مقالات الأهرام العربى

مصر وطرق باب جديد للديمقراطية

يجب أن نعترف بكل صراحة بأن بناء نظام ديمقراطى صحيح لتداول السلطة دون الولوج إلى باب الفوضى عملية صعبة وشاقة ومستمرة، لأن البناء الديمقراطى ليس مصنعاً أو شبكة من الطرق، لكنه عملية تحديث وبناء مجتمعى شامل، وله بنية أساسية متكاملة تدخل فى خصائصها قيم الأفراد والمؤسسات العاملة فى الحقل السياسى، لذلك فهو بناء يحتاج إلى وقت وصبر ومثابرة وجدية فى الإصلاح السياسى بلا توقف ولنؤمن جميعاً بأن العمل السياسى، هو عمل جماهيرى، وحتى ننجح وتزداد قدرتنا على اختيار القيادات عبر الجماهير لابد من الشرعية،

وتلك الشرعية ليست شيئاً ملموساً لكنها جزء من ضمير الأمة، والوصول إليها شاق، ولن نصل إليها إلا بالاقتناع والثقة، وما يرسخ فى الضمير العام للشعب على أنه مصلحة الوطن واليوم ­ منذ أن طرقنا الباب الديمقراطى، ببناء ليبرالية مصرية جديدة تقوم على العدل الاجتماعى، الحرية الكاملة للمصريين فى المجالات السياسية والاقتصادية ­ نجحنا إلى حد كبير، فيما نستطيع أن نسميه حرية الرأى والتعبير،

فكل المصريين الآن يتداولون المعلومات ويكتبون ويتكلمون فى الصحف والإذاعة والتليفزيون بحرية مطلقة، وبلا خوف، ولا أحد فى مصر يستطيع أن يقول إن أحداً يحاسبه على رأيه، فالكل قد انطلق عقال تفكيرهم وتعبيرهم بحرية، يطلق عليها البعض، أنها وصلت إلى حد الفوضى، بل إن النقد يُنشر فى نطاق واسع وعلى مستوى كل الصحف لأحد مهما علت سلطاته، وهذه الحرية اللا محدودة قد تسبب إزعاجاً للبعض ورغم هذا لم يتدخل أحد حتى ولو لتنظيمها فقد وقر فى ضمير الوطن والقيادة السياسية،

أن مواجهة هذه الحرية أو تقييدها هو الخطر بعينه، ولكن لا خطورة على الإطلاق من الحرية، حتى ولو كانت مطلقة، فأخطارها من الممكن تلافيها بحرية تداول المعلومات وتحكيم العقل والضمير سعياً للوصول إلى الحقيقة، بل إن الناس الآن يملكون القدرة والرؤية والبصيرة للوصول إلى اليقين رغم تعدد الآراء، ومهما وصل شططها، فتلك هى اللبنة الأولى للتغيير السياسى المرتقب للوطن،

مع بناء مؤسسات رقابية وقضائية قوية، قادرة على فرز المعلومات وإعلان الحقيقة إن المرحلة الراهنة تحتم علينا أن نبنى على ما تحقق لمصر من مكاسب سياسية وبديهى أن ذلك يتطلب تغييراً شاملاً فى مناخ العمل السياسى، خاصة على صعيد النظام الحزبى، وما يحدث الآن داخل الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم من تحويله إلى حزب سياسى يعمل بين الجماهير، ومن خلالها وينتقى القيادات بالانتخاب، ويعلم أعضاءه معنى الحزبية، والذى يعنى أن الاختلاف لا يعنى التناحر أو الخروج عن المسار الحزبى والذى يعلى من قيم التكاتف ويسعى إلى الفصل التدريجى بين الحكومة والحزب حتى لا تحدث هزة سياسية، كما يعنى أيضاً الجدية فى أن ينمو النظام الحزبى،

ليقوم على العمل بين الجماهير بهدف تحريكها وزيادة مشاركتها فى بناء المجتمع، وهو ما يعنى ـ كذلك ـ تفعيل الشرعية وتحويلها للحركة بين الناس، واكتساب ثقة المجتمع بالحيوية والممارسة الصحيحة وليس بمجرد الثقة بالمؤسسات القديمة أو الأدوار الوطنية العليا، التى لا يمكن الاختلاف حولها، لكن جماهيرية وتطوير الحزب الوطنى وحده لا يكفىان لبناء نظام ديمقراطى نستطيع أن ندخل به المرحلة التالية لتطوير الحياة السياسية فى مصر،

فنحن فى حاجة إلى قوة وتطوير الأحزاب الأخرى، وأن نتغلب على ضعف شعبيتها وغياب تأثيرها، بتقديم أفكار مبتكرة وشخصيات جديدة ذات تأثير وقدرة إيجابية على تجميع الناس وحشد مشاركتها فى العمل العام وإذا حدث ذ لك سوف يحدث خلال المرحلة الجديدة فإننا بهذه الروح وبكل تأكيد سنخطو لبناء نظام ديمقراطى فاعل وقوى، سيكون مشرفاً لمصر فى الألفية الجديدة ونموذجاً للمنطقة العربية كلها،

وخطوة جديدة نحو ديمقراطية عربية مستقرة ومتطورة، لهذا كله لابد من تغيير المناخ السياسى ككل، بحيث يقر قواعد جديدة للمشاركة السياسية بلا تمييز، ويجعل الشرعية السياسية للحكم فى كل المراحل تقوم على اختيار الناس، وقدرتهم على ذلك، بلا فوضى أو تأثير خارجى، أو مؤثرات داخلية أو تداخلات أو إغراءات أو حتى رشاوى أو أموال غير مشروعة، لأن إعلاء المصلحة العامة،

سيكون ­ وقتها ­ حقيقة واقعية قد نمت وتطورت فى إطار من المشروعية والإيمان بأن الصالح العام هو الأفضل للجميع، وليست المصالح الفردية أو الأنانية والأطماع الخاصة أو غير المشروعة التى تسود قطاعات عديدة وساعتئذ سيقر الضمير العام بتغيير الدستور، وبانتخابات تجرى طبقاً للمعايير العالمية، وبتداول السلطة بين كل المصريين حسب الكفاءة والقدرة على الانتقال بمصر إلى مرحلة متقدمة فى البناء السياسى المتطور جاهلية بن لادن لعل حزمة الشرائط الأخيرة التى نقلت إلى العالم جاهلية أسامة بن لادن وتنظيمه وجماعته، قد تكون قد كشفت بوضوح خطورة تلك التنظيمات العنكبوتية، وأن خطرها ليس على أمريكا وحدها، بل على كل مسلم فى عالمنا المعاصر، فقد أطاحوا بكل القضايا الإسلامية،

ووضعوا المسلمين فى خندق الضعف وشوهوا قضايانا العادلة، مما وضع المسلمين أمام مرحلة جديدة فى تاريخهم الحديث تتطلب العمل على ألا تظهر مثل هذه الظواهر أو البؤر الصديدية فى مستقبل أيامنا، لنخرج من هذا النفق المظلم الذى نعيشه ولن يتحقق هذا بدون ظهور مؤسسات دينية جديدة، ذات طبيعة خاصة تحض المسلمين على التغيير الشامل فى كل أوجه حياتهم،

وأن يتخلصوا من ازدواجية بن لادن وحبه للظهور، والتشبث بالعصور الجاهلية، وإيمانه الأحمق بدفع الأمة الإسلامية إلى الانتحار باسم الجهاد ودفع كل القوى والمعسكرات التى تضمر لنا الشر للتكالب علينا مستغلة حماقاته وشهوة جماعته للقتل والتدمير، فأى شرف أو جهاد فى جريمة شنعاء، حولت وسيلة مواصلات يستخدمها كل الناس إلى أداة قتل، وأى بطولة فى أنهم يقتلون مدنيين وموظفين و يهدمون مؤسسات سيؤثر انهيارها على كل العالم، وليس فى الإسلام أى حض على ارتكاب هذه الجرائم النكراء نحن فى حاجة إلى حكومات عربية وإسلامية،

تجرم هذا الفكر الجاهلى وتحاكم أصحابه، ولا تسمح لأى إنسان بأن يحض على كراهية، أو معاداة الأديان الأخرى، أو ارتكاب الجرائم البشعة ويسميهار جهاداً أو مقاومة، متستراً تحت اسم الدين، وإذا كانت لنا قضايا عادلة، ومصالح لدى القوى الكبرى والعالم، فمن باب أولى أن نحترم العالم والقوانين الدولية وأن نسعى جاهدين لكى تكون لغتنا عادلة وسليمة ذات منطق حقيقى وواقعى وألا نترك أنفسنا لشهوات الغضب والحماقة والجهل تصنع سياستنا،

وعلى حكوماتنا فى الداخل أن تتكيف مع العالم الخارجى، وأن تسير فى اتجاه الإصلاح فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع مواجهة حقيقية وعمل صحيح، لاستئصال التطرف والإرهاب الذى ينبت فى تربتنا باسم الدين، والدين منه براء كفانا بن لادن واحد ولنغير منطقتنا لتتحدث لغة جديدة فى عالم مختلف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى