مقالات الأهرام اليومى

التناقضــات بين الخطــاب والسياسة الأمريكية فلسطينيا

‏لأن قضية فلسطين تهمنا‏..‏ فإننا نرحب بخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة‏.‏ فلقد تحدث كما يتحدث دائما فيعجب الجميع‏,‏ ويثير خيال الناس كل أنحاء العالم‏,‏ ولذلك يعد واحدا من أبرز الخطباء السياسيين في العالم‏.‏ من حيث جوهر خطاباته ومعانيها ولغتها بل وكلماتها‏.‏

وقد طرح أوباما القضايا قائلاحان وقت تغيير العالم‏!!‏ عالم خال من السلاح النووي وأكد بلغة أكثر من واضحة‏.‏ إن الاستيطان في الضفة الغربية غير شرعي‏.‏ وإن القوة العظمي ـ وهي أمريكا ـ مع قيام دولتين تعيشان في سلام‏.‏

ونحن نعرف أن إسرائيل دولة قائمة وقوية‏,‏ وتحتل دولة فلسطينية‏,‏ ويعرف أوباما ذلك‏,‏ ويعرفه العالم كله‏,‏ فكيف ستقام إذن دولة فلسطينية‏..‏ يا سيادة الرئيس؟ أليس علي الدولة الأقوي دور‏..‏ علي أيهما تضغط؟‏..‏ علي الدولة القائمة بالاحتلال‏..‏ أم الواقعة تحت الاحتلال الباحثة عن السلام والتي تطلب حقها وتطالب بترجمة الكلمات والخطابات الرائعة إلي حقائق علي الأرض؟‏.‏

كيف سنغير العالم؟‏.‏ هل نستمر في طرح الأفكار والآراء‏..‏ أم سنتحرك علي الأرض؟‏.‏

دعونا نقل للرئيس أوباما بكل صراحة ـ لقد أشاعت خطاباته وتحركاته السياسية‏,‏ خاصة خطاب القاهرة‏,‏ وتحركات وزيرة خارجيته ومبعوث السلام جورج ميتشيل‏,‏ الذي بلغ عدد جولاته في الشرق الأوسط‏6‏ جولات حتي الآن ـ جوا من التفاؤل خلال الشهر القليلة الماضية أن تعود حركة عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط علي أسس جديدة بل وفعالية‏.‏ ولكن جاء اللقاء الثلاثي الأخير الذي جمع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس بالرئيس الأمريكي مخيبا للآمال بل ومحبطا‏..‏ فقد خرج نيتانياهو لكي يقول للجميع إنه استطاع أن يضغط علي أمريكا وليس علي الفلسطينيين وحدهم وعلي رئيسهم‏.‏

إن لقاء يوم الثلاثاء الماضي ـ لايقول ولايتكلم بنفس اللغة التي يتكلم ويخطب بها الرئيس أوباما وتطربنا كلماته‏,‏ ونتوقع أن تتحول إلي سياسات‏,‏ وألا تظل مجرد كلمات وأحاديث حول السلام والدولة الفلسطينية العتيدة‏.‏ ففي هذا اللقاء خاطب الرئيس الأمريكي محمود عباس ونيتانياهو علي نفس المستوي‏,‏ وحمل الطرفين مسئولية كسر ما سماه الحلقة المفرغة‏,‏ وقد بدت الرسالة وكأنها رسالة لوم وتأنيب للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني معا‏.‏

وأعتقد أنا والكثيرون أن هذا أكثر مما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي‏,‏ لأنه يبحث في الموقف الفلسطيني عما يساعده علي الإفلات من إدانة دولية يستحقها بجدارة‏,‏ لأنه هو الذي ضرب عرض الحائط بالمطالبات الأمريكية والأوروبية والأمم المتحدة‏,‏ والرباعية الدولية بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة‏,‏ وهو الشرط الذي وضعته السلطة الفلسطينية لعودة التفاوض‏,‏ وهو ليس شرطا‏,‏ ولكنه ضرورة‏,‏ فعلي أي شيء سيتفاوض الطرفان‏..‏ أرض محتلة كما صنفتها القرارات الدولية‏,‏ وتعرف إسرائيل والمجتمع الدولي ذلك‏,‏ ولكنها تتآكل يوميا حتي وصل الاستيطان إلي أكثر من نصف مليون نسمة‏,‏ وأراضي القدس العربية يجري تهويدها علي قدم وساق‏,‏ حتي لا تصبح هناك أراض يمكن التفاوض عليها‏.‏ ويجب علي الدولة العظمي ألا تساوي بين الطرفين‏,‏ الأقوي المحتل الذي يمارس الاستيطان‏,‏ والآخر الذي لا يملك بدائل للحركة‏.‏

………………………………………………‏

وعلي المستوي نفسه يجب ألا نلوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي حضر اللقاء الثلاثي‏,‏ لأنه تصرف بحس المسئولية الوطنية للفلسطينيين‏,‏ فعدم حضوره كان سيمثل طوق النجاة لنيتانياهو‏,‏ وتبييض وجه الإسرائيليين أمام المجتمع الدولي‏.‏

إن حضور محمود عباس أسهم إلي حد كبير في إظهار وتأكيد التعنت الإسرائيلي أمام أمريكا والمجتمع الدولي‏.‏

لاخلاف علي مبدأ أن المطالبة بوقف الاستيطان حق‏,‏ ولا يستطيع أحد أن يعيب علي الفلسطينيين وفصائلهم المختلفة تمسكهم به‏,‏ بل ينبغي أن يكون هناك إجماع عربي علي مساندتهم في هذا الموقف‏,‏ وهذا هو الدور المصري البارز الذي يقوم به الرئيس حسني مبارك في تدعيم الفلسطينيين‏,‏ وحل خلافاتهم الداخلية‏,‏ وتمسكهم بحقوقهم المشروعة‏,‏ ودولتهم العتيدة‏,‏ ولكن كل ذلك يجب أن يتم مع مراعاة الحذر علي صعيد التحركات الدبلوماسية العربية والفلسطينية‏,‏ لأن الحكومة اليمينية الإسرائيلية نيتانياهو ـ ليبرمان تراهن علي أن تتحرر من المسئولية العالمية في إعاقة الجهود الدبلوماسية والسياسية‏,‏ وإلقاء المسئولية علي الفلسطينيين والعرب‏.‏

ويكفينا كثيرا أخطاء الفلسطينيين من الانقسام بين غزة والضفة‏,‏ وخطابات المتطرفين ولغتهم وعنترياتهم‏,‏ التي تقف ضد المفاوضات والجهود السلمية‏,‏ وكأنهم قادرون علي تحرير كامل فلسطين عبر هذه اللغة المضادة لمصالحهم ومستقبل بلادهم‏,‏ ولكنهم يعطون للمتشددين والمتطرفين كل الذرائع والحجج لاستمرار ضربهم عرض الحائط بالمصالح الفلسطينية المشروعة‏,‏ ثم تحميل هؤلاء المتطرفين ولغتهم الساذجة والبلهاء أسباب عدم التحرك الإيجابي نحو تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني‏,‏ وهنا يكسب المتطرفون مرتين‏,‏ عندما يحققون أهدافهم بالتسلط علي الأرض والسكان‏,‏ مع تحميل الطرف المعتدي عليه ـ أي الفلسطينيين ـ أسباب ذلك‏.‏ بمعني أن الواقعية السياسية لا تعني الاستسلام للأمر الواقع المفروض علينا‏,‏ ولكن أن نعي ضرورة تغيير هذا الواقع علي طول الخط وبلا خسائر‏,‏ فالضحية دائما يبتلع الطعم‏,‏ ويقف متلبسا أمام المجتمع الدولي بأنه السبب وراء تأخيرهم في الحصول علي حقوقهم المشروعة‏,‏ وعلينا أن ندرك أنه لا سبيل إلي هذا التغيير وفرض اعتراف المحتل بحقوقنا دون استئناف المفاوضات برعاية عالمية‏,‏ وبدعم عربي وفلسطيني غير محدود‏..‏ عربي عبر المبادرة العربية باعتبارها حائط
ا تستند إليه القضية الفلسطينية للدفاع عن مصالحها‏,‏ فلا اعتراف ولا تعاون مع الإسرائيليين دون عودة حقوق الفلسطينيين أولا‏,‏ ثم دعم فلسطيني عبر وحدة الفلسطينيين واتفاقهم علي الهدف وأساليب تحقيقه‏.‏

………………………………………………‏

ويستطيع الفريق الفلسطيني المفاوض أن يحقق أهدافه في المرحلة المقبلة بأن يقدم رؤاه السياسية للرئيس أوباما‏,‏ لكسر الحلقة المفرغة من خلال طرح رؤية خلاقة من ثلاث نقاط رئيسية‏:‏ ـ

*‏ أولاها‏:‏ وضع جدول زمني صارم لمفاوضات الوضع النهائي علي أن يكون تفصيليا ومحددا علي ألا يتجاوز عاما واحدا‏.‏

*‏ ثانيتها‏:‏ تعهد أمريكي قاطع أمام المجتمع الدولي بقيام الدولة الفلسطينية في موعد أقصاه افتتاح الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة‏..‏ أي عام من الآن‏,‏ وحث دول العالم علي الاعتراف بها‏.‏

*‏ ثالثتها‏:‏ تشكيل لجنة دولية برئاسة أمريكا لمراقبة التزام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بمسئولياتهما المحددة في إطار خريطة الطريق خلال الفترة التي ستجري فيها المفاوضات‏.‏

ولعل خطاب الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورته الحالية يدفعنا إلي تقديم هذه المطالب‏,‏ حتي تتوازي الكلمات مع الأفعال والأدوار‏,‏ للوصول إلي حل نهائي للمشكلة العالمية التي استعصت علي الحل منذ نهاية الحرب العالمية وحتي الآن‏.‏

وليس هناك ما يحول دول التطلع إلي إقناعه بتعهد ما من هذا النوع لتعويض عدم قدرته علي إلزام نيتانياهو بوقف أو تجميد الاستيطان‏.‏

وكذلك يمكن لدبلوماسية فلسطينية ذكية وديناميكية أن تدفع الرئيس أوباما الذي امتلك شجاعة إعلان أن دولة فلسطينية هي مصلحة قومية أمريكية‏,‏ ومن ثم لن يكون تعهده بإعلانها والاعتراف بها إلا تعبيرا عن سياسة تستهدف دعم هذه المصلحة نفسها وليس غيرها‏.‏

وعلي الفلسطينيين جميعا أن يسارعوا لتحقيق هذا الهدف بقبول المصالحة بين‏(‏ فتح وحماس‏)‏ و‏(‏الضفة وغزة‏),‏ والمهم أن يجعل من وجود إدارة أمريكية متفهمة فرصة يجري التعامل معها برؤية عربية وفلسطينية خلاقة‏,‏ ولا يتم إهدارها كما تعودنا في الماضي‏,‏ وألا تعطي لليمين الإسرائيلي المتطرف أغراضه بالزعم بعدم وجود شريك فلسطيني‏,‏ وذلك بالجمع بين الثوابت الفلسطينية وإدارة ذكية للمتغيرات من أجل التحرك للأمام‏.‏

‏Osaraya@ahram.org.eg‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى