مقالات الأهرام اليومى

رؤية حزب‏….‏ وأسئلة مشروعة

القضايا المطروحة للحوار والنقاش‏,‏ في المؤتمر السنوي الخامس للحزب الوطني‏,‏ ليست قضايا حزبية‏,‏ وإنما هي قضايا وطن لابد أن تحتل أولوية لدي الجميع‏.‏ والحوار حولها ليس مقصورا علي الحزب الوطني وأعضائه‏,‏ إذ إن هناك مساحات مفتوحة للحوار والنقاش أمام المصريين جميعا‏,‏ وتمثل الأوراق الكثيرة المطروحة في المؤتمر رؤية الحزب لفلسفة وآليات التعامل مع هذه القضايا العامة‏,‏ ومن حق الأحزاب الأخري أن تكون لها رؤيتها المطابقة أو المغايرة للحزب الوطني‏,‏ فالمهم هو أن تطرح رؤيتها إثراء للحوار الوطني‏,‏ بدلا من المشاحنات التي استنفدت جهودها وأقعدتها عن أن تفعل شيئا من أجل مصر‏.‏

وفلسفة الحزب الوطني ورؤيته لكيفية التعامل مع القضايا الوطنية العامة تضمنها تقرير أمانة السياسات في نحو‏260‏ صفحة‏,‏ وهذه الوثيقة الحزبية لها أهميتها الكبري في هذه المرحلة‏.‏ والجميع من الحزبيين وغير الحزبيين مدعوون لقراءة هذا التقرير قراءة موضوعية لاتخضع للهوي السياسي‏,‏ لعدة أسباب‏:‏

أولا‏:‏ أنها تمثل فلسفة الحزب الأكبر في مصر ورؤيته الاستراتيجية والمرجعية الأساسية لبرامج عمل الحكومة في المرحلة المقبلة‏.‏ أي أن هذا التقرير يحمل رؤية مستقبلية لجميع الجهود التنموية التي يتحمل مسئولية قيادتها الحزب الوطني وحكومته‏.‏

ثانيا‏:‏ أن القضايا التي يعرض لها التقرير هي بحق القضايا الأهم التي تواجه برامج التنمية في مصر إحدي عشرة قضية تتصدرها التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر وتأتي في نهايتها الأبعاد الدولية للتنمية‏,‏ وبينهما قائمة طويلة من القضايا الخاصة بالتشغيل والأمن الغذائي والطاقة والنقل وحقوق المواطنة وغيرها‏.‏

ثالثا‏:‏ أن التقرير يعرض في موضوعية ولغة منطقية ما جاء به الفكر الجديد في الحزب منذ إطلاق مسيرة الإصلاح في عام‏2002,‏ ويعترف بأهمية أن تخضع تلك الرؤي للمزيد من الدراسة والتمحيص والتقويم في ضوء المتغيرات المحلية والعالمية التي تنعكس سلبا وإيجابا علي جهود التنمية في مصر‏.‏

رابعا‏:‏ أنه في مقدمة التقرير يؤكد جمال مبارك أمين السياسات محور الفكر الجديد في الحزب الوطني بقوله‏’‏ لا ندعي أننا نملك الحلول دون غيرنا‏,‏ لانتردد في الانفتاح علي المجتمع بكل فئاته‏.’‏ وهي دعوة صريحة للمشاركة في مواجهة تحديات التنمية في مرحلتها المقبلة‏.‏ فالقضية هي مصر أولا‏.‏

تطرح مقدمة التقرير عشرة أسئلة تنطوي الإجابة عنها علي أهمية خاصة في تقويم سنوات الإصلاح التي بدأها الحزب الوطني منذ نحو ست سنوات‏.‏ فالأزمة المالية الحالية قد أغرت البعض بالحديث عن جدوي سياسات الانفتاح وتحرير الاقتصاد المصري والاقتراب من آليات السوق‏,‏ وكأن مصر خلال تلك السنوات قد أصبحت واحدة من غلاة الدول الرأسمالية‏.‏

لقد كانت مصر من أكثر الدول حذرا في التحول نحو اقتصاد السوق‏.‏ وهذا الحذر الشديد جنب مصر الكثير من أزمات التحول التي عاني منها الكثير من الدول الأخري‏.‏ بل إن هذا الحذر الشديد كان محل انتقاد لأداء الاقتصاد المصري من أصوات في الداخل والخارج أيضا‏.‏

هذه التساؤلات والإجابة عنها علي درجة عالية من الأهمية‏,‏ لأنها باختصار تمثل الناتج النهائي لتجربة السنوات الماضية‏,‏ ومؤشر قوي لاختيار الطريق في المستقبل‏,‏ حيث بدأت مسيرة الإصلاح وسط ضجيج التشكيك حتي قبل أن نجني ثمرة واحدة من ثمار السياسات الجديدة‏.‏

واليوم يبدو منطقيا أن نتساءل ـ مع تقرير لجنة السياسات بالحزب الوطني التي ترتفع بمستوي الأداء السياسي إلي المستويات المناظرة عالميا التي نطمح إليها ـ ماذا لو‏:‏

*‏ أننا استجبنا لدعاوي التشكيك وتخلينا عن مسار الإصلاح في وقت كان الاقتصاد المصري فيه يعاني مشاكل هيكلية هائلة؟

‏*‏ كيف كان بوسعنا أن نواجه الأزمة المالية العالمية الراهنة بوضعية الاقتصاد المصري قبل عمليات الإصلاح؟

*‏ هل كان بوسعنا أن نوفر‏70‏ مليار جنيه إيرادات إضافية للموازنة العامة للدولة علي مدي السنوات الأربع الماضية‏.‏ فهذه المليارات ناتج مباشر لعملية الإصلاح‏,‏ وقد مكنت الدولة من زيادة معدلات الإنفاق في التعليم والصحة ومياه الشرب والإسكان وغيرها؟

*‏ هل كان بوسعنا أن تتنامي قدراتنا علي جذب الاستثمارات الأجنبية من‏3.9‏ مليار دولار قبل ثلاث سنوات إلي‏13.3‏ مليار في العام المالي السابق؟

*‏ هل كان بوسعنا مضاعفة صادراتنا السلعية ثلاث مرات لتصل إلي نحو‏30‏ مليار دولار في ظل الأوضاع الاقتصادية التي سادت قبل برامج الإصلاح؟

*‏ هل كان اقتصادنا قبل ثلاث سنوات قادرا علي إيجاد مليوني فرصة عمل‏90%‏ منها في القطاع الخاص بدون إعادة هيكلة الاقتصاد المصري؟

هذه وأسئلة أخري تحتاج إلي إجابات موضوعية غير خاضعة للمزايدات الحزبية حتي يمكن أن نتعرف حقيقة علي ما تحقق في مصر‏,‏ وهي تساعدنا أيضا علي المضي قدما في برامج الإصلاح لتحقيق المزيد من الإنجازات‏,‏ والحقيقة الأساسية التي لابد أن نتوافق عليها هي أننا بحاجة إلي حلول واقعية مدروسة توافق الواقع الاجتماعي والاقتصادي المصري ولا تتخلف عن الاتجاهات العالمية السائدة‏,‏ فنحن جزء من اقتصاد عالمي يؤثر فينا ونتأثر به‏.‏

إذ لن تأتينا حلول لمشكلاتنا من التنظير والقراءات الحزبية الضيقة‏,‏ وإنما تأتينا من قراءة واعية لواقعنا وما يجري من حولنا وقراءة أكثر إدراكا لما حققناه‏..‏ وهذه الحلول تخضع الآن لمراجعة وتمحيص وتدقيق في المؤتمر السنوي الخامس للحزب‏.‏ وبدلا من توجيه الاتهامات ونشر اليأس فليتقدم آخرون بما يرون لمواجهة مشكلات وطن يحلم بمستويات أفضل من المعيشة في عالم اليوم‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى