الجريمة والعقاب

مرتكب الجريمة مهما تكن هو مجرم يستحق العقاب. ولكن حينما تأتي الجريمة بشعة ومروعة من مجرم كان الوطن قد أعده لمهمة إنسانية نبيلة ولم يدخر جهدا في سبيل إعداده لتلك المهمة, فإن الجريمة تزداد قبحا وجرما والمجرم يستحق المزيد من العقاب.
ان تجارة الأعضاء البشرية ليست قضية وطن ولا قضية مواطن وإنما هي بكل المعايير قضية إنسانية تنال من كرامة الإنسان أينما كان. فالقضية التي كشفت مؤخرا بجهد يستحق التقدير من وزارة الصحة عن تشكيل عصابي للاتجار بأعضاء البشر تثير القلق الشديد خاصة أن بعض المتهمين فيها ينتمون لمؤسسة جامعية مرموقة لا تصنفهم كأطباء فقط ولكنها أيضا تضعهم في مصاف الباحثين والعلماء وهم أعلي طبقات الأمة. ومثل هؤلاء لا يعانون عوزا ولا نقصا في علم أو موارد يمكن أن تدفعهم إلي تلك الدائرة الجهنمية من الجرائم, ولا أستبق التحقيقات ولا أوجه اتهامات ولكنني فقط أعبر عن الفزع الذي أصابني وكثيرين غيري لمجرد احتمال أن يكون أمثال هؤلاء قد شاركوا في ارتكاب مثل هذه الجرائم الإنسانية الشنعاء.
لقد أسرعت المؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها هؤلاء المتهمون بالحديث عن إجراء التحقيق معهم وقالت إن العقاب قد يصل إلي حد الفصل. ويبدو لي أن هذه المؤسسة تريد تبرئة ساحتها من انتساب هؤلاء لها بفصلهم وكفي الله المؤمنين القتال. فمن يقبل أن يتولي أمثال هؤلاء تعليم أبنائهم مهنة الطب النبيلة بعد الآن حتي وإن طالتهم الشبهات.
إن تورط هذا العدد من الأساتذة في مثل هذه الجريمة وهم ينتمون لمؤسسة واحدة كان يستوجب ما هو أكثر من الوعد بتوقيع عقوبة الفصل عليهم. حيث ألحق هؤلاء المتهمون العار بمؤسسة لها في نفوس الجميع داخل مصر وخارجها التقدير والاحترام. ومن حقنا علي المسئولين فيها أن يكونوا أكثر حرصا علي سمعة ومكانة هذه المؤسسة. فلو أثبتت التحقيقات حقيقة هذه الاتهامات لكان ذلك خيانة للمؤسسة التي تعلموا فيها وعملوا بها, وخيانة لزملائهم, وخيانة للقسم الذي أقسموه يوم تخرجهم, وخيانة لمن جاءوهم يطلبون علمهم وخبرتهم. لقد كنت أتمني أن يكون تصريح المؤسسة الجامعية التي ينتمون إليها أكثر استيعابا لحجم وتأثير الجريمة المنسوبة إليهم. أوليس لتلك المؤسسة حقوق عليهم تستوجب مقاضاتهم وتتجاوز عقوبة الفصل بعد أن ألحقوا بها عارا طال زملاء لهم يتمسكون بشرف المهنة ونبل الانتماء للمؤسسة المرموقة؟.
وكنت أتمني أيضا لو أني وجدت موقفا في حجم الجريمة التي وقعت من النقابة التي ينتمي إليها هؤلاء الأطباء وهي الجهة المسئولة عن شرف المهنة, ولم أتوقع أن تبادر النقابة بإدانة هؤلاء ولكن شبهات طالت الطب المصري كانت تستوجب موقفا قويا قاطعا من جانب النقابة بصرف النظر عن طبيعة هذا الموقف. ويبدو أن هذه الجريمة ترتكب منذ سنوات ولا أعتقد أن شيئا من الأخبار عنها لم يصل إلي مسامع مجلس النقابة المعنية بالأمر في المقام الأول. وأتمني منها الاستعداد لهذه النوعية المستحدثة من الجرائم بتحصين أعضائها من أن يقعوا ضحية الإغراءات المادية المصاحبة لتلك الجرائم.
لماذا تبدو ردود الفعل رخوة في مواجهة جريمة بشعة مثل تجارة الأعضاء بل وسرقتها في بعض الأحيان. ولو أن ردود الفعل كانت أكثر حزما وقوة لحالت دون سقوط بعض ضعاف النفوس في معترك الجريمة؟. غير أن البعض يتصور خطأ أننا نعيش بلا قانون وبلا رقابة وبلا حزم فتهون أمام أطماعه كل الجرائم حتي يقع فيستدر بكاؤه وألمه عطف البعض منا بينما ننسي آلام الضحايا ومخاوف وقلق الآخرين.
إن مهمة النقابات والمؤسسات المعنية تسبق كثيرا تدخل القانون وتحمي العاملين بها والمنتسبين لها من أن يقع أحدهم تحت طائلة العقوبات. وأتمني أن تنتبه مؤسساتنا للدور المنوط بها صيانة لسمعتها وحماية لأبنائها قبل أن يقع سيف القانون.
