مقالات الأهرام العربى

كارثة

استيقظت على أصوات استغاثة مكتومة، تتلاحق بالدماء، أحسست بالأيدى القذرة وهى تمتد للأطفال، لا يغتالون الدفء والحنان، لكن هدفهم وأد الحياة والمستقبل، الطفولة البريئة لم تشفع أمام القلوب المتحجرة التى استمرت تقتلع كل نبت للحياة محاولة إخافة الجميع.. أخطر ما أتخيله أن نعتاد تكرار المذابح وإسالة الدماء، فتتوقف عقولنا عن إدراك مغزاها، فالتكرار والاستمرارية قد تكون هدفا فى حد ذاته، حتى نتعود ونشعر بأننا نعيش فى غابة حقيقية، فيحصلون منا على اعتراف أنهم الأسود، ونحن جميعا طعامهم، أو وقود الغابة المحترقة مذابح أطفال ا لجزائر ذكرتنى بخطورة ما يحدث، والخوف انتابنى أن أشعر بأنه شىء معتاد،

فرفض عقلى أن يعترف أن مذبحة ٧٢ طفلا حدث عادى أمام أرقام الضحايا الكبيرة المستمرة، وجدتنى أقول لزميلى  النشيط هشام فهيم فى الجزائر، استمر فى الكتابة، صف لى ما يحدث، قال إنه متكرر و الخبر نشرته الصحف، خفت عليه أن يمل الكتابة والتذكير بخطورة ما يحدث، فأكدت عليه أنه خبر جديد، وكل طفل يقتل حدث غير عادى، وعلينا جميعا أن نواصل الخوف، ونشعر بفداحة الحادث، ونقاتل بالقلم، بينما يقتلون بالرصاص والإرهاب، ويذبحون النساء والأطفال والشيوخ، ولا تأخذهم رحمة بأضعف الكائنات، الأطفال البريئة تزهق أرواحها، ولا يهتز لهم جفن،

فهم قلوب ومشاعر متجمدة، ماتت قبل أن تفكر فى القتل. هل تصبح مجازر ومذابح الجزائر خبر عادى نعايشه ونتعذب من أجلهم داخليا، مثلهم مثل الشعب الفلسطينى الذى أصبحنا وأمسينا نعايش عذابهم، واغتصاب حقوقهم وأراضيهم، واليوم يغتصبون حقهم فى العيش بعد إجبارهم على الاعتراف بحقوق مغتصبى الأراضى والحقوق ـ إذا جاز التعبير ـ أو إذا تجاوزنا واعتبرنا أن للمغتصب والمحتل حقوقا.. شعرت بالألم والحسرة الداخلية، ونقلت مأساة أطفال الجزائر لأطفالى، وطلبت منهم أن يشاركوا إخوانهم فى الجزائر الكارثة، ويكتبون فى مفكراتهم يوم الحادث، ويكتبون عن مشاعرهم الداخلية، ويرفضون ويرفضون، ويشاركون الأسر الجزائرية الألم والمعاناة. طلبت منهم،

وأطالب من الجميع فى المدارس والجامعات العربية، أن يتوقفوا فى طابور الصباح، لكى يلعنوا القتلة والإرهابيين، أن يذكروا المجرمين فى جلساتهم، أيا كانوا، سواء كان المجرم فردا أو جماعة مسلحة، أو حكومة استؤمنت فخانت وجماعات منشقة على الحكومة، وجدت فى مهنة القتل والقتل المتبادل ارتزاقا بالدماء فامتهنته، بعد أن أماتت عقولهم وقلوبهم، وتحولوا إلى وحوش فى الغابة، يتعايشون على الدماء و القتل، ويغذون الفوضى والحروب الضارية فالمجرم القاتل يتطور فى أساليب قتله، لأنه لا يواجه.. فبعد أن سلب الأطفال الأبوين، وجفف منابع الحياة الجزائرية من الدفء والحنان، وبدد طاقة الوطن. انتقل لكى يجتث من التربة كل أشكال الحياة أو بريق الأمل انتقل من قتل النفس التى حرم الله قتلها، لكى يقتل الجنين والطفل الرضيع، فقد سولت له النفس الشيطانية اقتلاع الحياة من جذورها، فبحث فى أحشائه فلم يجد أسوأ من وأد الأطفال ليعيد تذكير العقل العربى المسلم بأبشع عادات الجاهلية، قتل الأطفال والإناث..

وإذا تابعنا جرائم ومجازر الجزائر، فلم نتوقف فقد فاضت الدماء المسالة فى المزارع والأحياء فى القرى والمدن، وعلى الحوائط والأرصفة فى أبشع مجازر عرفها التاريخ الإنسانى بفظاعة وفظاظة، تخيف من يسمع، يدرك كل من يتابعها، أنها تحدث من فئة تجردت بالكامل من أى شىء يمت للإنسانية بصلة، والوحشية تعكس وتشير إلى أن الوحوش الضارية تحول الحياة إلى جحيم لا يطاق. والخطورة هنا أن الكارثة قد تجعلنا نشير بأصابع الاتهام، ليس للمجرم فقط، ولكن للمتسترين والساكتين عليهم فالجرم البشع يلزم تسليط الضوء الباهر وكشفه، ليس من أجل إخافة الشعب، لكن من أجل طلب المساعدة وحشد طاقة المجتمع على المواجهة، فالكارثة حلت وأصبحت حقيقة، والإخفاء أو التهوين من شأنها يساعد على استفحالها وتعاظمها، والتقليل من فرص المواجهة. والحكومة الجزائرية أصبحت مسئولة عما يحدث ، بل يجب مساءلتها،

فالتقصير واستمرارية الأزمة، وتزايد عملية الاقتتال والمذابح، يكشف عن قصور، والتساؤل الذى يطرح هل التدخل فى طلب المساعدة الإقليمية يعنى التدخل فى شئون الدول المستقلة؟ الكارثة موجعة وصعب تقبلها، وأصبحت ثقيلة، بل محبطة، والتعاون العربى لمواجهتها سيشعر هذه الجماعات الضالة بتزايد القدرة على المواجهة، وسيؤدى إلى انحسار الظاهرة الإرهابية فى منطقتنا، وسوف يعطى التعاون الإقليمى درسا وأسلوبا نحن فى حاجة جميعا له، حتى نخرج من هذه الدائرة الجهنمية الخبيثة، التى تكاد تقتلع المستقبل العربى كله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى