مقالات الأهرام العربى

قبل أن نفتح كل الصفحات لنشير إلى المتهم الحقيقى فى الحرب الشاملة

قبل أن نفتح كل الصفحات لنشير إلى المتهم الحقيقى فى الحرب الشاملة التى اشتعلت عالميا عقب أحداث 11 سبتمبر فى واشنطن ونيويورك، والتى رغم خسائرها المادية الفادحة للأمريكيين التى تجاوزت ­ حسب التقديرات الأمريكية ­ مائة مليار دولار، فإن ضحاياها من البشر كانت جسيمة، إن قلبى كاد يتوقف بسبب ضحايا البرجين وضرب البنتاجون، الذين وصلوا إلى 7 آلاف ضحية. وهناك شعوب سيتأثر اقتصادها، وسوف نتحدث طويلا عن معاناة الأفغانيين وضحاياهم، والذين يوصفون بأنهم أحياء مع إيقاف التنفيذ، أو أن هذا الشعب هو الخاسر الأعظم فى هذه الحرب، وإذا كنا لا نحمّل الحرب الراهنة وحدها مسئولية مأساة الأفغان، فهى محصلة لحروب خارجية، ثم حروب أهلية طاحنة، وصولا إلى حكم مجموعة باغية تحكمت فى الشعب الأفغانى باسم الدين، فى حين أن ˜طالبانŒ أى طلبة لا يفهمون فى الحكم أو الدين، ورغم هذا تحكموا فى هذا الشعب المسكين.

ومنذ اندلاع الاضطرابات والإعلام والمسئولون الغربيون قد انفتحت شهيتهم لنقد كل ما هو عربى وإسلامى، ولم يتوقفوا عن تحميل الشعوب العربية والإسلامية مسئولية الإرهابيين لأنهم خرجوا من المنطقة العربية.

ونالت مصر والسعودية النصيب الأكبر من النقد، الذى لم يوجه إلى الحكام فقط، لكنهم وجهوا سهامهم إلى الشعوب متهمين إياها بالإنهاك الأخلاقى والازدواجية فى التفكير.

ووصلوا فى اتهاماتهم غير البريئة إلى حد الإشارة إلى مسئولية بلادنا بتغاضيها عن الإرهاب ورعايته، وكل هذه الاتهامات باطلة، فرعاية احتضان الإرهابيين كانا شأنا غربيا، ويكفى أن نسوق دليلا واحدا، وهو أن كل الإرهابيين الذين ارتكبوا الجريمة ­ حسب الاتهامات الأمريكية ­ يعيشون فى العواصم الغربية، ولم يثبت وجودهم فى أية عاصمة عربية أو شرق أوسطية.

بل إنهم تمادوا فى حرب التصريحات ضد الإسلام مباشرة، ولن نذكر هنا بيرلسكونى رئيس وزراء إيطاليا، لأنه اعتذر، بل أوضح أن ما نُسب إليه من تميز للحضارة والأخلاق الغربية على العربية والإسلامية، فُهم خطأ، لكن ما لم نفهمه ما قاله وكتبه مهندس ˜صراع الحضاراتŒ صموئيل هينتنجتون بأن المشكلة ليست فى الحضارات نفسها، لكن فى الإسلام والمسلمين والذين يشكلون %20 من سكان العالم، لكنهم يخلقون %70 من مشاكله، وما خرجت علينا به البارونة مارجريت تاتشر من انتقادات حادة للمسلمين، حيث اتهمتهم هذه المرة بأن شجبهم ورفضهم واستنكارهم للعمليات الإرهابية الأخيرة فى نيويورك وواشنطن لم يكن بالشدة التى تناسب فظاعة هذه العمليات التى ارتكبها المسلمون، وقالت تاتشر إنها لم تسمع إدانة كافية من كهنة الإسلام ­ تقصد الشيوخ ­ وظهرت البارونة وهى تتحدث للإنجليز والأوروبيين، بهدف زيادة اشتعال حنق الغربيين ضد المسلمين فى بريطانيا، بل فى كل بلاد الغرب، لتفتح الباب واسعا للاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم باعتبارهم طابورا خامسا للإرهاب، لقد كشفت البارونة عن جهل فاضح، وعدم متابعة مريب، فلم تكن هناك دولة إسلامية أو منظمة إسلامية لم تدن هذا الحادث الإرهابى، بل إن منظمة الدول الإسلامية، انعقدت على عجل، وأدانت هذه الحوادث، وأعلنت وقوف 53 دولة إسلامية ضد الإرهاب. لكن ماذا نفعل مع عنصرية تاتشر، التى لم تضعف مع مرور الزمن، بل زادت مع حنكتها وكبر سنها، لكنها انكشفت فى هذا التعليق، وأعجبنى أن أحد وزراء الخارجية الإسلاميين فى مؤتمر الدوحة علق على تاتشر بأنه كان من واجبنا أن نرسل وفدا للسيدة تاتشر، قلت له إنها لم تجد فى تصريحات تونى بلير الى أشاد فيها بموقف المسلمين داخل بريطانيا وخارجها من الإرهاب سببا للتخفيف من عنصريتها وبغضها للمسلمين.

وعلى تاتشر أو بيرلسكونى أو فريدمان ومن حذا حذوهم أن يدركوا أن المسلمين ليسوا مطالبين بالاعتذار أو الندم على فعل ارتكبه نفر منهم، فما أكثر الجرائم التى ترتكب فى العالم دون أن تنسب إلى جنسية أو ديانة مرتكبيها، وإذا كان المسلمون قد أدانوا بشدة لم تدركها تاتشر عمليات الإرهاب الأخيرة، فإنهم يدركون قبل غيرهم فظاعة الجرم وفداحة الخسائر التى يسببها الإرهاب، لأن الكثيرين منهم عانوا قسوة الإرهاب قبل غيرهم.

لكن كان يجب على الصحافة الغربية أن تدرك أنه بدلا من توجيه النقد واللوم إلى كارثة 11 سبتمبر للعرب والمسلمين وأنظمتهم، أن تحدث مراجعة أمريكية وأوروبية عن الأسباب الحقيقية لتفشى الإرهاب.

عندها سيكتشفون غياب العدالة والازدواجية الحادة والعنصرية الشديدة التى تعامل الإدارة الأمريكية والأوروبية بها شعوب العالم الثالث، ولا يكفينا أن نذكر أن أوروبا وأمريكا رفضتا فى مؤتمر العنصرية فى ديربان الاعتراف بمسئوليتهما عن نمو العنصرية الجديدة المتمثلة فى إسرائيل، واضطهادها للشعب الفلسطينى وسرقة أراضيه وموارده، وتشريد شعبه فى الملاجىء، فى حين أن أرضه أصبحت مهبطا وملاذا لكل مهاجر يهودى من أنحاء الأرض، أى ظلم أو اضطهاد حدث للشعب الفلسطينى على أيدى إسرائيل ومؤيديها من الولايات المتحدة وأوروبا.

وليست قضية فلسطين وحدها فهناك شعوب إفريقيا وآسيا، التى تم تهميشها بالكامل فى النظام العالمى الجديد، وتركت بؤر الإرهاب والتوتر فى كشمير ˜وسط آسياŒ لتلهب المشاعر الدينية بين المسلمين والهندوس، وشعب الشيشان الذى شهد اضطهادا وتحالفا على مصيره من القوى الكبرى القديمة، وتغاضى القوى الراهنة لأسباب سياسية لها حساباتها لدى القوتين.

الظلم والاضطهاد والتميز والعنصرية والفقر كلها بؤر للإرهاب والتوتر، تركتها أوروبا وأمريكا للشعوب الفقيرة، وعندما ادلهمت الأمور صبت جام غضبها على شعوبنا، فى حين أننا أول من حذرنا من كل هذه التداعيات، وطالبنا بالعدالة للشعوب كلها، فى الوقت الذى كانت أمريكا تربى فيه الإرهاب والإرهابيين لتستخدمهم فى الصراعات المختلفة، ويكفى أن نشير هنا إلى أن ˜بن لادن وتنظيم القاعدةŒ صناعة أمريكية لمقاومة السوفييت فى أفغانستان، ثم انقلب السحر على الساحر.

إن مواجهة الإرهاب والتطرف لن تكون أمنيا أو بالحرب أو بتجفيف المنابع اقتصاديا وسياسيا فقط، لكن ­ وهذا هو الأهم ­ برؤية عاقلة وتقييم موضوعى لأسباب الإرهاب وكيفية اشتعاله عبر إستراتيجية دولية طويلة المدى، ولتكن مقدمتها الصراحة والاعتراف بأخطاء الأقوياء أولا، قبل أن يصبوا جام غضبهم على الضعفاء والمظلومين، فتزداد حدة التوتر بعد أن صبّوا البنزين على النيران المشتعلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى