غــزة الآن..

اشتدت ضراوة الأحداث الفلسطينية.. بدلا من أن نعري ونكشف ماتخططه إسرائيل للقضية الفلسطينية.. فإن عيوننا تتركز علي مايفعله التيار الانقلابي في حركة حماس بغزة مع أننا إذا ركزنا النظر فسوف نكتشف الاندماج في الرؤية بين الاثنين.
فخطة فصل غزة عن الضفة الغربية هي في الأصل مشروع إسرائيلي نفذه الانقلابيون بجدارة لخدمة أهداف إسرائيلية بحتة.
لقد أصبح الوضع في غزة الآن مأساويا ويسير علي الهوي الإسرائيلي, ويستطيع الزهار وجماعته الإعلان عن أن غزة أصبحت مدينة خالصة لهم.. فهي محاصرة وأهلها جميعا لايستطيعون تدبير احتياجاتهم الغذائية والمعيشية إلا عبر المعونات الخارجية.. وهذا هو الأمن والاستقرار الذي يعنيه في آخر تصريحاته التي قدمها للعالم من خلف علم حماس الذي أصبح رمزا للإمارة الجديدة.. بعد أن عين المحاكم الشرعية واستخدم المساجد لنشر الكراهية بين غزة والضفة. وأصبحت الدعوة إلي الكراهية والتحريض عليها في كل مكان في غزة بدلا من الدعوة للوحدة وعدم الانقسام وتكريس التشرذم. وفي ظل هذا المناخ الانقلابي تنتشر تنظيمات القاعدة وغيرها, ويشير ما يعلنه جيش الإسلام والجماعات الأخري يوميا إلي ذلك, وهي الجماعات نفسها التي اعتدت علي مدرسة ابتدائية في رفح تحتفل بنهاية العام في وجود ممثلة الأونروا ـ هيئة الإغاثة الدولية التي تساعد الفلسطينيين في هذه الظروف شديدة الصعوبة ـ وهي إشارة من حركة حماس, أو لنكن أكثر تحديدا من الانقلابيين داخلها, إلي أنهم لا يريدون الأمم المتحدة أو أي هيئات أخري تساعد الفلسطينيين, لكي ينفردوا بالساحة يكرسوا الانفصال بين غزة والضفة!.
والصور تتوالي.. فلم يعد الانقسام في غزة بين( فتح وحماس) وحدهما, فقد خرج أمس الأول13 فصيلا فلسطينيا في مسيرة سلمية للعالم للإعلان عن احتجاجهم علي الممارسات القمعية والبوليسية التي تقوم بها القوي التنظيمية لحماس التي تداهم أعراس الفلسطينيين.
كذلك فإن الاعتقالات اليومية لجميع الفصائل الفلسطينية الأخري, والتي تطورت إلي القتل في المساجد( كما حدث أخيرا للقادة المدنيين للجهاد الإسلامي) تعلن عن اتساع رقعة المواجهة بين الانقلابيين في حماس, وأبناء غزة كلهم, فهي تريد المدينة كاملة في قبضتها لكي تقايض عليها إسرائيليا أو في صفقة إقليمية لا يعرف أحد مداها.
ونعتقد أن إسماعيل هنية رئيس الوزراء في حركة حماس الذي حرص علي أن يتكلم من غزة وخلفه العلم الفلسطيني سيفقد تدريجيا نفوذه علي الانقلابيين, فقد أرسل رسالته الخافتة باستعداده للتخلي عن موقعه لإعادة الحوار مع فتح, ولكن صوته ضاع مع ضجيج الزهار وتصريحاته التي ركزت أخيرا علي تكريس علاقته القوية مع إسرائيل ـ بإشارته إلي عدم المواجهة مع عدوين في وقت واحد, مساويا بين أشقائه في فتح وإسرائيل!. وإشارته إلي استمرار الهدنة بين حماس وإسرائيل ـ وهي الهدنة السارية منذ مارس2005 ـ حتي يتفرغ لحربه مع فتح والفصائل بهدف تكريس فصل غزة, والانفراد بحكم شعبها عسكريا بواسطة فصيله الانقلابي!.
وفي الخارج هناك قوي إقليمية عديدة تعرقل الجهود التي تسعي إلي رأب الصدع, وتشجع القيادة المتطرفة داخل حماس, وتحبط أي محاولة للتقارب مع فتح وإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه.
في الداخل هناك محاولات حثيثة آخرها اجتماع الفصائل جميعا بلا استثناء في رام الله, ومطالبة حركة حماس بالتراجع عن منهج الحسم العسكري. وعدم استمرار الأمر الواقع. وهو الوضع الذي دفع الإسرائيليين إلي ضرب كل مصالح الشعب الفلسطيني, لدرجة أن باراك اليساري أصبح علي يمين أولمرت اليميني, وأعلن بكل عجرفة أنه ليس هناك طرف فلسطيني جدير بالسلام.. وبلغ الأمر حد أن بيريز طالب بتغيير مشروع الأرض مقابل السلام إلي الأسري مقابل الأمن…. بينما يقف أبومازن وحده يحاول السعي للتوصل إلي إعلان مباديء قبل انعقاد المؤتمر الدولي في الخريف المقبل.
فهل يستطيع أحد إعادة حماس إلي صوابها من أجل ما تبقي من القضية الفلسطينية؟!…
osaraya@ahram.org.eg
