مقالات الأهرام العربى

انتبهوا للأيام القادمة

توقفت باهتمام أمام رسالة إدوارد ووكر السفير السابق ورئيس معهد الشرق الأوسط التى أرسلها، رسالة مفتوحة بعنوان ˜إلى أصدقائى فى الشرق الأوسطŒ، وهزتنى عباراته، وقبل أن أناقشه، فإننى أشاطره الأحزان، وأقول له بصدق إن كل العالم العربى اهتز للضحايا الأبرياء، ونصلى جميعا من أجلهم، وندعو لأسرهم بأن يجتازوا الفاجعة، وأقول له إن ما وصلك من ابتهاج البعض فى عالمنا ليس صحيحا، فهو من صنيعة متطرفين آخرين، لكنك خلطت بين نقدالسياسة الأمريكية، والابتهاج.

وإذا كان قد حدث من البعض فهو سمج كما وصفت، لكنه ليس حقيقيا، لأن شعوبنا حضارية، ولا يمكن أن نقبل بالأفعال الشريرة، هذه الأفعال أصابت بلادنا قبل أن تصيبكم، فالحرب التى أعلنها الإرهاب على أمريكا فى الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، بالاعتداء على ˜ورلد تريد سنتر والبنتاجونŒ أعلنت فى بلادنا منذ 30 سنة، وخرجت هذه المنظمات على حكوماتنا وشعوبنا واغتالت رئيسا مصريا ضحى من أجل بلاده، وحاولت اغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا، بل إن منظمة بن لادن التى احتلت أفغانستان، ونصّبت طالبان باسمها للحكم على الشعب الأفغانى المسكين، الذى خرج من حرب أهلية بلا قوة أو دولة ولايزال يدفع ثمن تطاحن أبنائه تسلم مقاليده مجموعة من المتطرفين يحكمونه بالحديد والنار، ويفرضون على الشعب الأفغانى، باسم أمير المؤمنين، حكما لا يتصوره أحد، فهو قادم من القرون الوسطى، وهذه المنظمة التى تحصل على الأموال باسم الدين وتجارة المخدرات، حاولت خلق قاعدة لها فى المنطقة العربية عندما حطت رحالها فى السودان، فتمت مقاومتها عربيا، حتى خرج بن لادن ومنظمته من السودان، واستمرت المقاومة حتى سقط الترابى وأصبح السودان بريئا من هذا التنظيم وأفعاله.

فى الوقت الذى كانت بلادنا فيه تقاوم الإرهاب المتستر باسم الدين، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية عموما تفتح عواصمها للمتطرفين من كل الجنسيات، بل تعطيهم بطاقات اللجوء السياسى، وتفتح لهم مكاتب إعلامية، وتيسر لهم إقامة شبكات الاتصال وتجميع جهودهم لمهاجمتنا من جديد. وكنا فى بلادنا نستغرب لماذا تعاملنا أمريكاهكذا؟ وظلت المنظمات الأمريكية والأوروبية المهتمة بالعفو الدولى وحقوق الإنسان تصدر شهريا وسنويا تقارير تتهم بلادنا بأنها تنتهك حقوق الإنسان، فى حين أننا كنا فى حرب فعلية ضد الإرهاب والتطرف، الذى أهدر الأرواح ودمر الاقتصاد وروّع الآمنين، وهددنا حتى فى رغيف الخبز، وظلت معركتنا مع الإرهاب، فى حين وقفت أمريكا والغرب يتفرجون علينا، بل الأخطر أن هذه الجماعات كانت ومازالت تتغذى على السياسات الأمريكية الخاطئة، والازدواجية فى المعايير، فكان تدعيمها لإسرائيل ووقوفها مع التطرف اليمينى الإسرائيلى المناوىء للعرب، والمتمثل فى سياسات اليمين الإسرائيلى، حتى صعد قطبه شارون للحكم، واستطاع خلال العام الماضى وطوال الانتفاضة الفلسطينية أن يغذى كل عوامل التطرف والكراهية، وأن يعطى مشروعية للمتطرفين، ويقوى حجتهم لدى الرأى العام، بل إنه يجعل مشروعهم الدموى هو الوحيد المطروح لاسترداد الكرامة العربية، وقمع العنف والتطرف الإسرائيلى فى معاملة الشعب الفلسطينى، خاصة بعد فشل مشروع السلام العربى ­ الإسرائيلى، وبروز الاتجاهات الإسرائيلية فى السيطرة على مدينة القدس، والأطماع الإسرائيلية فى المسجد الأقصى. وظللنا نتساءل بين أنفسنا ماذا تريد إسرائيل؟ بل ماذا تريد أمريكا من الفلسطينيين؟ بعد أن اعترفوا بإسرائيل وبحدودها، بل أعطاهم الفلسطينيون جزءا عزيزا من المسجد الأقصى ˜حائط البراقŒ المسمى إسرائيليا بـ ˜حائط المبكىŒ، اعترفنا بمشروعيتهم ونحن أصحاب الحق، فى حين أنهم يفتحون علينا النيران ويقتلون أبناءنا، ماذا كنا نفعل نحن المعتدلين أمام هذا المناخ الصعب الذى يغذى التطرف، ويجعله الطريق الوحيد، رغم رفضنا له وسعينا إلى السلام والاستقرار.

والآن وقد ظهرت الحقيقة ولا نقول ذلك كتبرير لعملية ˜نيويورك ­ واشنطنŒ فليس هناك تبرير لقتل الأبرياء، لكنه تلخيص لمناخ التطرف والإرهاب الذى  صنعته إسرائيل وسكتت عليه أمريكا، بل دعمته فى أحايين كثيرة، ولعل هذه اللحظة التاريخية تعيد أمريكا إلى صوابها ­وهى تشن حربها ضد الإرهاب ­ يجب أن نكون جميعا معها، فليس هناك عاقل يقبل بالإرهاب أو ضرب الحضارة المعاصرة وفرض حكم القرون الوسطى أو التخلف مبررا ذلك بأنه الدين، والدين منه براء، لكننا حتى ننجح فى ذلك ونستطيع أن نتحدث مع شعوبنا والرأى العام فى بلادنا، عليها جميعا أن نحترم الأديان، ونقدر المسلمين المعتدلين، وهم كل شعوبنا العربية بدون تعديل رؤية أمريكا للعالم، وأن تتحمل مسئولياتها فى قيادته، ولا تتهرب من التزاماتها، وأولى هذه المسئوليات أن تسارع بإقامة السلام الكامل فى الشرق الأوسط والقائم على العدل، الذى يسلم بحقوق المسلمين فى القدس والسيادة على بيت المقدس، بل تعويض الفلسطينيين عن معاناتهم الطويلة ورعايتهم وحماية دولتهم الوليدة، وفتح فرص الحياة أمامهم، وإزالة المخيمات التى يعيشون فيها، التى تمثل سبة وعار القرن العشرين، الذى يجعل الإسرائيليين والمهاجرين اليهود القادمين من كل بقاع الأرض يعيشون فى بلاد الفلسطينيين، وينعمون فى خيراتها ورعاية المجتمع الدولى وحماية الترسانة العسكرية الأمريكية، بينما صاحب الأرض الشعب الفلسطينى يعيش فى مخيمات ومناطق محاصرة عسكريا واقتصاديا، ويضرب يوميا تحت سمع وبصر مجتمع دولى يتشدق بالعدالة وحماية حقوق الإنسان.

هذا هو الطريق الوحيد لهزيمة بن لادن وفكره وأنصاره، ولعلنا لا نكون قد نسينا الشعب الأفغانى المسكين والمضطهد، وضحية حروب لا ناقة له فيها ولا جمل، هذا الشعب يحتاج فعلا إلى تخليصه من ˜طالبان وبن لادنŒ، لكنه لا يحتاج إلى بن لادن أو طالبان بوجه آخر، لكنه يحتاج إلى مجتمع دولى ينقذه مما آل إليه من ظروف صعبة وحياة قاحلة، وعلينا جميعا أن نعمل على بناء عالم جديد، لا أن نصنع أعداء، ونعرف أن الحضارة المعاصرة لا تحميها الجيوش بعد أن عرف التطرف حرب العصابات وتدمير الحياة المعاصرة، وإننا ندخل مرحلة جديدة تذوب فيها الحدود السياسية والثقافية والاقتصادية، بل الأمنية، وهى روح وثقافة مختلفة لا تغيب الثقافات الراهنة، بل هى مزيج من كل الثقافات ومشاركتنا فى صياغة هذا التحول هى الإنقاذ الوحيد، وهذا يستلزم منا جميعا الاهتمام بالتحول الثقافى وتفهم تغيرات العصر، ولا نغيب عنها بالضعف أو عدم الفهم، وأن ندرك أن العالم المعاصر لا يحتاج إلى البحث عن عدو، حتى لو تكلم بعض المتخصصين، وأرادوا صناعة الأعداء، لكى يحافظوا على مجتمعاتهم أو مصادر قوتهم، فالعدو الوحيد لعالمنا المعاصر هو الجهل والتعصب والتخلف وعدم مجاراة العصر.

إن جحيم مانهاتن هو ميلاد للعالم الجديد، ومثلما كانت بيرل هاربر فارقة فى الحرب العالمية الثانية فإن حادث سبتمبر 2001 هو الآخر سيكون فارقا فى حياة عالمنا المعاصر، وستحدث تغييرات جسيمة، فانتبهوا للأيام القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى