مقالات الأهرام العربى

عودة الوعى العربى الغائب

كان نبض الشارع العربى فى الأزمة الأخيرة هو البطل الحقيقى.. فقد كشفت كل استطلاعات الرأى أن العرب جميعا ولأول مرة.. منذ سنوات طويلة يتفقون على رأى، بل على تشخيص دقيق للأزمة.. ولم يشذ أحد، بل كانت ومازالت الرؤية متحدة من مصر إلى المشرق والمغرب العربيين.. والخليج، وفى السعودية، بل فى الكويت المتضررة الأولى التى وقع عليها الاعتداء العراقى الرأى العام الشعبى والرسمى اتفقا على رفض الاعتداء الأمريكى المرتقب أو المنتظر.. الكل أصبحوا رأيا واحدا.. و صلت استنارة الموقف العربى فى كل أرجاء الخليج الذى دفع ثمنا غاليا لحماقات النظام العراقى ورئيسه صدام حسين، سواء فى الحرب الأولى ضد إيران،

والثانية فى احتلال الكويت.. الرأى العام وصل إلى قمة نضجه ووعيه السياسى والاستراتيجى بالتفرقة الواضحة بين نظام مستبد وجاهل.. وشعب العراق الضحية ـ ضحية نظامه الداخلى ـ والنظام الأمريكى المستأسد على ضعفه لتحقيق مكاسب سياسية مختلفة وفرض التبعية والقهر على كل دول العالم وتهديد الشعوب العربية ككل فى منظومة نظامه العالمى الجديد.. الذى يفوق فى استعماريته وحماقته وجشعه كل الأنظمة الاستعمارية التى عرفتها البشرية فى كل تاريخها..

هذه الظاهرة الإيجابية كانت هى الضوء.. والشعاع الذى أعاد الأمل إلى قلوبنا، وزاد من قدرتنا المعنوية على مواجهة هذه الهجمة »التتارية« الجديدة، و ظهر فى الأفق العربى من ينادى إلى الجهاد والوقوف ضد الاستعمار الجديد بكل أشكاله.

وكشفت بوضوح أننا لا نتجه إلى عصر جديد يسوده العدل والقانون، وحقوق الإنسان.. بل إننا نسير إلى فوضى عالمية ونظام فاسد وقوة غاشمة تريد أن تفرضها أمريكا على العالم وعلى الضعفاء..

وهذا ا لاكتشاف.. سوف يترسخ فى الوجدان العربى، بل فى كل دول العالم أمام هذه الممارسات والاعتداءات الأمريكية المستمرة على حقوق ومصالح الشعوب..

وسيؤرخ لهذه الأزمة أنها التى كشفت للرأى العام العالمى الدور الأمريكى القذر، والوجه القبيح للقوة.. بل ستنمو بيننا حركات العداء لهذه القوة والتطلع إلى مواجهتها، وممازاد مشاعر العداء للقوة الأمريكية.. شعور العرب أن الرعاية الأمريكية لإسرائيل فاقت كل تصور.. فهى لا تحميها فقط، بل تحمى اعتداءاتها على الحقوق المشروعة، وتقف فى صفها، حتى لا تنفذ التزاماتها الدولية وتعاقداتها مع العرب والفلسطينيون، والتى قبلها العرب تحت الرعاية الأمريكية.. التى تصوروا أنها ستكون محايدة أو منصفة.. مادام العرب والفلسطينيون قد قبلوا بالسلام ووافقوا على الدولة الإسرائيلية فى المنطقة.. وفاقت الحماية الأمريكية لإسرائيل كل تصور ممكن فى الأزمة الأخيرة.. فقد قامت أمريكا بتحصين إسرائيل ضد الأسلحة البيولوجية..

وحصل كل مواطن إسرائيلى على التطعيم والأجهزة الوقائية.. قبل أن يتم تجهيز المنطقة للضربة المنتظرة.. وظهر أمام العرب أن الأمريكيين لا يعنيهم أحدا فى المنطقة كلها إلا إسرائيل.. ففى حالة الحرب أو الضربة المنتظرة التى سوف توجه إلى العراق ضد ما يطلقون عليه الأسلحة البيولوجية، والجرثومية وأسلحة الدمار الشامل العراقية.. فإن المنطقة كلها خاصة دول الخليج مهددة بأن تصاب شعوبها بالأضرار المنتظرة لتسرب هذه الإشعاعات وتدميرها، وبالتالى فإن شعوب المنطقة العربية ليس لهم ثمن أمام غرور القوة الأمريكية..

والنظرة الوحيدة لهم كانت هى حماية الإسرائيليين ومصالحهم بالأسلحة والتحصين.. والعرب عليهم جميعا أن يدفعوا الثمن مع شعب العراق الضحية.. صورة مفزعة للتعامل الأمريكى مع الشعوب العربية، فلم يكفهم السطو على المدخرات والأموال العربية وتدمير الاقتصادات، وممارسة الدور البلطجى الدولى، لكنهم لا يراعون أبسط الأشياء لحماية حقوق الإنسان التى يتشدقون بها ليل نهار.

والصورة الآن تكشف لكل فرد أن نهاية هذه الأزمة تفرض موقفا جديدا.. وتعاملا مختلفا مع الولايات المتحدة.. التى يجب الا نضع فى حقيبتها مستقبلنا ومستقبل منطقة الشرق الزوسط.. حتى السلام مع إسرائيل يجب أن يخرج من العباءة الأمريكية، ولا نسلم لها كل المقاليد.. فقد تعاملت مع العرب بالقوة الغاشمة، وبتحكم فى قرارها بالمنظور الاستعمارى القديم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى