معني أن يقود مصر زعيم منتصر

اليوم يجب أن نقف جميعا الساعة الثانية وخمس دقائق تحية وتقديرا لقواتنا المسلحة في العيد الـ35 لحرب أكتوبر عام1973.. تلك اللحظة التي عانق المصريون فيها تاريخهم بحاضرهم علي أرض سيناء بعد فراق طويل بالمعني وليس بالزمن فاستردوا كرامتهم وانتصروا.
ونقف جميعا لا لكي نتذكر نصرا عزيزا وغاليا فقط, ولكن أيضا لنعيد ربط الحاضر بالماضي, فالذين قادوا الأمة إلي نصر أكتوبر مازالوا يقودونها اليوم في مواجهة مصاعب التعمير والبناء والتنمية بالروح ذاتها والعزيمة نفسها.
إن أضواء أكتوبر لم تخب عن وجه الحياة بمصر علي الرغم من الحديث عن المشكلات وطغيان الطموحات, ومازال قائد الضربة الجوية التي مهدت لنصر أكتوبر يقود الأمة في مسيرة نماء تواجهها أخطار كثيرة في الداخل والخارج, وفي محيط يخضع للفوضي أكثر مما يخضع للنظام.
ومازال الرئيس حسني مبارك وقد جاء من صفوف قادة النصر في أكتوبر يقود أمته بعقلية المنتصرين الذين عرفوا ويلات الحروب وحجم التضحيات, وكان السلام بعد النصر خيارا له وهدفا لم يحد عنه.
ومازال القائد البطل ابن النصر العسكري وصانعه هو نفسه القائد الوطني الذي يبني وطنا عزيزا قويا لأبنائه يقوده نحو إصلاح سياسي جسور. وإصلاح اقتصادي علي أسس ثابتة, إلي جانب إصلاح اجتماعي متوازن يحمي الفقراء ومحدودي الدخل, ويدفع الأغنياء للمشاركة والعمل الجاد في بناء الاقتصاد وتطوره بلغة العصر وأساليبه, وسط حملات تشكيك تستفيد من مناخ الحرية الذي أسسه وعمل علي تطوره واستمراره, وهو نفسه الذي تعرض لحملات التشكيك في قدرات قواتنا المسلحة علي الحرب واستعادة الكرامة التي داستها غطرسة القوة الإسرائيلية ومن ورائها دعم أمريكي وغربي بلا حدود أو توقف.
نعم مبارك هو القائد البطل الفريد الذي جمع بين معارك عديدة وانتصر فيها جميعا ومازالت معركته العسكرية حديث يومنا ومبعث فخرنا المتجدد مع الزمن.
ولم تنل من عزيمته مظاهر الفوضي التي سادت في بلادنا قبل النصر.. هو ورفاقه الأبطال.. فكان نصر أكتوبر مفاجأة للجميع ولكنه لم يكن مفاجأة له, فلقد خطط ونفذ وكان مع رجال عرفوا معني الوطن والانتماء فانتصروا.
واليوم في معركة البناء والسلام مازالت حملات التشكيك مستمرة, ومازال بطلنا ورئيسنا مبارك علي عزمه القديم, غير عابيء بتلك الحملات, بل إنه يعرف أهدافها ومن يقف وراءها في الداخل والخارج. وهو عزم صهرته التجربة الطويلة, وصاغته عقلية المنتصرين في الحرب التي شككوا فيها طويلا.. ولا أتجاوز الحقيقة حين أقول إن الأصوات نفسها التي شككت في النصر عادت اليوم في شكل أصوات تبدو كالأشباح التي تتراقص في المقابر, فهي أصوات كانت في عصور الهزيمة تبرر كل ضعف وكل خطأ, وقد ملأت رؤوسنا بالشعارات, وأشعلت حماسنا وعطلت داخلنا صوت الحكمة, واليوم تحاول العودة إلي الأضواء التي لا تطيق الابتعاد عنها.
إن آفة الأخبار الكاذبة هم رواتها الذين يتصدون للتشكيك في كل أعمالنا وما تلاها بعد النصر والسلام, ولم ننس أن هؤلاء هم أنفسهم صناع هزيمة يونيو والمدافعون عنها, والمبررون لها والمعارضون لكل تحرك يخرج علي تصورات الستينيات في إنكار واضح لمعني الزمن والتغير والتطور, وهم أيضا الشاهد الوحيد علي ما يروون من أحداث.
……………………………………………….
من هنا فإن علينا أن نحصن الرأي العام من رواة السير الشعبية علي شاشات التليفزيون, وصفحات الصحف, إذ لم يعد هؤلاء يقنعون بفضيلة الصمت أو حكمة الإنصات.. وأنه حفاظا علي الوجدان الوطني للمصريين علينا ألا نتركه فريسة لمن يشكلون بالافتراءات وعيهم, ويبنون في رؤوسهم عوالم لم تنشأ في أوطانهم, ثم يستثمرون تلك العوالم الوهمية في النيل من حاضر لا يمكن بأي حال مقارنته بما كان في مصر قبل حرب أكتوبر عام1973.
إن هذا الدرس التاريخي لابد أن نستحضره ونحن نتابع مسيرة الأحداث في بلادنا ومن حولها, فقد طاب للبعض منا أن يرفعوا أصواتهم من وقت لآخر محذرين مما يصفونه بالفوضي والاضطراب اللذين يسكنان عقولهم وعقول القوي الكبري في الخارج التي تحركهم, لا لشيء إلا لأن أحدا لم ينصت لنصائحهم ولم يعمل بها.
نعم من حق الأجيال الحالية التي ولدت بعد الحرب ولم تذق طعم الهزيمة المروعة في يونيو عام1967 ولم تعش الفترة الفاصلة بينها وبين حرب أكتوبر بكل ما فيها من مشاعر اليأس والإحباط والأمل ألا نتركها فريسة لمجموعة عاشت وقتا طويلا علي كتابات وأقوال دعاة الهزيمة ونشر اليأس. فهذا الجيل يستحق منا أن ندفعه للأمل وللمستقبل, ولنا في نصر أكتوبر الأمل كل الأمل في دعم إرادة هذا الشعب في مواجهة التحديات, والثقة كل الثقة بصناعة الأمل في غد هو بكل تأكيد أفضل كثيرا من الماضي.
……………………………………………….
إن مصر وعلي الرغم من استراتيجية الحفاظ علي النصر مازالت في مرمي الخطر بحكم الرصاص الذي ينتشر عشوائيا في المنطقة من حولنا, وهذا الوضع يفرض علينا الحفاظ علي ضمير الوطنية في نفوس المصريين بعيدا عن المهاترات السياسية وتصفية الحسابات لمصلحة قوي في الداخل أو الخارج, وليس أهم من أن يعي الجميع حقيقة ما قمنا به بناء وتسليحا وتعميرا.
إن نصر أكتوبر مازال متجددا في حياة المصريين, وينبغي الحفاظ عليه من محاولات التجني عليه وإفراغه من مغزاه السياسي والاجتماعي والاقتصادي, فلقد فتح هذا النصر الطريق إلي السلام ففرضت مصر سيادتها تماما علي كامل ترابها الوطني, وحصنت أرضها بقواتها المسلحة وحافظت علي ترابها الوطني ويممت وجهها صوب البناء, واختارت طريق السلام وهو خيار المنتصرين, وهكذا فإن أرض مصر محصنة أكثر من أي وقت مضي بالرجال والعقول والقراءة الحكيمة للواقع من حولها.
لقد حاولت قوي كثيرة أن تجر مصر خلال العقدين الماضيين إلي مغامرات تضعف من حصانة أرضها ولكن عقلية المنتصر الواثق لم تستجب لتلك المحاولات حتي أصبحت مصر واحة للاستقرار في هذه المنطقة الملبدة بالغيوم والشكوك والتهديدات وعاش شعبها أطول فترة في تاريخه الحديث بلا حروب أو صراعات.
وفي الذكري الخامسة والثلاثين لحرب أكتوبر نوجه تحية لرجال القوات المسلحة, ولقائدنا البطل حسني مبارك, ولشهدائنا الأبرار الذين فاضت دماؤهم من أجل اليوم الذي نعيشه أعزاء, والمستقبل الذي نبنيه لأجيالنا الجديدة, وفي مقدمتهم صاحب قرار الحرب وبطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات. وذلك برغم معرفتنا وإدراكنا أن الكتابات لا تفي الدماء حقها كما لا تعطي الملحمة المجيدة حقها.
osaraya@ahram.org.eg
