أزمة حزب الوفد.. الأخطاء والجريمة!

وقائع يوم السبت أول أبريل في مقر حزب الوفد, أقدم الأحزاب المصرية, هي جريمة مكتملة الأركان, وليست من العمل السياسي أو الحزبي, ولكنها من نتاج مناخ سادت فيه روح البلطجة, وتفشي العنف والتساهل في تنفيذ القانون, وهي سمة من سمات المراحل الانتقالية, وقد طالت بعض الشيء.
ماحدث يمثل حالة من حالات الاحتقان غير المبررة أو المفهومة, خاصة في هذه المرحلة من تاريخنا السياسي, والتي تشهد فيها مصر حالة من الحراك السياسي, والحرية المفتوحة والواسعة, وقد وصلت إلي نقطة متقدمة للغاية بشهادة الجميع في الداخل والخارج, وهي لاتلبي طموحاتنا وتطلعاتنا السياسية فحسب, بل هي بكل المقاييس لحظة الذروة في تاريخنا كله.
وكان من المفترض أن نبني عليها ونصونها, لأن هذا هو مسار الشعوب الحية التي تتقدم وتنمو وتصحح مسارها, السياسي والاقتصادي, ولاترتد للخلف, ونحن علي الطريق بلا توقف, ومع الأسف تأتي وتحدث مثل هذه الأخطاء أو الجرائم التي تسيء إلي مسار التطور وحركته في مقتل, فنكتشف حجم الفوضي الكامنة في نفوس البعض, وهي الآفة أو الفيروس القاتل لهذا المسار العظيم.
وأمام هذا الحدث الجلل والمخيف لانريد أن نقع فريسة لليأس أو المخاوف, بل نطالب الجميع بالتماسك للحفاظ علي مكاسبنا السياسية التي تحققت, خاصة منذ أن أطلق الرئيس حسني مبارك مبادرته بتغيير المادة76 من الدستور, والتي نتج عنها أول انتخابات رئاسية في مصر2005, واعتبرت الخطوة الأولي, وليس نهاية المطاف, ويجب أن نصر علي تدعيم النظام الديمقراطي تمهيدا للوصول إلي مرحلة النضج أو الرسوخ الديمقراطي, الذي من أولوياته, ليس الإصلاح الدستوري والتشريعي أو الانتخابات العامة الحرة النزيهة, أو إطلاق حرية تكوين الأحزاب فقط, ولكن إصلاح النفوس وتقوية الضمائر, باعتبارها البنية الأساسية التي لا غني عنها لهذا التطور الذي نستحقه كشعب, لأن العمل السياسي ليس مغنما, أو صراعا شخصيا للنفوذ, أو الحصول علي الوجاهة.
ولذلك كان من المؤلم علي نفوسنا أن نري زعماء وسياسيين وأساتذة جامعيين ينزلقون لهذه الهوة السحيقة, ويتقاتلون بالسلاح حول مقر حزب عريق, يشكل جزءا من تاريخنا السياسي, ولا يمكن إغفاله أو تجاهله أو تناسيه.
وإذا كنا نحمل الذين ارتكبوا هذه الجريمة المسئولية الكاملة عنها, فيجب ألا نعفي أنفسنا جميعا من المسئولية, فقد شاهدنا أحزابا تمزقها الخلافات والانقسامات, ولم نتدخل, وآن الأوان لنتدخل, ونتخلص من سلبيات التجربة الحزبية التي وصلت إلي مستوي الجريمة, وإذا كانت الأحزاب قد تأخرت في إصلاح شئونها, وهو ما ظهر واضحا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة, وكان من نتيجتها القاسية أن جاء رهان الشارع السياسي المعارض أو معظمه علي قوي أخري غير سياسية أو شرعية, فإن الحادثة الأخيرة تدفعنا إلي التفكير الجماعي في إصلاح الأحزاب وتقويتها, وهو ما يشهده الآن الحزب الوطني الحاكم, أكبر الأحزاب المصرية, ويجب أن تمتد عدوي حركته التطورية إلي كل الأحزاب الأخري.
وبالعودة إلي حزب الوفد, فهو بحاجة إلي الحركة السريعة من الداخل لإصلاح لائحته الداخلية, بحيث تشرح كيفية إدارة أي نزاع داخلي يكون رئيس الحزب طرفا فيه, فقد كشفت أزمة الوفد عن وجود فراغ, يمثل خطرا حقيقيا علي كل الأحزاب المصرية, وهو كيفية حل النزاعات والصراعات داخل الأحزاب, خاصة بعد حكم الإدارية العليا عام2003 بمنع لجنة شئون الأحزاب بالتدخل في الشئون الداخلية للأحزاب, بما جعل أزمة الوفد تتفاقم منذ الصراع علي منصب الرئيس منذ أكثر من ثلاثة أشهر, وإزاء هذه الحالة نطالب بأن يتم تطوير قانون الأحزاب ليتضمن وجود آلية لإدارة أي نزاع حزبي حتي يتم حسمه قضائيا, فلا يتكرر ما حدث يوم السبت الدامي في حزب الوفد.
أما الدرس الأهم
فهو أن المطالبة بمزيد من الديمقراطية في النظام السياسي يجب ألا تنسينا الاهتمام بإصلاح الأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية ودفع الدماء الجديدة وتجديدها باستمرار, لأن الإصلاح السياسي لا ينجح دون أحزاب وقادة سياسيين حقيقيين. ولتكن أزمة الوفد درسا يدفع إلي بداية جديدة.
osaraya@ahram.org.eg
