مقالات الأهرام العربى

المحطة الأخيرة إلى اللقاء فى عام جديد

التواريخ.. وفواصل الزمن ماهي إلا فرصة لالتقاط الأنفاس.. وتقييم ورصد ما يحدث. ووضع أجندة جديدة.. لكي نتطلع من خلالها إلي الأيام والشهور حتي لا تضيع من بين أيدينا وتتسرب كالماء المفقود.. أو النقود في عالمنا المعاصر، دون أن نحصل منها أو من خلالها علي احتياجاتنا أو مايروي ظمأنا.. أو لكي نحصل منها علي الرضا.. وهو مطمح الشعوب.. وبني الإنسان أو العقلاء أفرادا وجماعات..

ولعل الامتحانات أو التساؤلات التي تنتشر في وسائل الإعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة عن أهم الأحداث.. أو »جردة العام« من أخبار ونجوم سطعت وأخري انطفأت والثالثة في طريقها إلي البزوغ أو الانزواء.. أو البحث في حصيلة الأعمال وجوهر الأشياء.. كل ذلك من خلال مؤشرات يرصدها الإعلام والمتخصصون في كل مجال من مجالات حياتنا.. وعيونهم مركزة ومشرئبة نحو التطورات والأفكار يرصدون الأفكار كما يبحثون عن السلع والمنتجات.. والكل وقود الحياة، باشتعالها يشعر العالم الذي نعيشه بالدفء الإنساني وحرارة الوجود وقيمة العمل الإنساني..

كل ذلك يتذكرونه في أيام قلائل تفصل بين الزمن.. لكي يركزوا الأحداث في صورة بانورامية تختزل ما حدث وتتنبأ بما سيحدث.. هم في هذه العملية البسيطة في اختزال الزمن.. يقدمون رسالة سريعة لبني البشر.. عن صورة حياتهم وثورة تطلعاتهم.. وهي أنها تختزل دائما في جملة قصيرة أو مجموعة أسطر تنهي كل شيء.. وعادة فإن حصيلة الحياة تكتب في التاريخ في جمل بسيطة.. ولعل ما يحدث دائما مع نهاية عام مضي وبداية عام جديد.. يذكرنا جميعا بالحياة.. وأن متابعاتنا اليومية.. ولهثنا المستمر خلفها.. يجب ألا يفقدنا إنسانيتا، وعلاقتنا الحميمة وحياتنا الخاصة فهما دفء الإنسان المعاصر.. كما يجب ألا ينسينا الهدف الذي نبحث عنه، والذي في النهاية يختزل كل الأعمال في عدة أسطر بسيطة.

تذكرت كل ذلك عندما سألني زميلي أن أكتب عن أهم أحداث عام ٧٩ الذي نودعه، وإن أوداعه أمالي لعام جديد ٨٩؟

ورغم أن هذه العام قد عاندنا جميعا وأصر أن يودعنا بحادث مؤلم موجع خطف منا في دقائق أو سويعات رصيد عمل مستمر وآمال وتطلعات مستقبلية.. فذكرني بطبيعة الحياة بآلامها وآمالها المستمرة والدائمة والمتجددة والتي تقدم الجديد دائما.. بالرغم من أن كل شيء قديم متجدد.

حاولت الخروج من حزني بسبب هذا الحادث العام الذي تحول إلي حادث خاص في قلوب المصريين.. لأنه ذكروهم بأن هناك من يترصد خطواتهم نحو المستقبل.. ويريد بهم العودة إلي قرون سابقة أو يفرض عليهم التخلف، ولذلك فهو يصر أن يهزمهم باستمرار ويعاند كل مشروعاتهم للخروج من الفقر.. لأنه يعرف جيدا أن التخلف والجهل لا يعيش أو يترعرعان إلا في ظل الفقر والخوف والمجهول.

تذكرت حادثا عاما آخر قد يشرح صدري ويعلق ليس في رقبتي ولكن مع أنفاسي المنطلقة للمستقبل والتي تصر علي ألا يهزمها الأفراد أو الأحداث.. وقوي الماضي المتربصة بكل عمل أو جديد في حياتنا أما لشيء في العقل أو شيء في الصدر.. تخفيه الأنفاس في لهثتها وراء الحياة.. وخلف الواقع الجديد.

تذكرت في العقل الواعي.. أنني نجحت مع مجموعة من الزملاء.. في تأسيس شئ جديد، برؤية مختلفة وروح وثابة.. أكتب أليكم هذه الكلمات من خلاله.. وهو مجلة »الأهرام العربي« التي اعتبرتها من جانبي أهم حدث شاركت فيه، وقد يختلف معي الكثيرون، وقد أكون معهم في أن هناك أحداثا كثيرة ثقافية وسياسية وعلمية وطبية ورياضية.. هي بالقطع حسب رؤية البعض أهم من صدور مجلة جديدة.. ولكنني وقد أكون متحيزا ـ وهذا من حقي ـ أقول إنها أهم حدث شاركت فيه، وإنها في طريقها لكي تكون حدثا كبيرا، في الحياة العامة، المصرية والعربية، ولكنها مثل كل شيء في عالمنا المعاصر.. في حاجة إلي عمل دائم مستمر ودؤوب، وأن يجتمع حول فكرتها الكثير من المخلصين والعقول الجادة.. التي نريد أن تعطي قبل أن تأخذ.. حتي نصنع مجلة للقرن القادم.. وهو شعارنا المستمر والمتجدد.

فنحن لم نصنع السوق العربية بعد.. وهذه السوق العربية مازالت غائبة.. والخلافات العربية مستمرة.. بل ومتجددة.. وعلي أسباب قد تكون ضعيفة أو واهية ولكنها حقيقة ساطعة.. وهناك.. وهناك تطورات كثيرة منها الكثير الإيجابي.. والسلبيات هي الأخري كثيرة وقوية.. قد تضعف أو تقوي طموحاتنا وتفاؤلنا بالعام الجديد.. كل ذلك مرهون علي طريقة استقبال الشخص للأحداث وتحليله للمستقبل.. وفهمه لما يحدث من التطورات.. ولكن الشيء الحقيقي ـ الذي نطرحه علي الوجه اليقيني مثل الحياة والموت.. يقول لنا أن شيئا لا يضيع في هذا الكون خاصة أعمالنا وما نقصده منها فهي باقية ومستمرة.. وعلينا مواجهة الأحداث والصعاب.. وميراث التخلف والجهل لأي سبب كان، أن نستمر في العمل.. ونترك النتيجة يكتبها الآخرون من بعدنا.. بعد أن يتخلصوا من الكثير من  أمراض الحياة..

وإلي اللقاء بروح جديدة مع عام جديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى