مقالات الأهرام اليومى

المعلم ـ عظيم القدر ـ أولا

كانت مصر تملك ميزة نسبية كبيرة في تاريخها الحديث‏.‏ وهو المعلم ذو الكفاءة والقدرة والثقة بالنفس‏,‏ والقوة العلمية والقدرات الذاتية التي يستمدها من داخله‏,‏ لأنه مليء علميا وروحيا‏,‏ ونظرا لأن عدد المدرسين الأكفاء وذوي المكانة كان كثيرا فقد تصورنا أنه من غير الممكن أن تضيع هذه الثروة ببساطة‏,‏ وأن هؤلاء المدرسين نعمة من عند الله ـ وهذه حقيقة ـ فهم نعمة كبيرة‏,‏ لكنها نعمة لم نرثها‏,‏ أو حصلنا عليها كثروة طبيعية كالنيل مثلا أو البترول‏,‏ فهي حصيلة تراكمات حضارية‏,‏ لكننا قمنا بتبديدها بعدم الرعاية وقلة الأجور المناسبة والكليات المزدحمة وعدم وجود المتابعة والتحصيل العلمي الدقيق لبرامج التخصص وأساليب التربية المستحدثة والمعاصرة‏,‏ والأخطر أن ثروتنا من المعلمين ذوي المكانة والقدرة سمحنا بهجرتها‏,‏ بأرقام كبيرة في عصر الثروة البترولية والأجور الكبيرة التي كانت تجذب هذه الكفاءات‏,‏ فطارت كالطيور المهاجرة من مدارسنا المزدحمة وجامعاتنا التاريخية التي أصبحت يأكلها الزحام والشعارات البراقة‏.‏

حتي الثروات الطبيعية التي لا يحافظ أصحابها عليها تتآكل وتضيع‏,‏ فالنيل يحتاج إلي حمايته من التلوث والآبار تحتاج إلي تنظيمها‏,‏ والبترول يتطلب الترشيد‏,‏ فما بالنا بالإنسان المدرس الطيب‏.‏ الذي يحتاج إلي التحصيل العلمي والقراءة المستمرة والحياة الهادئة والأهم الاحترام والتبجيل من التلميذ والأسرة ولن يعود إلي مدارسنا الاحترام والمكانة ببناء المدارس الجميلة والواسعة والملاعب والتكنولوجيا المتطورة فقط‏,‏ لكن بالمدرس الكفء الذي يشعر ويحس بل يؤمن بأنه يعمل في مهنة مقدسة‏,‏ وأنه وريث الأنبياء في عالمنا المعاصر‏.‏

ونحن إذا نرسل إلي كل مدرس بطاقة تهنئة ونطبع علي جبهته قبلة حب بمناسبة عيد المعلم‏,‏ نقول للحكومة والمسئولين في بلدنا نريد عودة مؤسساتنا قوية ولن تعود مرة واحدة‏,‏ ولكن تعود بالخطوة الأولي علي الطريق الصحيح والعمل الجدي‏,‏ نريد بناء مؤسسة المعلمين القوية بتطوير كليات التربية في مصر وأن نجعلها كليات تربوية يدخلها كل مؤهل وقادر علي مهنة التدريس رفيعة القدر والمكانة يدخلها الطبيب والمهندس وخريج كليات اللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية والعلوم والثقافات المختلفة حتي التربية الرياضية والكليات العسكرية‏,‏ بحيث يدخلها كل مؤهل علميا‏,‏ ويري في نفسه أنه من الممكن أن يتحول إلي مرب فاضل ومعلم عظيم القدر فيخرجون لنا تلاميذ نجباء صالحين يرون في أساتذتهم القدوة الخلقية والتعليمية والنفسية الصالحة‏,‏ فيحدث تغيير إيجابي في كفاءة وقدرة خريجي المدارس المصرية‏,‏ علي أن تكون كليات التربية متخصصة في زيادة الكفاءة التربوية والسيكولوجية والنفسية والإدارية للمعلمين وطرق وأساليب التعليم والتربية الحديثة‏,‏ وهو تخصص كبير ومتطور علي أن يتم اختبارهم للدخول للكليات والتعرف علي مكانتهم التربوية لمعرفة كفاءة وقدرة تحصيلهم لمواد التخصص وقدرتهم علي المتابعة والتحصيل والتعليم المستمر في المواد والكليات التي حصلوا علي مؤهلهم الأول فيها والتعرف علي قيمهم الخلقية وقدرتهم النفسية في سنوات التعليم الجامعي قبل أن يحصلوا علي مؤهل جديد في التربية بهذا الأسلوب وبعد عدة سنوات نحصل علي مدرسين يحولون مدارسنا إلي خلايا قوية لإنتاج بشري متميز‏,‏ يحول مصر إلي دولة متقدمة ويزيد من كفاءتها وقدرتها علي التطور والنمو وتعود لنا ثروتنا البشرية من المعلمين ذوي القدرة والمكانة التي نأملها ونتطلع إليها‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى