة المصالح العربية أمام الطامعين الإقليميين على اختلاف مواقعهم.

