مقالات الأهرام اليومى

فـاروق حسـني‏..‏ خسارة بطعم الفوز

كان يسعدنا بالقطع نحن المصريين والعرب أن يواصل فاروق حسني وزير ثقافة مصر تقدمه في الجولة الأخيرة‏(‏ الخامسة‏),‏ ويفوز برئاسة اليونسكو‏,‏ وهي منظمة التربية والعلوم والثقافة في الأمم المتحدة وعالمنا المعاصر‏,‏ ولكنه خسر في الجولة الأخيرة بعد ماراثون انتخابي مثير‏,‏ ظل متقدما فيه برغم المنافسة الحادة‏,‏ قطع علينا إجازات الأعياد بالمتابعة الدقيقة بكل تفصيلاتها‏,‏ فقد كانت منافسة انتخابية صعبة وقوية بكل المقاييس‏,‏ أبلي فيها الوزير المصري بلاء حسنا‏,‏ وأعطي ما كنا ننتظره منه‏,‏ وما نعرفه من شخصيته الناجحة بل والمتفوقة والمثيرة للجدل والحيوية في مصر‏,‏ حيث قدم برنامجا لليونسكو في المرحلة المقبلة‏,‏ سعي من خلاله للتعارف المتسع بين الشمال والجنوب‏,‏ وبين الجنوب والجنوب‏,‏ والدفاع عن السلام‏,‏ في محاولة لبعث جديد للروح الإنسانية في مواجهة الصراعات والحروب‏,‏ وركز في نقاط برنامجه علي إسهام العلوم في التنمية ومكافحة الفقر‏,‏ ولم ينس البيئة والتنوع البيولوجي والاحتباس الحراري‏.‏ كما أفرد للتنوع الثقافي بندا خاصا‏,‏ باعتباره بعدا أساسيا في دعم السلام‏.‏

وعكس ترشيح مصر فاروق حسني لرئاسة المنظمة هذه الفكرة المحورية لمستقبل التعايش والتقارب بين الثقافات والحضارات في زمن صعب‏,‏ تفشت فيه الحروب مع الإرهاب وغيره‏,‏ وأصبح التطرف الديني عنوانا للأحداث التي نعيشها‏,‏ ولم يكن هذا الترشيح بحثا عن موقع دولي جديد لبلدنا‏,‏ فالمصريون ـ والحمد الله ـ يتصدرون المنظمات الدولية إدارة وعملا وفكرا‏,‏ ويتبوأ أبناؤها مواقع حساسة ومهمة في الأمم المتحدة حتي وصل أحد أبنائها إلي الأمين العام‏,‏ ومنظماتها المتخصصة مثل مدير وكالة الطاقة الذرية‏,‏ كما لم يكن ذلك بحثا عن وظيفة لوزيرها الناجح‏,‏ فموقعه كوزير ثقافة مصر يعتبر بكل المقاييس من أرفع المناصب الثقافية في العالم‏,‏ فمصر أم ثقافة العالم وصانعة حضارته القديمة‏,‏ ويتزايد دورها ويتعاظم في عالمها المعاصر‏,‏ فهي صاحبة ثقافة السلام والتعايش ودورها الفاعل‏,‏ حصد من خلاله أبناؤها المناصب الرفيعة والجوائز النبيلة حتي نوبل وغيرها في مجالات السلام والعلوم والتفوق‏.‏

ولكن هذا الترشيح كان بحثا عن تعزيز دور هذه المنظمة الدولية يسهم من خلاله في تحقيق أهدافها المعلنة‏,‏ فالثقافة العربية هي الوحيدة التي لم تتول مسئولية إدارتها منذ إنشائها وحتي الآن‏,‏ وبالرغم من الخسارة فإن جدارة المرشح المصري تجعلنا نشعر بطعم الفوز ومعناه وما يجسده من الثقة واليقين في قدرتنا علي المنافسة العالمية بكل مقاييسها فهذه المنافسات مثل كل المنافسات والمباريات‏..‏ علمية ورياضية وفنية‏,‏ وجميع مجالات الإنتاج والتفوق‏,‏ والأهم من الفوز هو القدرة والجدارة والاستحقاق والاعتراف العالمي بالمكانة‏,‏ أما النتيجة فهي تدخل في معادلات أخري‏,‏ وعلينا التعبير الحقيقي عن قدرتنا بقوة تعكس مكانة مصر وفعاليتها‏.‏

لقد تعرض المرشح المصري لمناورات معيبة من قوي عالمية في أوروبا وقوة كبري هي أمريكا‏,‏ بل وعداء غير مبرر‏,‏ يدخل في نطاق العنصرية من بعض المتعصبين اليهود لتأديب مرشح مصر ومرشح السلام الذي ترفع مصر لواءه إقليميا وعالميا‏,‏ بينما يسقط الآخرون في هوة التطرف واليمين المحافظ‏,‏ فالسفير الأمريكي لليونسكو لم ينس مدرسة المحافظين الجدد في عهد بوش الابن‏,‏ واعتبر معركة فاروق حسني مجالا للثأر من فوز أوباما في واشنطن‏,‏ وتكالب المتطرفون من كل حدب وصوب في باريس حتي يبعثوا برسالة مفادها أنهم مازالوا يعيشون في العاصمة الأوروبية وفي واشنطن‏,‏ وأن هزيمتهم في الانتخابات ببلادهم ليست كاملة‏,‏ وعلي المرشح المصري ومن خلفه العرب والدول الإسلامية أن يدركوا هذه الرسالة ويتفهموا مغزاها‏.‏

إننا نعرف أن معركتنا ضد التطرف والإرهاب والعنصرية بكل أشكالها‏,‏ بما فيها تعصب بعض أصحاب القرار في عالمنا المعاصر ضد العرب والمسلمين ودمجهم في الإرهاب والتطرف ـ مازالت قائمة ومستمرة ـ وعلينا خوضها محليا وعالميا‏.‏

أما فاروق حسني وهو شخصية محظوظة فبالرغم من هزيمته فقد كسب المعني والهدف والرسالة‏,‏ فقد احتفظ بالمنصب الأهم وهو وزير ثقافة مصر‏,‏ وأمامه مهام كبيرة‏,‏ أبرزها استكمال المتحف المصري العظيم حتي يستكمل دوره التاريخي في بعث آثار مصر وحضارتها وتنمية الوعي الداخلي بقدرتنا علي التغيير والتطور‏.‏

ولاننس أن نهنئ السيدة البلغارية الفائزة لأول مرة أيرينا بوكوفا ـ ونهنئ من خلالها كل السيدات ونتمني لها التوفيق وأن تصدق في تعاونها مع الجميع والا تنجرف بمنظمة الثقافة والعلوم نحو التسييس والعنصرية التي اندفع إليها المتطرفون خلال معركة الانتخابات‏!.‏
‏Osaraya@ahram.org.eg‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى