انتبهوا: البطل لن يأتى الآن!

بقلم : أسامة سرايا
اعرف ان المصريين اصبحوا لا يصدقون احدا.! فهم يعيشون فى لحظة ارتباك كبرى فى تاريخهم.. لم يعشوه منذ اكثر من مائتى عام.. اى منذ قيام دولتهم الحديثة فى عهد محمد على وسقوط المماليك.
فاقت لحظتهم الراهنة صعوبة ودقة ومخاوف سقوط الملكية المتدرج عقب قيام حركة الجيش فى 1952 وتحولها الى ثورة على يدى عبد الناصر وقيام الجمهورية الاولى فى 1954 التى استمرت حتى نهاية يناير 2011 .
جمهورية قوية متسلطة لم تدع انها ديمقراطية ولم تكن فاشية اونازية او ديكتاتورية تدرجت بين سلطوية عنيفة ومتسامحة وفى نهايتها كانت مرنة.
جمهورية مصر الاولى هزمت فى يونيو 67 هزيمة قاسية ومدوية فى حرب عالمية استدرجت لها على يد اسرائيل كانت تأذن وتشير الى زوالها.. ولكنها صححت الهزيمة بنصر مدو وسريع فى 1973 .
جمهورية مصر الاولى صححت الهزيمة واستردت كامل اراضيها وازالت العدوان والحروب فى الثمانينيات من القرن الماضى.
جمهورية مصر عقب استردادها الارض.. بنت الوطن.. ورفعت مستوى المعيشة. وبنت وجذرت طبقة من المتعلمين والطبقة الوسطى.. كانت قادرة على الثورة فى 2011 لتحصل على مكاسب افضل. وتقيم جمهورية جديدة تنتقل من السلطوية.. الى الديمقراطية.
جمهورية مصر الثانية عقب احداث وانتفاضات وثورات 2012،2011 .. سقطت فريسة فى يد جماعة متطرفة.. دينية كانت تناوئ الدولة ومؤسساتها سواء كانت ملكية او جمهورية فى مصر لسنوات تجاوزت الثمانين فالدين للبشر وللناس وليس للجماعات المتطرفة.
انتفض الشعب وازاح كابوس هذه الجمهورية التى كانت تنوي.. ان تسحب مصر الى دولة دينية مقيتة مثل ايران والسودان وغيرهما تتغذى على التطرف والارهاب بحجة بناء خلافة اسلامية جديدة قبل ان ينتهى عامها الاول بايام قليلة .
مصر منذ تلك اللحظة الملتبسة والدقيقة.. تعيش حالة جديدة تتراوح ما بين الثقة بالنفس والخوف من المستقبل او المجهول القادم.
مصر تعرف انها حققت نصرا متميزا وفريدا على نفسها وعلى عالم اراد ان يتواطيء عليها ويجعلها مطية لفكر جاهل ومتطرف وعنيد ينمو فى العالم الاسلامى .. هو ما يسمى تيار الاسلام السياسى تتزعمه جماعة الاخوان المسلمين وفروعها المتنوعة بمسميات تتراوح ما بين الجهاد وحماس والقدس والنصرة وداعش .. وكلها سواء فهى مسميات لتيارات سياسية متطرفة تتشح بالثياب الدينى والاسلام منها براء هذه التيارات ليست كلها «سنية » بل هناك منها الشيعى والمسمى بحزب الله او الحرس الثورى الايرانى وغيرها .. وكلها تصب فى وعاء واحد لا يتغير – كلها مطايا لفكر متطرف يوظف الدين ويستفيد من براءة وحب المسلمين لدينهم وفطرتهم السوية.
مصر الشعب « نضجت » ولم تعد بسطحية او ببراءة ان تصدق دعاوى وافكار ودراويش ..التيارات المتأسلمة.. مصر استيقظت. واصبحت اكثر ادراكا للعصر ومتطلباته .واكثر قدرة على قراءة واقعها ومستقبلها .وامكانية تغييره ..للافضل .ولم تسقط ولن فى دعاوى وسطحيات المتأسلمين.. رغم انهم يملكون المال والتنظيم ومازالوا قادرين .. على تجنيد اعضائهم المغيبين ورشوة وتأجير بعض الضعفاء والبسطاء والفقراء من ابنائنا.
ورغم لحظة الثقة فى النفس التى ولدها الانتصار على جماعات المتأسلمين واخوانهم المؤيدين من قوة خارجية وجماعات دولية.. تتقدمهم
امريكا وتتعاطف معهم اسرائيل وتؤيدهم تركيا وايران وتمولهم قطر.
فإن المصريين يتعلقون بالبطل.. ويرغبون فى عودة البطل.. ويتصورون ان البطل هو المنقذ ..ولهم كل الحق فى الثقة بالبطل .. فقد تقدم الصفوف.. وهزم اليأس. وقاد الدولة ومؤسساتها لتحقيق نصر مؤزر فى لحظة ضعف قاتلة.
«ولكن البطل » ما زال يفكر هل يقود الصفوف ويتقدم لقيادة الجمهورية والدولة .. فى السنوات المقبلة مباشرة .. ليستكمل بناء مؤسسات الدولة.
ويدفع بناء الشعب للدولة التى يطمح ويأمل فيه لوطنه وشعبه. ام ينتظر؟.
مخاوف البطل مشروعة فهو لم يتقدم الصفوف ويغير ويوقف مسار دولة الاخونة والتطرف من اجل الرئاسة وتصدر الصفوف.
ولكن من اجل وطنه وشعبه.. هناك من يزرع المخاوف من ذهن البطل ويكرسها.
البطل سيأتى حتما لقيادة الوطن فالشعب يريده .. ولكن هل يأتى الآن .. ام ينتظر .ان يكتمل بناء مؤسسات الوطن.. ويتغير معه الشعب ليصبح اكثر ثقة فى المستقبل . ويندفع معه للبناء والتنمية. ولا يتركه فى منتصف الطريق.
او يعلق الجرس فى رقبته وحده ويذهب ليستريح وينتظر ان يغير البطل الوطن وحده.
البطل يحب ان يأتى الان ولا ينتظر والشعب يجب ان يشاركه ويعمل معه .ولا يحمله المسئولية وحده .
فالبطل لايبنى الوطن وحده.. ولكن يبنيه الشعب والبطل معا عبر العمل الجاد ومؤسسات عصرية وحكمة الرؤية والقيادة.

