دلالات القمة المصرية ـ السعودية

لقاء الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية, أمس, يثبت قدرة الدول العربية علي استمرارية سياساتها القوية وتنسيقها الدائم, لمواجهة الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية في منطقتنا, ويعطي رسالة واضحة للمزايدين علي كل الجوانب بأن قدرة القيادتين وحكمتهما قد وصلت إلي مرتبة متقدمة قادرة علي حماية المصالح العربية العليا, ومحاصرة الآثارالسلبية للأحداث, وأنهما يدركان المصالح الحقيقية للشعوب وأن العمل المصري ـ السعودي وصل إلي مرحلة من التنسيق والنضج تتناسب مع العصر وتطوراته, ولا يؤثر فيه تصريح من هنا أو هناك او حادثة فردية مهما حاول بعض التيارات جعلها حديث الرأي العام, فالملفات الملحة والحقيقية وتطوراتها تتسارع وتتطلب التحرك والتنسيق..
* فبالنسبة للقضية الفلسطينية فإنها تمر بمنعطف خطير.. وقد تجاوز الانقسام الفلسطيني كل الحدود وخرج عن المسارات التي تعارفنا عليها, لحدود الانقسامات والخلافات الفلسطينية, ليصبح عبئا وخطرا ليس علي الجناحين المتصارعين وحدهما وقضيتهما المهمة لكل شعوبنا, بل ليصبح خطرا إقليميا مازالت حدود لهيبه وشراراته المزعجة لم تفصح بعد عن اتجاهاتها الجديدة؟ وأين بالضبط تصوب نيرانها؟ وما هي حدود عدم الاستقرار والتوتر المصاحبة لهذه التطورات المخيبة لآمال العرب وقضيتهم الاستراتيجية التي تتجه الآن لدخول مجالات تصوب نيرانها إلي استقرار دولنا ومنطقتنا كلها ومستقبل شعوبنا, بعد أن التهمت قضيتنا الاستراتيجية ووضعتها في ثلاجة انتظار الحل الفلسطيني الداخلي الذي أصبح بعيدا وأثرا بعد عين..!!
* والملف اللبناني.. دخل مرحلة الحشد والتجييش لمرحلة جديدة.. فالطرفان المتفقان في حكومة واحدة يدخلان معركة انتحابية شكلها هذه المرة معركة حربية.. وقد امتدت أصابع الأطراف الخارجية حتي إنها تدخل المعركة وكأنها الحرب الأخيرة فإما الموت أو الانتصار وسلاح هذه المعركة ليس التصويت أو أصوات الناخبين, بل هو الأسلحة والأموال واللمز والدخول بالطوائف في مرحلة صراعات متجددة, والأهداف المعلنة غير ما هو خفي تحت الطاولة, وكلها أوراق لعب قادمة من الخارج ولمصلحة تيارات اقليمية تستعد الآن وبكل قوة لتجميع الأوراق في ايديها استعدادا لمقايضتها عند التفاوض مع الادارة الأمريكية الجديدة التي لم تكشف بعد عن طريقتها في العمل واستعدادها لتقديم تنازلات أو مقايضة قضية بقضية وهدف بهدف, والقادة السياسيون والمحليون يندفعون كل في طريقه ملوحا بقضية يعلن عنها وهو لا يعلم أو يعلم أنها ورقة يستخدمها غيره ضد مصلحة بلده واستقراره.
* الصراع علي لبنان في قمته بل امتد الي الصراع علي المشرق العربي كله.. فهل يحافظ علي هويته وثقافته وعروبته, أم يسقط في هوة صراع إقليمي وعالمي طرفاه إيران والعالم وقضيتها.. إن مشرقنا العربي في خطر, بعد احتلال العراق والصراع علي دوله في ذروته وينتقل من دولة إلي أخري.. من فلسطين إلي لبنان وسوريا والعراق.
* أما الملف العراقي فقد دخل في مرحلة جديدة بعد الاتفاقية الامنية مع أمريكا التي قننت الأوضاع القديمة تمهيدا لصفحة جديدة.
ويصاحب كل هذه الملفات الصعبة الدور الايراني في منطقتنا الذي أصبحت حركته سريعة أوغير محسوبة وما ينتظره من مفاوضات صعبة مع أمريكا والغرب حول ملفها النووي, كما أن أوضاعه الداخلية أصبحت صعبة أيضا, بعد انهيار أسعار البترول وفقد الموارد التي صنعت دوره في محيطنا وقضايانا..!
وقد أصبح من الضروري التوصل الي سياسة عربية مشتركة تحمي مصالحنا ومستقبل منطقتنا وهويتنا من التدخلات الخارجية في شئونها وخلط الاوراق بين ما هو ديني وسياسي وما هو طائفي.. كل هذه الملفات مطروحة علي مائدة البحث أمام القوي العربية المؤثرة وأكثرها قدرة مصر والسعودية
إنها ادوار كبيرة وتحرك حاسم علي الصعيدين الإقليمي والدولي لتحجيم التدخلات الخارجية في الشأن العربي وحماية مصالحنا واستخلاص حقوقنا علي صعيد المواجهة السياسية والدبلوماسية والمقاومة المحسوبة مع إسرائيل.. وأيضا مصالح الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة وحشد الموقف الدولي علي الصعيدين الامريكي والاوروبي, بل العالمي المتفهم للحقوق الفلسطينية المشروعة والتخلص من الاثار السلبية للانقسام الفلسطيني نحو استخلاص حقوق الفلسطينيين من المحتل الإسرائيلي وفي الوقت نفسه حماية منطقتنا من التدخلات الخارجية والانقسامات الطائفية التي فجرتها الحرب الأمريكية علي العراق وتدخلات إيران في الشأن العربي, ومحاولتها مع العالم الخارجي وأمريكا مقايضة قضاياها الداخلية بقضايانا العربية, لانها أوجدت لنفسها مخلبا مستغلة الاثر السلبي لاحتلال العراق علي المنطقة العربية كلها.
كما أن التعاون المصري ـ السعودي الاقتصادي لمواجهة الازمة المالية العالمية له أثره في مواجهتها والتخفيف من حدتها وآثارها السلبية.
و يحمل الحفل المؤثر لتدشين العبارتين الرياض والقاهرة في البحر الاحمر كل معاني التعاون والمحبة من السعودية تجاه المصريين.. كما يحمل اهتمام البلدين وقدرتهما البحرية علي حماية بحرنا العربي من القراصنة والتدخل في شئوننا
* ولهذا شعر العرب من المحيط إلي الخليج بأهمية اللقاء السياسي بين الرئيس مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في جدة أمس.
واكتملت أعيادنا بوقفة عرفات المباركة غدا وعيد الأضحي المبارك بعد غد.. كل عام والعرب والمسلمون بخير. وهم أيضا قادرون علي تجاوز المصاعب والبناء عليها لمصلحة مستقبل شعوبنا وتطورها واستقرارها.
osaraya@ahram.org.eg
