مقالات الأهرام العربى

إلى الأستاذ أسامة سرايا

تعليقا على ما جاء فى مقالك فى العدد (216) أضم صوتى إلى صوت السيدة حرمك التى هزك صوتها، وهى تلعن هذا العالم المنافق، وسأردد ما قالت أنتم منافقون، وكل العرب ـ خاصة المثقفين ـ والسياسيين والمزايدين، وأضيف أنا على ذلك أنه كان للجميع صوت واحد هادر فى أول الانتفاضة، الكل غاضب، الكل حانق، مازلت أحتفظ بجميع الأعداد منذ أول يوم، كان قلمك يتوافق مع النبض العام، ثم ما لبثت نبرة البعض وأنت منهم، تأخذ فى الخفوت والتحفت بأردية سميت بالحكمة والمسئولية والذكاء، ونبذ الغوغائية والتحذير من الإرهاب، الذى غالبا ما يشار به هذه الأيام إلى كل صوت معارض، لاسيما إذا كان صوتا إسلاميا يرفض مع غيره من التيارات الفكرية معاهدة السلام، وبدأتم تستميتون فى تجميل ˜الخيار الوحيدŒ وتلبسون ˜البوصةŒ أى آراء القادة، كى تصبح عروسة رغم دمامتها، وبدت لنا تلك المحاولات افتعالا مذموما، نتج عنه تراجع الثقة بين الناس وبين المؤسسات ˜المجمّلة للأنظمةŒ تراجعا مشئوما، لا يمكن أن أتفق أبدا مع ما قررته بأن الشعوب العربية قبلت السلام مع ˜المعتدىŒ الذى يتقل الأطفال… إلخ، لا يا سيدى، لم تقبل الشعوب فى الماضى بالسلام والعيش مع الآخر، إلا بعد أن فشلت المفاوضات فى إجبار الآخر بالاعتراف بالحق المشروع، ففرض الحق بقوة الدماء وعظمة الاستشهاد فى ساحات الوغى، عملا بقوله تعالى ˜كتب عليكم القتال وهو كره لكمŒ، وأكرر، وهو كره لكم.

ولم تقبل الشعوب فى الحاضر السلام مع المعتدى طواعية، لكن بالقهر وفرض الرأى الجائر بقوة السلطان، ولسنا فى حاجة إلى سوق أدلة، سوى التأكيد على أنه عند أول قذفة حجر ودفقة دم انتفضت الشعوب ومازالت لتلقى بملايين الأحجار محركة مياه السلام الراكدة، لا يا سيدى، لا لن يبلغ الإسرائيليون سن الرشد أبد الآبدين، ليعترفوا بأى حق يستجدى، ما أعجب هذه المقولات التى تطمس على الحقيقة الظاهرة للعقلية الصهيونية التى عرفها الأطفال قبل الكبار، لقد قتلنا يا سيدى منذ المعاهدة التى حرمتنا من ممارسة أقل واجباتنا الدينية بإمداد أهلنا بالسلاح والأنفس علنا دون إنكار، وكبحتنا حتى عن الانحياز الشجاع للحق وآثرنا الوساطة أو السلامة بألا ندافع عن عرفات أو شارون.

أستاذ أسامة، اقرأنى جيدا، فأنا واحدة من الجموع الغفيرة التى ترى عن ˜بصيرةŒ خطابا وعملا سياسيا مفاده أن إسرائيل عدو حقيقى قديم وحديث ولا ريب، وأن باطنها ينطوى على عقيدة دينية عدوانية عنصرية بشهادة رب العالمين، وظاهرها دعوات لسلام باطش جشع لا يعطى شبرا إلا إذا أخذ فى المقابل ربا أضعافا مضاعفة من حرية الإرادة، أولها وجه يكتسى بأقنعة تتأرجح ما بين الخبث الدنىء المتأصل والغطرسة الصفيقة، وأن هذه المعطيات وأكثر، تلزم المعتدى عليه بألا يمد يده بسلام ولا أغصان زيتون محترقة، لن نكون أبدا أسمى ولا أذكى من نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم، الذى مد لهم فى الماضى يديه الشريفتين بالسلام مرات، لكنهم أبوا ألا أن يكونوا خوانين، مؤثرين الغدر، والعدوان على الوفاق والتعايش، أما نحن فقد آثرنا ألا نسير على هديه قائلين، زمن الحروب ولى واندثر، عجبا لهؤلاء، وكأن الله لم يدر ˜أستغفر اللهŒ أنه سيأتى على عباده يوم ستختل فيه موازين القوى بفضل اختلال موازين الإيمان، لكنه سبحانه يجعل لهذا اليوم جندا عاهدوا الله وصدقوا، هم الذين سيعدلون الميزان بقوة إىمانهم وشرعية حقوقهم، واعتقد البعض بسذاجة لا يحسدون عليها، أننا يمكن أن نحاصرهم بالسلام ونعمل ونركض فى كل صوب لإخضاعهم للشرعية الدولية، أية شرعية وأى حصار تتكلمون عنه؟ نبى هذه الأمة لم يصبر عليهم أكثر من اللازم بعد ثبوت جرائمهم بالدليل القاطع فقاتلهم وحاصرهم ثم طردهم شر طردة من أرض الجزيرة كلها، انظروا من هو المحاصر فعلا، ومن هو المقهور حقا الشعوب مقهورة من حكامها وحكامها مقهورون من عدونا الحقيقى الأمريكى الذى يفاخرون بلعلاقتنا المتميزة به والتنسيق والتعاون المثمر، لا أثمر الله له زرعا، أى هوان وأى ذل يا سيدى عندما سقطت مصر بسبب ˜ذو البصيرة العبقريةŒ سقطت الأمة وراءها إلا من رحم ربى، نعم استعدنا أرضنا، لكن بكم؟ بل كان الصهاينة هم ذو البصيرة حقا، كانت أعينهم مصوبة على هذه اللحظات التى نحياها بمرارة؟ كم من رضيع ذبيح يكفيكم يا عرب كى تفقيوا، اليوم يجنى الصهاينة على مهل ثمار حرثهم، هل سمعتم لحكام المشرق والمغرب حتى ولو همسا، لا. بل سمعت الشعوب أخبار صلصلة الخنازير وعواء الكلاب المسلطة عليهم لترهبهم.

كفانا يا سيدى حصارا عربيا لهذا الشعب المظلوم، بفرض إرادات المفاوضات، والمبادرات الذكية فلن يستعاد أى حق أو أى هدوء أو استقرار مادام قد بقى هؤلاء على الأرض العربية، الأولى أن نكرس الجهود لإعادتهم من حيث أتوا، حتى وإن استغرق الأمر ألف حياة، فلنمت نحن ليحيا أبناؤنا فى عزة وليذكرونا بكل فخر قائلين هؤلاء هم أجدادنا الأباة، الذين جادوا بأنفسهم لإعتاق رقابنا من رق الذل لأعداء الله، كفى يا سيدى حرام عليكم.

ملحوظة أستاذ أسامة أتمنى ألا تحنق على فإن أكثر ما يغضب الإنسان الصادق هو التلفيق والخداع والنفاق إياك يا سيدى أن تحمل فى يدك الجريحة غصن زيتون لمن يصر على الكفر، بل احمل عليها سيفا، ومن قبله لسان حق، ألست تعلم أن  هؤلاء هم الذين غضب الله عليهم؟ ألست تقرأ فاتحة الكتاب فى كل يوم وليلة؟

إذن لماذا لا تصدقون أن الله يقول الحق؟

مها كشيك

القاهرة فى يوم أغبر مترب

12 مايو قبل أىام من ذكرى اغتصاب فلسطين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى