مبارك يعبر بمصر إلى الجمهورية الديمقراطية

الانتقال إلى انتخاب رئيس الجمهورية بين مرشحين، وليس عبر الاستفتاء بتعديل المادة 76 من دستور مصر الحالى الصادر فى 1971 ـ كلمة سحرية قالها الرئيس حسنى مبارك فى مؤتمر شعبى يوم السبت 26 فبراير 2005 فى جامعة المنوفية مسقط رأسه ليسطر قرارا تاريخيا بكل المعايير للمصريين وللمنطقة العربية كما أنه أحسن اختيار المكان والزمان ففى ففى الأولى نحن نعرف تأثير الوجود بين الأهل فى اللحظات التاريخية، والثانية رغبته فى أن يكون اختيار الرئيس القادم فى سبتمبر 2005 بالنظام الديمقراطى الجديدة وبإتمام التغيير المرتقب فى المادة الدستورية المقترحة عبر مجلسى الشورى والشعب وتكون مصر قد انتقلت إلى عصر الديمقراطية السليمة وتكون الجمهورية الجديدة ورئيسها المنتخب مباشرة من الشعب فى عملية ديمقراطية كاملة شفافة تراقبها لجنة قضائية محايدة وتحت أنظار العالم ووسائل إعلامه التى تنقل فى عالمنا الراهن كل شىء تراه أو حتى ما تفكر فيه، قد وضعت النظام السياسى المصرى ورئيسه فى مكانه اللائق الذى كنا نريده ونبحث عنه ليكتسب الموقع أو المنصب الرفيع هيبة وقوة ومشروعية تتناسب مع المتغيرات العالمية التى نعيشها.
وقد وضعنا الرئيس حسنى مبارك ووضع الجميع أمام الاختبار الصعب، بتغيير سياسى حقيقى، سوف ننتقل به إلى جمهورية جديدة، أو إذا شئنا الدقة إلى جمهورية حقيقية، ينتخب فيها الشعب الرئيس بلا وصاية من البرلمان، أو من المؤسسات الكبرى فى بلادنا
إنها مفاجأة من العيار الثقيل، نقلت الحوار السياسى إلى مرحلة هى غاية فى الدقة، لأن قرار الرئيس، باستخدام سلطاته الرئاسية بتعديل المادة ٦٧ من الدستور، والخاصة باختيار رئيس الجمهورية بالاقتراع السرى المباشر بين الناخبين، بلا اختيار، من البرلمان، ثم استفتاء شعبى، عبر بنا إلى مرحلة مختلفة، أكثر حساسية فى تاريخنا السياسى كله.
لكننا لم نختبرها بعد، فهى تطرح تساؤلات مهمة أبرزها هل نملك البنية الأساسية، اقتصاديا وسياسيا، لهذا الاختبار الجاد، فرغم أننا فى بلد تمتع فى سنوات الثمانينيات والتسعينيات باستقرار كبير ومناخ جيد، دخلنا من خلاله تجارب جادة للإصلاح الاقتصادى، فإن نجاحاتها كانت محدودة، ومع ذلك أدخلتنا مرحلة مبكرة فى تحقيق الإصلاح السياسى من باب توسيع الحريات، وسرعة قيام الأحزاب السياسية التى لم تستطع إلى الآن إثبات وجودها فى الشارع السياسى.
قرار الرئيس مبارك يضع البرلمان و الشعب أمام مسئولية كبيرة، حيث فتح بابا واسعاً لنقلة نوعية فى الإصلاح السياسى، ستجعل مسئوليات الأحزاب والشارع السياسى كبيرة أمام الشعب فى المرحلة القادمة، وإذا كان الباب مازال مفتوحا لمعرفة نتيجة هذا القرار على أرض الواقع، فإننا لن نتسرع فى تقديم الأحكام، لكننا نطرح المخاوف التى يجب أن يترقبها كل مواطن، فليست المسئولية لجماعة دون غيرها بل هى مسئولية الشعب، فقد انتهت الآن أىة وصاية علية، ويجب أن نتحاور جميعا حول المستقبل، ليكون الانتقال إليه مأمونا ومحسوباً وحذراً.
فى الحقيقة جاء قرار الرئيس مبارك متسماً بكثير من الجرأة والشجاعة فى أن يعطى للشعب حق انتخاب رئيسه مباشرة مستبقاً كل الاتجاهات فى الأحزاب السياسية المجمعة على انتخابه، والتى كانت تتوقع أن يكون تعديل أو تغيير الدستور برنامجا للرئيس فى المرحلة القادمة، فإذا به يسارع بمطالبة مجلسى الشعب والشورى بتعديل المادة ٦٧من دستور ١٧ التى ظلت تحكم العملية الانتخابية منذ ذلك الوقت إلى ما قبل الانتخابات القادمة فى هذا العام لاختيار الرئيس الجديد.
الرئيس مبارك بالقرار السياسى الذى أصدره يوم السبت 26 فبراير 2005، أطلق إشارة جديدة للإصلاح السياسى، و مداها لن يكون على مستوى مصر وحدها، بل على المنطقة العربية كلها، فمصر تملك مؤسسات وبنية للمجتمع المدنى، وحرية إعلامية كبرى وأحزاباً عديدة، وتراثا وتاريخا فى العمل السياسى، ترسخت كلها فى السنوات الأخيرة، ولا تفوتنا هنا بالطبع الحقبة الليبرالية قبل الثورة، حيث تلتحم هذه المراحل معا، وتتجمع لتكون قادرة على تقديم إفراز وتطور سياسى ذى أبعاد متعددة، تقول فى المرحلة الأولية إن المخزون الحضارى لمصر قادر فى أوقات الأزمة العصيبة، والتطورات التاريخية الحادة، على تقدم حلول للمستقبل، لا تنقذ مصر وحدها، بل تقدم لإقليمها ومنطقتها شكلا لنظام سياسى يستوعب التعدد الحقيقى واختيار القيادات.
كما أن الرئيس مبارك بهذه الخطوة يعمق فى الضمير المصرى، رؤية سياسية ناضجة، إدراكاً منه لدوره التاريخى خلال فترة توليه الرئاسة، والطريقة المثالية التى وصل بها إلى سدة الحكم، فقدم دورا حقيقيا كان ولا يزال هو الضمانة، الوحيدة لتحقيقه وإنجاحه بلا مخاوف كبيرة.
مبارك هنا يدشن مرحلة تاريخية ومسلكاً نظيفاً بإعطاء حق كان قد حصل عليه بإجماع شعبى، وخلال عمل منظم، فنقله إلى أصحابه فى وقت دقيق وصعب، ووسط حالة من الاختبار والترقب محليا وإقليميا ودوليا.
هذه اللحظة بكل دقتها تطرح على الوطن شعبا ونخبا وأحزابا وجمعيات عقدا اجتماعياً جديدا، نقول إن عنوانه هو أن مسئولية الشعب فى الاختيار تعنى أن لحظة فطام الشعب من الحكومة قد حانت، وأن هناك مسئوليات جديدة للعمل، سوف يشارك فيها الجميع، فلم يعد الأمر مسئولية الحكومة وحدها، بل مسئولية شعب وبرامج واختيارات، فهل هذه المسئوليات سوف تجد من يتحملها؟
الحوار الوطنى سوف ينتقل إلى مرحلة جديدة، والرئيس مبارك، كعادته فى احترامه لمسئولياته ودوره وقسمه وتاريخه، قدم برنامجا من عشر نقاط، يراعى الالتزام بحقوق المواطنة بلا تمييز، وتعزيز الحقوق الأساسية للمواطنين، وترسيخ دولة القانون، وتعظيم الجهود بتحديث العلاقة بين المواطن والدولة، عبر الارتقاء بالخدمات، ومواصلة الإصلاح الاقتصادى بالاستثمار والتنمية البشرية إضافة إلى الإصلاح السياسى بتفعيل الحياة الحزبية، وتشجيع المبادرة على الصعيدين السياسى والاقتصادى مع الحفاظ على دور مصر الإقليمى والعالمى.
إنها مرحلة فاصلة بحق، وعلينا جميعا أن نمسك بخيوطها، ونجرى التغييرات الداخلية فى أنفسنا ومؤسساتنا، حتى نكون قادرين على الإمساك بالفرصة التاريخية التى يقدمها الرئيس مبارك إلى شعبه.
لقد قلناها مرارا، إن ثقتنا فى الرئيس مبارك بلا حدود، وها هى خطواته تثبت أن قدرته ورؤيته تسبق الجميع، وتضعهم جميعا أمام مسئولياتهم
فهل نخفف من الشعارات والأوهام، ونتجه إلى عمل صحيح وصعب يدعوناإليه مبارك من أجل بلدنا؟

