مقالات الأهرام اليومى

نحن ومحنة قطر.. وفتنة الخليج 2-2

ما أصعب إدراك الحقيقة فى زمن الكذب المصنوع، حين تصادف عقولا لم تتدرب على استقبال المتغيرات العالمية، ولا على فهم ثورة التكنولوجيا الهائلة، فاستخدمتها دون هضم أو معرفة، فتحول الخيال إلى حقيقة مرة! فدفعت بهذه العقول وبنا إلى المجهول.

كنت لا أصدق ما يحدث فى سنوات الفوضى، فظنى أن المؤامرة حين تسقط لا تعود، وقد سقطت فى مصر بعد عبور الجيش فى 1973، وعودة الأرض بقوة وإرادة العقل المصرى.

والمؤامرة قد تكون حقيقية، لكنها لا تغير مجرى التاريخ إلا بالاستسلام، وغياب إرادة المواجهة، وقد عرفت القوى المتآمرة أن هذا لا يصلح فى مصر المعاصرة، ولكن لا مانع من التجريب، وقد حدث هذا، ووقائعه باتت معروفة للجميع.

والشعوب تقوم وتمارس دورها بالوعى وتجلى هذا فى «قومة المصريين» فى يونيو 2013، فوضعوا المؤامرة المصنوعة، من عقول شريرة فى الداخل والخارج، فى حجمها، وخلعوها من بر مصر، وإيمانى قاطع بأنها ستكون المرة الأخيرة التى تحاول فيها القوى الشريرة اختبار إرادة المصريين!.

وأعود إلى الجزء الثانى من مقالى المنشور الأسبوع الماضى وأقول:انكشفت الآن الدول التى شجعت الفوضى والإرهاب، وقد صار اسمها مكتوبا، ومعلنا فى سجلات التاريخ، حاضرا ومستقبلا، بعد أن كانت مختفية وراء الشعارات المزيفة، ولافتات الشوارع المرفوعة تحت عنوان (الشعب يريد)، وقد ظلمت هذا الشعب وغيره، بخطابات الشوارع الغاضبة، وصراخ الشاشات الملتهبة، ورفعت شعار حق يراد به باطل هو االرأى والرأى الآخر«، واستغلت مواقع التواصل الاجتماعى (السوشيال ميديا) وكتبت كلماتها بدماء الضحايا والأبرياء، وهم يسقطون كل يوم، بل كل ساعة وكل دقيقة، غير المشردين على شواطىء البحار البعيدة، والذين يعيشون في المخيمات هربا من لهيب الحرب أو بحثا عن أمان مفقود فى بلادهم، ولنتوقف أمام مشاهد الأطفال، وهم يبكون أو يموتون من قسوة الطبيعة في كل مكان من المنطقة العربية، هذا غير الذين فقدوا العائل، سواء فى مصر، أو ليبيا، أو سوريا إلى اليمن المريض بالحرب والكوليرا.

والحكاية دون رتوش هى حكاية ثلاثة عقود تم توظيف قطر فيها بالتدريج خطوة خطوة، إلى أن أصبحت (أرض العيديد) أو أرض القاعدة العسكرية الأمريكية هى نفسها أرض القاعدة الأخرى! الأكثر تدميرا لمحيطها القريب، وعالمها البعيد، أعنى قاعدة التطرف والإرهاب المعروفة، فهناك تتحرك مراكز القاعدة، وحركة طالبان الأفغانية، وجبهة النصرة وريثة القاعدة، ثم تنظيم الإخوان، أما القصر الأميرى فينفذ تعليمات، ومطالب هذه الجماعات غير المشروعة، والمناهضة للشعوب والأوطان، والتى ترفع شعارات مخادعة ومزيفة. وكان التهوين والاستسهال فى معالجة هذا الخطر القطرى سائدا فى المنطقة العربية بالكامل، حتى من مصر والسعودية، الأكثر تأثرا بشطحاته الإجرامية، ومثلما استهان العرب الكبار بالانقلاب القطرى فى 1995، وسكتوا على سقوط شرعية سياسية، وأخلاقية، وعلى تدخل خارجى سافر فى شئون وترتيب البيت القطرى، بحجة أن هذا شأن داخلى قطرى، سكتوا وقبلوا بمغامرات طائشة، يتم تنفيذها تحت ظلال قاعدة عسكرية أمريكية، وتقوم بتمويل كل الجمعيات والمنظمات الإرهابية، حتى إيواء مجرمى11سبتمبر2001 فى نيويورك وواشنطن، وقد كان يعملون فى الدواوين القطرية، وتحت ظلال أموال النفط التى كانت تصرف بسخاء على كل التنظيمات الشرعية وغير الشرعية، ليقبل الجميع، ويبصموا على هذه السياسة المتناقضة، فلسحر المال كلام آخر!!! إلى أن استفحل الأمر، ورأينا العجب العجاب – قطر بكل جبروت! – تقف ضد نظام الحكم فى مصر بعد 2013 (قال إيه – غير شرعى – أى والله..) آسف فليس هناك تعبيرآخر- حتى الإخوان المسلمون وجماعاتهم المتفرعة عنهم، لم يستطيعوا أن يقولوا ذلك، ولكن قطر، ولا تستغربوا، قالته عبر كل وسائل إعلامها وأبواقها!

قطر عمليا تفوقت على الجماعة التى سقطت فى مصر والمنطقة، وقد ذهبت هذه الجماعة تلملم أوراقها، وتعيد دراسة أحوالها، لكن قطر لم يعجبها ذلك، وأصبحت الصوت العالى أو البوق الأعلى لكل المقولات التى سقطت، والمشروع الذى ضاع، فأصحاب المشروع اختفوا، بينما حكام قطر أو قاعدة الدوحة، حتى لا نظلم الشعب القطرى، راحوا يشنون حربا شعواء، لإعادة إنتاج الفوضى والاضطراب فى أكبر بلد عربى (90 مليونا) وكل سلاح هؤلاء الحكام هو: الغنى وأموال النفط وآلة إعلامية مدعومة غربيا، وقواعد عسكرية أجنبية، وخطط جهنمية لتيارات متطرفة! والتاريخ سيحكى ماذا فعل الأغنياء بأموالهم، وكيف وقف الفقراء ليحموا بلادهم بالعرق والدموع والدماء؟

ولكن الوقت حان، فعندما رمى الكبار الطوق، وكشفوا الاعيب الصغيرة، وقد صارت الألاعيب كبيرة، وعصية على الإخفاء أو التجاهل، حدث التحرك، وظهر إلى الوجود تجمع لإنقاذ المنطقة من الانهيار والفوضى، وقد يصبح تحالفا، إذا وعى بدوره التاريخى، وأقام نظاما إقليميا جديدا يقف ضد التدخلات الخارجية فى المنطقة من إسرائيل وتركيا وإيران بل ومن روسيا والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا التجمع المأمول يجب ألا يقف عند الإنقاذ وحده، بل يتجه فورا إلى معالجة القضايا الملحة، وعلى رأسها إعادة بناء الدول المنهارة (ليبيا واليمن والصومال والسودان وسوريا والعراق ولبنان)، ويوقف الفتنة الخطيرة التى أشعلتها قطر فى الخليج بين دوله الست، وذلك بأن تسارع الدول التى لم تنضم بعد، خاصة الكويت وعمان، بالانضمام إلى التحالف حتى لا يشعر المواطن الخليجى بأن رياح الفوضى والاضطراب التى ضربت الإقليم العربى فى السنوات السبع الماضية فى طريقها إلى المنطقة الغنية والحساسة فى العالم كله، والمهمة للعرب جميعا، فهى مصدر القدرة المالية لإعادة إنعاش الاقتصاد الإقليمى المتداعي، بفعل الحرب والاضطرابات الشعبية التى عصفت بالإقليم.

ولا سبيل أمام هذا التجمع المأمول إلا إعادة إحياء التعاون العميق بين بلدان هذا الإقليم بعد أن أدرك الشارع دور جماعات الموت القادمة من القرون الوسطى إلى صدر الألفية الثالثة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى