فاشية بن لادن لا تهزمها فاشية أمريكا

وصف فوكوياما الظاهرة التى نعيشها منذ أن تفجرت أحداث 11 سبتمبر 2001، وما أعقبها من حرب فى أفغانستان بالفاشية الإسلامية، متناسيا أن الحرب كانت ضد فريق، صحيح أنه من المسلمين، لكنه خارج عليهم، قبل أن يخرج على العالم، وهو ما سمى بطالبان، أو تنظيم القاعدة، الذى يتزعمه أسامة بن لادن.
لقد كانت صورة العام الراحل درامية، وترشحه لأن يكون عام سبتمبر بأحداثه المحزنة، وضحاياه من الأبرياء، من الأمريكيين والعرب والأفغان، لكن الفرية الحقيقية هى تهمتا الإرهاب والفاشية، التى حاول بعضهم إلصاقها بالإسلام والمسلمين عقابا للمسلمين والعرب، الذين كانوا أول من واجه الخارجين أو خوارج القرن الحادى والعشرين، ويبدو أن فوكوياما من الفريق الذى حاول أن يسرق العرب فى أحداث التسعينيات، عقب حرب تحرير الكويت، فصور العرب وكأنهم هزموا برغم أن العرب هم الذين كونوا التحالف الدولى لإنقاذ نظامهم العربى من الانهيار، وكان الانتصار عربيا قبل أن يكون غربيا.
وكأن هناك فريقا عالميا يترصد العرب والمسلمين ليصدر إليهم كل الهزائم والانتكاسات، ويساعدهم قطعا المتطرفون بالداخل، لكى يحولوا هزائمهم الشخصية لتكون هزائم للأمة كلها، ومن ثم تتحقق أهدافهم ومراميهم الخبيثة.
ووسط هذا المناخ الملبد بالغيوم وبالخوف، يتحد اليمين المتطرف فى الغرب وإسرائيل وبلداننا العربية، لتحويل المقاومة العربية، ضد الاحتلال إلى منظمات إرهابية.
لكن عام 2001 يأبى أن ينصرم حتى يثبت أن المقاومة ليست إرهابا، فنرى حزب الله فى لبنان يخدم الشرعية اللبنانية ويسلم بقراراتها، ومنظمتى حماس والجهاد الفلسطينيتين تحترمان السلطة السياسية الفلسطينية ويتعاملان كمنظمات سياسية تحترم الشرعية وتتمسك بحق مقاومة الاحتلال.
ونحن نستقبل عاما جديدا، يجب أن تكون حقيقة العام الماضى واضحة للجميع، وأن نكشف من حاولوا أن يتهموا العرب والمسلمين بأنهم أيدوا الإرهاب والتطرف يوما، فذلك لم يحدث، بل إن العرب هم أول من أعلن الحرب على التطرف، وواجه عصاباته، فى وقت وجدت فيه تلك الجماعات الملاذات الآمنة فى الغرب، وعواصمه الحرة، تحولت إلى منابر لكى تنعى الديمقراطية الغائبة، وحقوق الإنسان المهدرة فى مجتمعاتنا.
وإذا كان 2001 عاما فارقا، فيجب أن نمسك بنتائجه، وألا نستورد كل مقولات الهزيمة والضعف التى حاول بعضهم أن يلصقها بالإسلام والمسلمين والعرب، فهذا العام تخلصنا فيه من بؤرة تطرف صديدى كانت تهدد جسم الأمتين الإسلامية والعربية، وهى تتمثل فى جماعتى طالبان، والقاعدة، وهما نموذجان مرفوضان من المسلمين والعرب كافة، وغير مقبول إسلاميا هذا التنظيم السرطانى الذى سقط، لم يكن يهدد الغرب وحده، بل كان يهددنا كعرب ومسلمين قبل الآخرين، فقد كان يتفشى فى جسم الأمة، ويبعدها عن التقدم والتغيير، وتطوير مجتمعاتنا نحو الأمام.
فهم الذين ضربوا الاقتصاد وأضروا نمو الديمقراطية والنظام السياسى والحزبى فى مصر، وأشعلوا الحرب الأهلية فى الجزائر، وتربصوا بالديمقراطية فى الأردن والكويت، وهم الذين تسللوا إلى الجمعيات والمنظمات الخيرية الإسلامية، لكى يدمروا دورها فى التكافل الاجتماعى، ويحولوها إلى منظمات للتخريب وتجنيد الشباب لضرب بلادهم، وتأكيدا أننا تخلصنا من دولة الإرهاب فى أفغانستان، فقد التطرف دولته وانكشف ظهره، وغابت مؤسساته، وبهذا فإن الطريق للتغيير فى مجتمعاتنا وبناء مجتمعنا المدنى والإسلامى الصحيحى سيبدأ، أما الذين يريدون أن يشيعوا ثقافة الهزيمة والانكسار داخلنا، فهم أنصار هذا الفريق المتطرف المعادى للحياة، ويجب أن تنتبه الأمة لخطورة هذه الظاهرة الانهزامية التى تعادل الظاهرة التطرفية الإرهابية بكل أمراضها السرطانية.
لكننا نريد أن ننبه الأمريكيين إلى أن فاشية بن لادن لا تهزمها فاشية أمريكية تريد توسيع دائرة الاشتباه لتطال جسم الأمة الصحيح، فليست كل الحركات الإسلامية إرهابية، كما أن توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل حركات التحرر الوطنى الإسلامى يعد خطرا، ويعد كذلك انتصارا للتطرف، ويثبت اليمين والفاشية الأمريكيين اللذين ينتصران لهذا المفهوم، أن الولايات المتحدة تريد أن تفرغ نصرها ضد الإرهابيين والمتطرفين من مضمونه، وتزيد الأعداء، وتوسع شقة الخلاف بين الشرق والغرب، وبرغم سعينا لإسقاط نظرية المؤامرة، فإننا لا نستطيع أن نغفل دور المؤامرة هنا فى فشل الاعتدال والتعايش بين الشعوب والحضارات، وإن كنا نراه مفهوما عبثيا وقاصرا.
ولشعوبنا العربية والإسلامية نقول إننا لن نستورد أفكار الهزيمة، ونؤكد على أن أحداث سبتمبر أوضحت ضرورة احترام الاعتدال والوسطية لسحب البساط من تحت أقدام التطرف الذى يصوغ المبررات، ليبقى كامنا فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
علينا أن ننشغل بمستقبل شعوبنا ودولنا، ولا ننشغل بمستقبل أحزابنا أو التيارات التى ننتمى إليها، والتى تستسلم للذين يبشروننا بالخير العميم إذا فهمت شعوبنا الرسالة الأمريكية والأوروبية بشأن الإرهاب وامتداداته.
فنحن أعرف بمستقبلنا وإسلامنا الصحيح سوف يظهر فى المرحلة القادمة بعد إزاحة دولة التطرف، وزوال قدرتها المالية، ومن ثم قدرتها على شراء الناس. وسوف تقبل شعوبنا الديمقراطية والدستور، ليس لأن أمريكا تريد ذلك، لكن لأن شعوبنا هى التى ترغب فى ذلك، وليس لأن حكام المنطقة يريدون ذلك، وسوف نلغى ثقافة التعصب والجنون، ليس لأن أمريكا تريد ذلك، لكن لأن ديننا هو دين التسامح والمحبة وتوسيع الحريات وأوضاع حقوق الإنسان، وسوف نندمج فى النظام العالمى ونتكيف معه، ليس لأننا مقهورون ويمارس علينا الغير الضغوط، لكننا نريد ذلك، وتلك حقيقة ديننا وإيماننا، والتطرف كان الوجه القبيح الذى يغيِّب تلك الحقائق.

