لا للإرهاب الجديد

بقلم : أسامة سرايا
يعانى العالم كله خاصة الإسلامى تداعيات 11 سبتمبر فى نيويورك وواشنطن، ففى الوقت الذى حاولت فيه عناصر التطرف والإرهاب، ربط نفسها بالإسلام، وجر أكبر عدد من المسلمين للانتحار معها فى معركتها التى صورت لها مخيلتها الغريبة أنها معركة مقدسة، دفاعا عن قيمنا، متصورة مثلما قال أسامة بن لادن إن الأحداث قسمت العالم إلى قسمين، معطية نفسها حجما أكبر فى العالم الإسلامى، لكن المسلمين فى عالمنا المعاصر، وقفوا ضد هؤلاء المتطرفين، وكانوا وسيظلون أنصارا للاعتدال والتطور والنمو، لكن الغريب هو أن بعض المتخفين فى الزى الإسلامى فى داخلنا،
والمتطرفين على الجانب الآخر، صدقوا إن المعركة ضد الإسلام، وحاولوا أن يجهزوا على الإسلام فى بلاده بالهجوم على المقدسات، مستغلين مناخ الحرب على الإرهاب، ليشيعوا أن المسلمين أصبحوا فى بلادهم ضعفاء، بعد انتهاء طالبان أو القاعدة، لكى نصدق أنهما كانتا ظاهرتين إسلاميتين، ولم ينظروا إلى رفض المسلمين التام للتطرف والإرهاب بكل فصائله فقد وجدنا كتابا هزيلا لشيخ، كله مغالطات،
يسعى صاحبه إلى الصيد فى الماء العكر فجمع فى كتابه كل أنواع التهجم على قيمنا ومقدساتنا، فهذا الكتاب يعد نموذجا للكتب التى تصنع التطرف والمتطرفين وتحتاج للفرز والتقييم، ولم ولن نقول نعم للمصادرة أو التكفير، فتلك أساليب عفا عليها الزمن، وأصبحت لا تستقيم مع الحوار الذى ينبغى أن يكون حرا بيننا، لكن كذلك ترك هذه الترهات الفكرية دون مساءلة أو تقييم، أو كشف لمراميها وأهدافها يعد خطيئة كبرى، وظاهرة تحب مواجهتها، وحصارها بالنقاش، لأن هؤلاء ليسوا أهل فكر أو إبداع،
فعندما يتناول كاتب بين دفتى كتاب ويترك فى الأسواق، فيه تهجم على كل مقدس، دون مساءلة يعنى أننا ننشر سلعة خبيثة، تسبب أضرارا للمجتمع، وعندما يتصور كاتب أيا كان أن الدين أو العقيدة فى موقف ضعف، ويستغل هذا بكل سلبياته، فهو جان، وتجب مساءلته، فلن يكون أبدا إسلامنا فى موقف ضعف، ونحن مؤمنون بأن مواجهة الإرهاب والمتطرفين لم تكن معركة ضد الإسلام، كما توهم هذا الكاتب أو غيره، فتصور أن أحداث 11 سبتمبر فرصة جيدة يجب انتهازها، لتشويه قيم وعقيدة الإسلام، ولن تخيفنا كلمات المتشدقين لحرية الإبداع،
فليست الحرية حكرا لكل من يمارسها ضد الدين والعقيدة وكأن الحرية تعنى هدم كل ما هو مقدس، وتهدم القيم والعقائد، فكم من الجرائم ترتكب باسم الحرية والإبداع فكما لم نقبل دعاوى المتطرفين والإرهابيين باسم الدين، فلن نقبل أيضا دعاة هدم الأديان والأخلاق أو المؤلفين الذين يتشبهون بالمغنين الساقطين، أصحاب الكلمات الهابطة واللغة السطحية لجذب الانتباه وترويج أفكار سقيمة تدعو إلى الفتنة كما أننا نرفض استغلال أحداث 11 سبتمبر على كل صعيد من المتطرفين اليمينيين واللادينيين فى كل مكان،
ولن نقبل بالتفسير الأمريكى الذى ابتدعه بوش فى خطابه الأخير الذى يدمغ بالإرهاب الأبطال الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال بصدور عارية وبلا سلاح وإذا كان شارون واليمين الإسرائيلى، قد استغلوا الأحداث العالمية لتصفية انتفاضة الشعب الفلسطينى، ومحاصرة عرفات والسلطة الفلسطينية واتهام المنظمات الفلسطينية بالإرهاب، فإن اليمين الأمريكى المتطرف استولى على مقاليد الأمور فى واشنطن وفتح الباب إلى تغييرات قانونية وسياسية استغلت الحرب والذعر الشعبى من التطرف والإرهاب للتميز الصارخ، ضد كل ما هو عربى ومسلم،
فإن خطاب جورج بوش عن حالة الاتحاد بعد مرور عام من حكمه لم يكن خطابا متشددا حين صنف محور الشر الجديد، أعداء أمريكا الجدد فقط، بل فتح الباب باب الشر والتوتر أمام العالم، ولم يغلقه، وكان من المتصور أن يكون بوش هادئا، فقد خرج من الحرب منتصرا، وحقق أهدافه فى أفغانستان بتصفية تنظيم القاعدة وحكم طالبان، وباختفاء القيادات التى كان يبحث عنها مثل بن لادن والظواهرى والملا عمر،
وقدم للأفغان حكومة جديدة حظيت بثقتهم وبالاعتراف الدولى قلت إنه كان من المتوقع أن يقدم بوش فى خطاب الاتحاد تصورا للعالم الجديد، يقتلع من خلاله المناخ السلبى أو البيئة غير العادلة، التى ولدت الإرهاب والتطرف فى العالم، وأدت إلى حادث 11 سبتمبر المفزع، وكان من المتخيل أيضا أن يقدم بوش للعالم الإسلامى الذى وقف معه فى حربه ضد الإرهاب، تصورا مناسبا أو رؤية سياسية لإنصاف الشعب الفلسطينى وتوجيه الأنظار إلى سياسات شارون وإسرائيل فى اضطهاد الفلسطينيين، والإمعان فى إذلالهم، فإذا به يوسع شقة الخلاف،
ويهدد دولتين إسلاميتين إيران والعراق، ويضم إليهما كوريا الشمالية ذرا للرماد فى العيون، بل إنه تمادى فى حصاره للشعب الفلسطينى، فاتهم المنظمات التى تعمل لتحرير وتقرير المصير بالإرهاب، واستعدى عليها كل القوى السياسية والإقليمية والعالمية، على اعتبار أن القوى الإسرائيلية الغاشمة غير قادرة على تصفية هذه العناصر الإرهابية وحدها بوش بخطابه عن حالة الاتحاد، فتح الباب واسعا أمام منطقة الشرق الأوسط لعدم الاستقرار والتوتر، بل إنه أعطى المتطرفين فى إسرائيل كل الذرائع والأسلحة لزيادة التوتر الإقليمى،
وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وفى هذا الصدد علينا جميعا أن نتمسك بتأييد الشعب الفلسطينى ومنظماته الساعية للاستقلال وتقرير المصير، وأن نقول للأمريكيين والإسرائيليين إن هذه السياسة لن تؤدى إلى مواجهة الإرهاب والتطرف، لكنها ستكرس مناخا حاضنا للإرهاب والتطرف، بل ستصنعه، وإن هذه السياسة على المدى الطويل، ستكرس العداء لأمريكا، قبل كل شىء وعلى الشارع الأمريكى أن يدرك أن اليمين يدفعه إلى الهاوية مستغلا حالة الضعف التى يعيشها المجتمع عقب الأحداث الإرهابية، وأن بوش الذى يتمتع بشعبية قلما تمتع بها رئيس أمريكى سابق، حتى فى أوقات الحرب، سيكتشف فجأة أن شعبيته قد انحصرت،
وأنه يضيع فرصة تاريخية تمنحها له الظروف، ولم يستغلها، بل تمادى فى خلق الأعداء، وتكريس الظلم العالمى سنقول لا، لكل من يحاول استغلال الحرب ضد الإرهاب، لتكريس الظلم والعدوان، ولصناعة الفتنة بين الشعوب والأديان، فهؤلاء هم صناع الإرهاب الجديد، ومواجهتهم فورا ستعنى ضمانا لعدم خلق المناخ الحاضن للإرهاب وتعنى ضمانا لعدم عودة الإرهابيين، وموتا نهائيا لكل متطرف ولأى قاعدة أو طالبان جديدة

