مقالات الأهرام اليومى

أوباما يختار القاهرة

القاهرة هي اختيار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتوجيه حديث يستهل به مرحلة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بعد أن وصلت تلك العلاقات إلي أسوأ مراحلها في عهد الرئيس السابق‏.‏ عواصم العالم الإسلامي التي كان يسعدها أن تكون اختيار أوباما كثيرة وممتدة في آسيا وإفريقيا‏.‏ ولكن الاختيار كان محسوبا بحجم أهمية هذا الحديث الذي يريد به الرئيس الأمريكي إصلاح ما أفسدته الإدارة الأمريكية السابقة مع أكثر من مليار مسلم أساءهم كثيرا مسلسل الهجوم علي الإسلام ووصم المسلمين بالإرهاب‏.‏ اختيار القاهرة تأكيد لحقيقة أن مصر ـ رغم طموح المغامرين ـ هي قلب العالمين العربي والإسلامي‏.‏ وهي صوت الحكمة والعقل والرشاد الذي عبر بالمنطقة بأسرها أزمات وأنواء كانت تنذر كل دولة فيها بالخطر والفوضي‏.‏ مصر لا تزال بعروبتها وعطائها الفكري الإسلامي هي أكثر القوي تأثيرا‏,‏ ولاتزال رايتها هي الأقدر علي جمع العرب والمسلمين حولها‏.‏

وقد حافظت مصر علي تلك المكانة حين استجابت لعشرات المتغيرات الدولية والإقليمية بالوعي والحكمة‏.‏ لم تكن مصر في سياساتها الإقليمية تعمل من أجل زعامة أو بناء تحالفات أو تكتلات‏,‏ ولم تلجأ يوما للشعارات أوالتلاعب بعواطف العرب أو المسلمين‏.‏ لكنها كانت دوما حريصة علي مصالح الجميع وعلي حماية مقدرات العرب والمسلمين من أجل أهداف أسمي وغايات أكثر أهمية‏.‏

لم تسع مصر إلي خلاف‏,‏ وكانت علي الدوام قوة تعمل من أجل وحدة العرب وتضامنهم‏.‏ وقفت بحزم تجاه كل محاولات شق صفوف الأمة والتلاعب بمقدراتها‏.‏ كانت علي الدوام قوة فكرية تنير الطريق أمام المسلمين أينما كانوا‏.‏ واجهت المتطرفين بحزم في معركة الإرهاب رغم ما أصابها‏.‏ وقفت بقوة ضد المتاجرين بالدين‏,‏ وأكبرت الإسلام أن يكون ورقة في ألاعيب القوي السياسية أينما كانت‏.‏ وعلي الدوام كانت قوة داعمة ومساندة لكل فكر يطرح الوجه الحقيقي المضيء للإسلام‏.‏ كانت مصر بسياساتها ودبلوماسيتها عقبة حالت دون أحلام المغامرين في المنطقة‏.‏ وانفتحت علي العالم شرقا وغربا تعطي وتأخذ‏..‏ وفي كل الحالات كانت نموذجا عصريا لدولة عربية وإسلامية تواصل العطاء الحضاري للعرب والمسلمين‏.‏

سوف يأتي أوباما إلي مصر التي اختارت السلام أسلوبا حضاريا لإنهاء الصراع وحقن الدماء وصيانة موارد الشعوب واستعادة الحقوق لأصحابها‏.‏

مصر حافظت بمكانتها وسياساتها علي أمن المنطقة وسلامها رغم كثرة المتآمرين علي السلام في المنطقة‏.‏ وترفعت عن ألاعيب الصغار وتحملت الكثير من حماقاتهم‏,‏ وكانت القوة الكبري التي نشرت فكر الاعتدال والعقل في المنطقة‏,‏ وحاصرت به المتلاعبين بأقدار الشعوب‏.‏

وحين يعلن البيت الأبيض عن اختيار مصر قاعدة لانطلاقة أمريكية جديدة في علاقاتها بالإسلام والمسلمين‏,‏ فإن هذا الإعلان يعبر عن أشياء كثيرة منها‏:‏

*‏ محاولة إصلاح ما أفسدته الإدارة السابقة في علاقاتها بمصر والتي أدت إلي إصابة تلك العلاقات بالكثير من التوتر‏,‏ حتي توقفت زيارات الرئيس مبارك لواشنطن لأكثر من خمس سنوات‏,‏ بعدها يلتقيه الرئيس الأمريكي مرتين خلال أيام‏..‏ الأولي في واشنطن قبل نهاية هذا الشهر‏,‏ والثانية في القاهرة في أوائل الشهر المقبل‏.‏

لقد أقامت مصر علاقاتها مع الولايات المتحدة علي أساس من الشراكة والعمل من أجل مصالح البلدين‏.‏

ولم تتخل مصر عن هذه الأسس في أي لحظة‏.‏

ولم تقبل من الولايات المتحدة أي إملاء أو شروط‏…‏

واليوم تعيد الإدارة الأمريكية فهم السياسة المصرية في ضوء خبرات السنوات الماضية‏.‏ فقد قدمت مصر للولايات المتحدة النصيحة والمشورة في حربها علي الإرهاب‏,‏ وحذرت من احتلالها للعراق‏,‏ وكانت تلك النصائح كفيلة بإنقاذ الولايات المتحدة من خطاياها السياسية التي تراكمت في المنطقة‏.‏

*‏ يأتي هذا الاختيار أيضا اعترافا أمريكيا ودوليا بمكانة مصر وقدرتها علي التأثير في محيطيها العربي والإسلامي في وقت طالت فيه أعناق كثيرين راغبين في القيام بهذا الدور‏.‏ يأتي أوباما إلي مصر وهناك قوي في المنطقة تسعي بكل جهد أن تقنع العالم أنها الأقوي والأقدر علي أداء هذا الدور‏.‏ ولايستند هذا الاعتراف بدور مصر إلي شعارات تطلقها أو إلي ثورية جوفاء‏,‏ وإنما يأتي اعترافا بالدور المحوري لمصر الذي أعاد الرئيس مبارك صياغته في ضوء الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية‏.‏ كان محور هذا الدور الجديد لمصر هو بناء فكر سياسي جديد يستلهم مصالح العرب والمسلمين‏,‏ ويجيد توظيف قدراتهم ويوسع من دائرة التفكير العقلاني الرشيد بعد مسلسل الخسائر الذي مني به العرب والمسلمون سنوات طويلة‏.‏

*‏ كان هذا الاختيار محبطا ومؤلما للأصوات التي صدعت رؤوسنا بلا عقل أو فكر‏,‏ حول تراجع دور مصر الإقليمي ومكانتها‏.‏ فما الذي يقولونه ورئيس أكبر دولة في العالم يختار مصر دون غيرها لمخاطبة العالم الإسلامي والعالم العربي معترفا بصدق وعمق رؤيتها السياسية الحكيمة لحل المشكلات بين الشرق والغرب‏,‏ وفي مقدمتها قضية الفلسطينيين العادلة‏.‏ لقد اجتهدوا كثيرا في ترشيح عواصم كثيرة لأنهم لم يفهموا أو لايريدون فهم حقيقة الدور المصري بعيدا عن نضال الفضائيات وصراخ الصحف‏.‏ لم تعد البلطجة السياسية صالحة لإيجاد زعامات في المنطقة التي تحتاج اليوم صوتا وضميرا يعبر بصدق عن مصالح أمة ضاع الكثير من مواردها في التلاسن والمشاحنات العاطفية‏,‏ فيما بينهم ومع غيرهم دون أن تحقق شيئا‏.‏ وقد وجدنا هذا الصوت والضمير والعقل في الرئيس حسني مبارك تعبيرا حقيقيا عن مصالح وطنه وعالمه‏,‏ وفي مصر وطنا للعالمين العربي والإسلامي والاستقرار العالمي‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى