السادات ورجاله قبل 40 عاماً

مرت 40 عاما على أهم اتفاقية فى تاريخ منطقتنا فى هدوء وصمت، بلا حديث أو مناقشات تستحقها.
تلك الاتفاقية التى أبرمها باسم مصر الرئيس السادات مع إسرائيل فى وجود ومشاركة الرئيس كارتر والولايات المتحدة الأمريكية، والتى عرفت باتفاقية كامب ديفيد.
هذه الاتفاقية التى أحيطت بالكثير من الانتقادات والمشاكل التى صاحبت توقيعها، وبالرغم مما حدث من استقالات للكثير من معاونى الرئيس فى ذلك الوقت، خصوصا 3 وزراء خارجية (إسماعيل فهمى – محمد رياض – محمد إبراهيم كامل) فإن استقالاتهم كانت شهادة أخرى على عمق رؤية الرئيس السادات، صانع السلام بعد انتصاره فى الحرب عام 1973.
إن رؤيته لتحرير الأرض كانت صائبة، بل سابقة لعصرها، وتحققت على الأرض بالكامل، وانسحبت إسرائيل إلى حدودها.
ولعلى أشير هنا إلى معاونى الرئيس السادات، الذين وقفوا فى ظهره، حتى استكمل تحرير الأرض وإبرام معاهدة السلام.. وهم (الرئيس الأسبق مبارك وأسامة الباز وبطرس غالى)..
اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، أعطت لمصر ولأرضها حصانة تاريخية أمام كل العالم، ولأول مرة فى التاريخ تلزم إسرائيل نفسها بالحدود جغرافياً، وأصبحت تعرف حدود مصر التاريخية بدقة متناهية، والتى استكملت بالتحكيم الدولى فى طابا، مما جعل الحدود المصرية مع الدولة الاستعمارية التوسعية إسرائيل والمسنودة (أمريكيا وغربيا) ليس بتحالفات، ولكن باتفاقيات تجعل من إسرائيل جزءاً من الدولة الأمريكية ومحمية غربية..
اتفاقية السلام التى رفضها العرب ونقلوا الجامعة العربية من مصر إلى تونس لعقاب مصر.. هى نفسها التى أصبحت مبادرة عربية للسلام مع إسرائيل، ولقيام الدولة الفلسطينية المستقبلية ..
اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية كانت النواة لقيام دولة الحكم الذاتى الفلسطينى فى رام الله مع إسرائيل، وانسحاب إسرائيل من غزة، والمفاوضات المستمرة لقيام الدولة الفلسطينية العتيدة.
وعاد ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير إلى أراضى فلسطين يقاومون الاحتلال الإسرائيلى على أرضهم..
الاتفاقية المصرية – الإسرائيلية وضعت المنطقة فى طريق التعايش والحل، قد تكون مرت بالكثير من المشاكل، وما زالت إسرائيل ومن خلفها المجتمع الدولى وأمريكا وأوروبا تماطل فى قيام الدولة الفلسطينية، ولكنهم لا يستطيعون الاستمرار فى هذا المنوال، خصوصا فى ظل النمو السكانى الفلسطينى الذى قد يهزم الدولة الإسرائيلية من الداخل، ويقوض كل إنجازاتها ونموها إذا لم تعترف بحق الفلسطينيين فى قيام دولتهم..
الاتفاقية المصرية – الإسرائيلية حسمت الصراع الإقليمى فى منطقتنا والذى كان محكوما بهزيمتنا وضياع الأراضى فى حالة استمراره، لأن إسرائيل تستقوى بالمجتمع الدولى وبقوة أمريكا وأوروبا، بل إن روسيا والصين صامتتان لحماية إسرائيل..
وليس هذا وقت الدفاع عن هذه الاتفاقية وانتصارها، لأن التجربة أمامنا تقول ماذا حدث فى العراق؟ وماذا حدث فى سوريا؟ وما أوضاع لبنان الداخلية؟
كلنا فى حاجة لاستمرار السلام والمفاوضات لحصار إسرائيل، وجعلها تسلم بالحق العربى والحق الفلسطيني، وإذا لم تتحرك مصر لمحاصرة إسرائيل بهذه الاتفاقية وبالسلام الإقليمى، فإن المنطقة كانت ستشهد مزيدا من الاضطرابات والفوضى والسقوط، وبالرغم من ذلك، فإن بعض الأصوات الضعيفة التى مازالت تكره السادات، تظهر مرة أو مرات لمحاولة إظهار الأخطاء فى هذه الاتفاقية دون سبر غورها، ومعرفة مكامن قوتها، ولكن المتشدد والإرهابى أدرك خطورتها فتصور أنه بتدبير مؤامرة اغتيال السادات سيوقف مسار المنطقة نحو السلام الإقليمى وقيام الدولة الفلسطينية العتيدة التى سوف تنتصر بإذن الله، لأن الحق معها، والعرب أصبحوا يعرفون قدرة السلام والتفاوض الذى هو من أقوى من قدرة الأسلحة والجيوش، إذا كان الحق معه.
ونتطلع إلى أن يستمر مسار السادات ورؤيته لحل الصراع العربى – الفلسطينى والإسرائيلى، واستكمال الورقة الثانية التى وقعها فى كامب ديفيد التى احتفظت لمصر بقدرتها للتحرك للسلام الشامل لكل دول المنطقة، وصولاً إلى استقرار الشرق الأوسط، وإنهاء الحروب وضياع المصالح الإقليمية لدولنا، لو كانت سوريا والعراق سارتا على خطى مصر لحصلنا على الحق الفلسطينى بالكامل، ومنعنا انهيار وتفكك الدولتين العزيزتين اللتين وقعتا فى براثن الاحتلال والتحلل.
هى رسالة لكل من وقف ضد السادات وساند مقتله، هو بطل الحرب والسلام فى عالمنا العربى والإسلامى.


