الانفراج أم الجدار العالمى؟

كل الأوضاع العربية ملتهبة
العراق فى قلب الحرب الداخلية ولا نقول الحرب الأهلية، فالسيارات المفخخة تنتشر فى قلب بغداد، فى النجف وكربلاء، والمذابح تنتشر ويتسع نطاقها، وفى كركوك يصطادون الأكراد وهم يصطادون العرب فى مناطقهم، والمخاطر جمة ومتفاقمة، الكل يحذر من التوسع فى عمليات القتل والعنف والعنف المضاد، حتى تصبح هناك حالة استحالة للحياة بين السنة والشيعة، أكبر طائفتين إسلاميتين فى العراق والمنطقة، مثلما وصلت حاليا بين العرب والأكراد، حيث يسارع كل طرف الآن إلى تجهيز نفسه ليعيش بعيدا عن الآخر.
والخرائط تتداول فى الصحف والإعلام المحلى عن تقسيم داخلى لدولة العراق إلى ثلاث مناطق بينما الحكومة ولجنة الانتخابات المحلية تسارع لإجراء الانتخابات على مرحلتين الأولى لوضع الدستور .والثانية لحكم العراق، إنهم يفكرون فى الانتخابات، وكأن الأمن مستقر، والطوائف تعيش حالة من التواؤم، وقوات الاحتلال ليست منتشرة فى الشوارع والمدن العراقية، فيما الواقع يقول إن الموت جماعى، وليس فرديا وجرائم الحرب وصورها البشعة لا تتوقف، والنساء يصرخن ويترملن ويفقدن أزواجهن، والأطفال بلا عائل، والحياة ومتاعبها تزداد حدة، والكراهية تتعمق، لكن يبدو أن البعض لا يرى ولا يريد أن يرى.
وسط هذه الحالة العميقة من الفوضى والحياة الصعبة، مازال الرئيس العراقى المخلوع صدام حسين يلهو سياسيا فى سجنه، ويطلق نفس شعاراته، ويقول لمحاميه »لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون«، ويبدو أن المحامين صدقوا الرئيس، فهم لايزالون يعيشون فى الماضى ويتصورون أن القائد الملهم من الممكن أن يعود.
كما أن حكومة علاوى وجماعته يحاولون، لكن بعضهم يتكلم بلغة البعثيين السابقين، إنها صورة لا يصدقها العقل.
والزرقاوى، خليفة بن لادن فى أرض الرافدين، وضع مخططا ليس لتمزيق العراق وحده، لكن لتمزيق الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج، وإطلاق شرارة الصراع الطائفى بين السنة والشيعة، وكأنما كل النيران التى فجرتها دولة الأمويين مع آل البيت فى مطلع الدولة الإسلامية، والدماء التى سالت منذ فجر الفتنة الإسلامية الكبرى تتجدد الآن، ولا يفهم أحد على أى شئ يتقاتلون؟
الكل مسلمون وموحدون، ويحترمون آل البيت، لكنه التاريخ والتعصب والدماء التى لا تموت عند الجهلاء والحمقى والمتعصبين، فيتغذى عليها الإرهاب والتطرف والاحتلال، وهو مثلث رهيب يتربص بالإنسان العربى فى عصره الراهن.
وكأنما هذا الشبح العراقى المخيف الذى يطل علينا لم ينتظر حتى تتم تسوية الكارثة الإقليمية التى نعيشها منذ أن انفجر الصراع العربى الإسرائيلى، وقيام دولة إسرائيل فى المنطقة على حساب الفلسطينيين والعرب، وهو صراع دام، فصوله لم تنته، ولا يعرف الكثيرون كيف ستنتهى؟
وإذا كانت هناك بوادر انفراج أو سعى نحو التغيير فى هذه الأزمة الكئيبة، فإن الانفجارات داخلها أو انهيارها ليست هينة، ومازالت لم تصل إلى منتهاها بعد، رغم النيران الضخمة التى لم تتوقف ألسنتها، والحياة التعيسة التى يعيشها 5 ملايين فلسطينى فى الضفة وغزة، فى الشتات والمخيمات، حيث يولد الأطفال ويموتون ينتظرون قيام الدولة منذ أكثر من 50 عاما والمجتمع الدولى يتفرج عليهم، ويبدو أنه أصبح يلهو بقضيتهم، والجدار العازل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يسرق أرضهم ويفتح أبواب الكراهية والخوف، ويعود بالمنطقة إلىبداية حرب باردة أو ساخنة أو أيهما أو هما معا، تنتظر هذا العالم، الذى يدخل صراعا دمويا وعنيفا لا ينتهى.
ليست هذه نهاية الكوارث العربية، فالنيران التى تلتهم السودانيين تزداد اشتعالا، ولم تتوقف حرب الشمال والجنوب رغم المفاوضات والاتفاق الوشيك، والأخطر أن غرب السودان انفجر، والمسئولين الحكوميين والمتمردين عليهم أن يتكلموا بلغة لا تناسب أوضاعهم أو حال السودان الصعب
وليست هذه نهاية الكوارث العربية،
فحرب الإرهاب رائحتها تفوح فى كل البلدان .المتطرفون مازالوا يشعلون النيران فى معظم منطقتنا، منهم الكامن ومنهم المشتعل، وأحداث 11 سبتمبر 2001، ساعدت على إشعال حرب على الإرهاب فى كل مكان من العالم ما جعل الإرهابيين والمتطرفين عندما يشعرون بأن الأموال انقطعت عنهم راحوا ينطلقون فى كل مكان يطلقون ويفجرون، من قطار مدريد إلى قتل مخرج سينمائى هولندى.
وشرائط بن لادن والظواهرى، مازالت تظهر من الحين إلى الآخر تهدد العالم كله.
وحرب الشيشان داخلها عرب مما جعل الروس يقفون ضدنا.
وحرب أخرى بين باكستان والهند وكشمير أصبحت عربية وإسلامية، وهناك أقلية إسلامية فى الصين، تهدد هذا العالم الكبير.
الخوف يسود العالم من العرب والمسلمين، أوضاعنا الاقتصادية سوف تتردى، والأزمة أن العالم يضع سيناريوهات هل ستنفجر المنطقة أم تبدأ فى إصلاح مسارها؟
هناك أفكار عديدة، لكن الكل مازال مترددا، هل نحسم إرادتنا ونسير مع الراغبين فى إنقاذ العالم أم يحكمنا المتطرفون؟
نحن لا نبرئ الغرب وإسرائيل من جرائم عديدة، منها مسئوليتهم عن كوارث ضخمة، فهم مسئولون أمام ضميرهم عن تشريد الشعب الفلسطينى، وهم الذين فجروا الكارثة العراقية، رغم اعترافنا بجرائم صدام وديكتاتوريته، لكنهم فتحوا أبواب جهنم، وفجروا الفتنة النائمة.
ماذا نفعل؟ هل نظل نبكى على اللبن المسكوب ونساعد المتطرفين على استمرار إشعال النيران وحرق المنطقة أم نوقفها ونسير مع السائرين لإنقاذ عالمنا وحياتنا وحياة أطفالنا.
أعتقد أن العقلاء يجب أن يؤمنوا ويسعوا إلى وقف النيران والدماء .وإحداث تغيير ومصالحة بين الشعوب وحكامهم، وأن نعطى ما لـ »الله لله«، وما لـ »لقيصر لقيصر«.
وألا نتردد، فالوقت أمامنا قصير، ويتهدد منطقة الشرق الأوسط حريق كبير، وهناك متطرفون على كل الجوانب، بل هناك دولة دينية، وطوائف يكره بعضها البعض، والكل يتربص لاتساع رقعة الحروب، فإيران ليست بعيدة عن النيران والحريق القادم، وسوريا مترددة، وحزب الله فى لبنان يرى أنه صاحب حق، ومعه الكثير من الحق، لكن ماذا نفعل؟ هل نحرق المنطقة بما فيها، أم نحكم العقل والضمير والروح فى إنقاذ 350 مليون عربى من حريق كبير وفقر هائل، فى حين أنهم يرقدون على طاقة ونفط العالم فى القرن المقبل.
علينا أن نبدأ فورا حركة إصلاحية كبرى تتسم بالكثير من الجرأة والاعتراف بكل الحق، وتهدف إلى قيام دولة أو دول حديثة ليست دينية، تحترم كل القيم الدينية والسماوية والإنسانية، وتعرف أن العالم القادم ليس عالم المتعصبين والمتطرفين.
أنقذوا عالمنا قبل أن يفصل بيننا وبين العالم جدار عازل سميك، لا نستطيع اجتيازه أو حتى نتمكن من أن نمارس حياتنا الطبيعية وراءه، وعندها سنترك لأجيالنا القادمة منطقة محطمة وفقيرة، لأنها انساقت إلى حرائق الصراعات ولم تطفئ النيران، وكانت تصوراتها عن نفسها وعن عالمها تحكمها الأوهام

