العراق علي منصة التتويج

في مشهد رائع عاش العراقيون فرحة غابت عنهم طويلا, فلقد جلس أبطال العراق لكرة القدم علي منصة التتويج بعد حصولهم علي كأس آسيا لكرة القدم, وفوزهم في المباراة النهائية علي أشقائهم السعوديين.
لقد كانت الصورة مبهجة, والفرح يفوق الوصف, وجمعت السعادة بين الفائز وأيضا الخاسر, والجمهور علي كل صعيد, بل وفي العالم كله, فالحقيقة أن الجميع كانوا يريدون رؤية الفرحة في عيون هذا الشعب, وها هي قد حدثت في كأس كرة القدم, إنها الرمزية التي يعيشها العراق, ونعيشها معه, وكان هذا المشهد مختلفا عن كل المشاهد التي عاشها العراق خلال السنوات الأخيرة.
لقد كنا نريد صورة أخري تمحو ما يعلق في ذاكرتنا يوميا عن العراق من الاضطراب والعنف والاقتتال الوحشي في كل اتجاه, والمجازر البشرية التي لا تفرق بين النساء والأطفال والشباب والشيوخ, فملايين العراقيين يموتون, وملايين آخرون يهاجرون.
لقد نشرت منظمة أوكسفام تقريرا يؤكد حاجة8 ملايين عراقي إلي مساعدات طارئة, وهناك مليونا نازح داخل العراق, ومليونان آخران لاجئون خارجه.
إننا نريد لفرحة العراقيين في ملعب كرة القدم أن تنتقل إلي حياتهم وبلدهم, ونريد تحركا عاجلا علي كل صعيد, ليستعيد العراق استقراره وأمنه.
وإذا لم يتحرك العالم لرفع الظلم الذي يتعرض له العراق, فسوف يدفع الجميع ثمنا باهظا لجريمة احتلاله, ولن يسكت الضمير الانساني أبدا عما يحدث هناك, إذ لابد من محاكمة المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة في حقه, ولا يجدون مبررا لها, وقد انتقلوا من الأسباب الملفقة عن أسلحة الدمار الشامل, الي الحرب لمواجهة الارهاب, ومع ذلك وجدنا أن أسلحة الدمار الشامل تنتشر في المنطقة, وسوف تزداد انتشارا ولكن التحرك إزاءها محدود وعاجز.
أما عن الإرهاب.. فحدث ولا حرج, فلقد خلفت تلك الحرب البشعة مصانع لتفريخ الإرهابيين وتجنيدهم ونشرهم عبر العالم.
إن وحدة العراقيين( سنة وشيعة وأكرادا) علي أرض الملعب, تشعرنا بالانتماء والهوية العراقية, وبأن العراقيين مازالوا قادرين علي توحيد صفوفهم, فرمزية مباراة الكرة والكأس, تشير إلي ما هو أكبر من ذلك, ولو من باب التمني. فلقد نجحت الكرة فيما فشلت السياسة في تحقيقه علي مدي أكثر من أربع سنوات من الاحتلال, وقبل ذلك سنوات الحصار والحروب التي صنعتها الديكتاتورية.
إننا نستشعر جميعا مسئوليتنا الأخلاقية والإنسانية عن شعب العراق, وعلينا أن نواجه الذين ارتكبوا جرائم الحرب في واشنطن, والسياسيين العراقيين الذين يغذون الطائفية, ويحبطون جهود المصالحة الوطنية, ويقفون خلف مصالحهم الآنية, ويستثمرون مناخ الاحتلال وغياب القانون, لتأجيج الصراعات وحمامات الدم والحرب الأهلية, ويفتحون الباب الواسع للإرهاب.
ولن تتحقق صورة العراق الحر إلا باعتراف الجميع بأخطائهم, وأولهم الساسة الأمريكيون والعراقيون الذين تعاونوا معهم, والإيرانيون الذين استفادوا من الاحتلال.
مرة أخيرة.. تهنئة للعراق وللرياضيين بالكأس, ونشكرهم علي نفحة الأمل التي بثوها فينا, برغم رمزيتها الشديدة, لقد حاولوا الفوز في نطاق ملعبهم, ونجحوا في تحقيقه, وعلينا جميعا أن نحاول مثلهم عسي أن تنجح محاولتنا, ويعود إلي العراق استقلاله ومجده..!!
osaraya@ahram.org.eg
