لا تنسوا المحليات فى وهج النجاحات!

ظهرت الدولة المصرية فى عز الوهج بشرم الشيخ، عندما نظم الشباب المصرى منتدى عالميا للشباب. فجاءت الصورة كاشفة، داخليا وخارجيا، لجوهر الوطن الذى راح يخرج من أوضاع، ومن سنوات أليمة، أقل ما يقال عنها، إنها كانت صعبة ودقيقة، فقد كان يُخطط له أن يسقط فى مستنقع الصراعات والتخلف، ولا يقوم مرة أخري. وصحيح أننا خرجنا كوطن سالمين، والحمد لله، ولكن بخسائر جسيمة.
هتقت من أعماقي، وأنا أشاهد الشباب، فى شرم الشيخ، يتحرك ويتفاعل ويعمل ويفكر ويتكلم بروح جديدة، ويرسل رسائل العصر لكل الدنيا. قلت لشرم الشيخ،عاصمة السياحة والسلام المصرية عادت (شمسك الذهب)، وعاد دورك الحقيقى فى الضمير المصرى الذى لا يغيب أبداً.
مدينة أقيمت لتكون شاهداً على قدرة المصريين لصناعة المستحيل، والمستحيل هنا ليس المدينة وفنادقها وجمالها، بل المعنى والمغزى والروح، والإنسان نفسه الذى يصنع المدينة والمدنية، ويضع القانون ويطبقه على نفسه، والذى يصنع الحضارة ويقيمها. كانت شرم الشيخ رمزاً لأكثر من أربعين عاماً، دشنت مصر فيها روح السلام والتعايش، عندما صاغت السلام الإقليمي، وعملت على حل المشكلات والنزاعات على قسوتها وصعوبتها بالحوار والتفاوض والدبلوماسية، وليس بالحروب والتدمير والاستعلاء ورفض الآخر. ونجحت التجربة، ثم وصلنا إلى تحكيم العقل والقدرة على العمل فى مناخات قاسية، يدفع فيها التعصب والتطرف والجهل والتخلف إلى عودة الصراعات من جديد، بإشعال الحروب فى كل مكان، ولأن العقل مصري، والمصريون هم صناع الحضارة، فقد أدركوا كيف يصنعون السلام، ويبنون، ولا يتكلمون عنه فقط كغيرهم.
إن قوة منتدى الشباب، فى المدينة الشابة التى اكتسبت عراقتها من قوة فكرتها ومعناها، أنها جاءت فى الوقت الذى تتزاحم فيه الأجندات والمؤامرات فى المنطقة، والتى تأخذها من الحروب الجزئية والصراعات الإقليمية المخربة إلى الحرب الشاملة والدمار الكامل، وفى وقت ركب فيه التطرف سلاح الإرهاب لإخافة الشعوب وإسقاط الدول. جاء المنتدى ليقول ببساطة وقوة إن أقوى حقوق للإنسان وأهمها هو مكافحة وضرب الإرهاب، لأنه يصادر كل الحقوق، بل يقتل الإنسان نفسه، ويحوله إلى كائن آخر، يستعبد ويقتل أخاه.
ظهر الشباب المصرى متجددا، ينظم ويفكر بعقله وليس بعضلاته، ليؤكد أن المتطرفين لن يسلبوا إرادته، أو يدفعوه للظهور بصورة أخري، كانوا يريدون بها أن تنعكس على شبابنا ولكنهم فشلوا. ولأننا شعب يريد أن يعيش، ويصنع الحضارة، ويكون جزءاً منها، رفضنا ووقفنا ضدهم، ولأننا نرفض كل أشكال الحروب لم نتكلم عنها، ولكن قدمنا النموذج العملى لحل الصراعات بالعمل السياسى والدبلوماسى والتفاوضى عبر المنظمات الدولية، وفى الوقت نفسه أثبتنا أننا لن نتردد فى استخدام القوة لضرب الإرهاب والإرهابيين حماية للحياة والمدينة والمدنية.
كانت الوقائع على الأرض هى التى تتكلم، فالقوة لا تغيب عن البال، فهى التى تحمى المدينة والمدن، وبدونها يسيطر الإرهابيون، ويضربون الجميع، ويهدمون الحياة نفسها.
لم تتكلم الدولة كثيراً عما تقوم به من تطهير لربوع البلاد من الإرهابيين، وهى التى خرجت توا من معركة فى صحراء الواحات، ولم يكشف أحد أبعادها بعد، فهى تنقذ الضابط الشجاع من براثن الإرهابيين، وترصد تحركاتهم، ثم تقتلعهم من الصحراء المصرية والليبية، فترسل رسالة إلى كل مواطن، تكشف فيها عن معنى القوة التى تعكس الاطمئنان. ولأن النجاح يجب ألا يكون مصادفة أو ضربة حظ، قررت مصر أن تجعل منتدى الشباب منظمة دولية، تقام بشكل دوري، وتلك والله عبقرية أن تحول الإبداع إلى عمل مستمر ودؤوب، لأن فكرة منتدى عالمى للشباب هى فكرة مبدعة، فقد كانت كل المؤتمرات العالمية السابقة تركز على القادة والزعماء أو رجال الأعمال وحدهم. إن امتلاك ناصية الحديث مع الشباب يعنى امتلاك المستقبل، ومصر المعاصرة تؤكد أنها بالشباب تملك المستقبل وتصنع العقول.
وبمناسبة النجاح فى شرم الشيخ أود أن أطرح رؤية للتجديد، خاصة لقيادة المحليات، والتى مازالت غارقة فى الفشل، وهى لماذا لا نستثمر قوة مؤتمرات الشباب فى اختبار قدرتهم على إدارة المحليات؟ فلدينا (185 مركزا) فى ربوع المحافظات الـ27، وقد حدث تغيير كبير فى شكل الدولة بعد انتشار شبكة الطرق الجديدة، فلماذا لا يعاد التقسيم الإدارى لمحافظات مصر للاستفادة من شبكة الطرق العالمية التى ظهرت على خريطة مصر لاستثمارها، واستخدام طاقات الشباب الكبيرة فى إدارة هذه المراكز والمحافظات؟ على أن يكون التقسيم الإدارى الجديد تقسيما اقتصاديا واجتماعيا وإداريا، وليس جغرافيا فقط ، وأن يتم تكامليا، وليس عشوائيا، تظهر فيه محافظات جديدة، بما يسهم فى استخدام طاقات الشباب وإبداعاتهم فى زيادة معدلات النمو بكل محافظة، ويؤدى إلى نشر التنمية العمرانية فى كل ربوع الجمهورية، ويسهم فى الخروج من الوادى الضيق إلى رحاب الصحراء، كما تسهم الخريطة الجديدة فى تنمية جميع المحافظات بسواعد الشباب فى تجربة حية للتغيير على أرض الواقع.
إن ظهور الشباب المصرى بهذا المستوى يجعلنا ننشر التنافس إلى العمل بين المحافظات، لتشجيع التنمية، وتجميل المدن والقري، وإحداث تغيير جوهرى فى مستوى الحياة المصرية، وإذا فعلنا ستكون تلك أول ثمرة لمؤتمرات الشباب قد انتقلت إلى أرض الواقع حتى تغير شكل المجتمع المصري. فمحافظات مصر غنية بالموارد والأنشطة الاقتصادية المختلفة، بما يجعل هناك تنوع فى الأنشطة الاقتصادية، سواء زراعية أو سياحية أو تجارية أو صناعية أو حتى خدمية. إن انتشار روح الشباب ستخلق التنافسية بينهم، وستجعل نمو الوطن مأموناً من التطرف ومن الإرهابيين، وستأخذ سواعد الشباب إلى المعترك الحقيقى للنمو بمختلف أشكاله.
إذا كانت مؤتمرات الشباب قد أخذتنا إلى المعترك العالمي، فهى قادرة على إحداث التغيير فى أصعب وأدق بؤرة فى مصر، وهى المحليات، أدخلوا بالشباب معترك المحليات ولا تخافوا، ستهزمون سيطرة دولة الموظفين، وستضربون الفساد، وتضعون المجتمع على أبواب التغيير. نحن نتطلع لمشاركة الشباب، بنفس الروح، فى تحويل المحليات إلى نظام متطور فى الحكم المحلى اللامركزى لقرى ومدن مصر.
