الحــــرب والإرهـــاب.. خطوط التماس والتقاطع

الدماء المسفوكة علي شواطئ غزة ودروب المدن الفلسطينية مثل الدماء التي تسيل في شوارع بغداد وبقية المدن العراقية, تذهب ضحية رخيصة لخلط متعمد بين الحرب والإرهاب. ولم تعد تستثير في الضمير الإنساني, المنادي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, سوي التعبير عن القلق في الدول شبه الكبري, والدعوات إلي ضبط النفس في المنظمة الدولية التي تعبر عن إرادة المجتمع الدولي, ويبرز هنا الحديث عن حقوق المعتدي التي يراها في عالم اليوم, في الدفاع عن نفسه, ونلاحظ في هذا الصدد أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حريصتان علي خلط الحرب بالإرهاب, وتسويق أحدهما علي أنه الآخر حسب مقتضيات مصالحهما.
وفي هذا السياق كان تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية تعليقا علي حمام الدم الفلسطيني علي رمال غزة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية هو الأكثر جرأة وتجاوزا بين جميع التصريحات التي صدرت هذا العام. فقد أعطي ذلك التصريح إسرائيل, من جانب أكبر دولة في العالم, الحق في أن تمارس المزيد من أعمال الإرهاب تحت مسميات الحرب ضد أبرياء عزل مازالوا يعانون آلام الجوع والحرمان الذي فرضته الولايات المتحدة عليهم بجريمة واحدة هي أنهم مارسوا شيئا من الاختيار الديمقراطي الحر الذي تحمل الولايات المتحدة لواءه المزعوم في العالم الآن.ولم تبلغ صرخات الطفلة الفلسطينية, التي تمزقت حياتها بفقدان كل أسرتها, مسامع الإدارة الأمريكية التي رأت في سنواتها الاثنتي عشرة تهديدا حربيا يبرر حق إسرائيل في مواصلة القتل والاعتداء علي الأطفال الرضع وكبار السن من الرجال والنساء.
ألا تدرك إسرائيل والولايات المتحدة أن ما حدث علي رمال غزة ينكأ جراحا قديمة لم تندمل بعد, ويعيد تصويرها ويبعث آلامها في الوجدان العربي والفلسطيني والعالمي الحر؟ فالحقيقة أن مسلسل الإرهاب الإسرائيلي أطول وأوضح من أن تتجاهله ذاكرة الدولتين اللتين تطالب أحداهما بالسلام بينما ترعاه الأخري, ولاشك في أن استمرار الخلط بين الحرب والإرهاب في الخطابين السياسيين الرسميين الإسرائيلي والأمريكي يشير إلي أن بعض دعاة السلام ورعاته هم الأكثر سعيا نحو تعطيل مسيرته ووضع العقبات في طريقه. فإسرائيل لاتريد الشروع في مفاوضات سلام مع أي فلسطيني معتدلا كان أو متطرفا.
ومن الأفضل لها ـ حسب رؤيتها ـ ان تزداد أعداد المتطرفين بين الفلسطينيين حتي يستحيل مطالبتها بالتفاوض معهم. وفي سبيل ذلك يبدو واضحا أن لديها خططا لدفع الفلسطينيين صوب التطرف, بالقتل والتصفية وقصف الأبرياء وتدمير المساكن وتجريف المزارع وارتكاب المذابح عقابا لهم علي خيار السلام.
لقد وجدت إسرائيل منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام2001 في الممارسات الأمريكية دعما قويا وتبريرا كافيا لخلط الحرب بالإرهاب. كما جعلت السياسة الأمريكية العالم أقل أمانا حين اصبحت الحرب علي الإرهاب غطاء وتبريرا لممارسات لايمكن وصفها إلا بانها من اعمال الإرهاب,
علي النحو الذي حدث ويحدث في العراق وجوانتانامو وغزة. كما أنه غداة الإعلان عن مقتل الزرقاوي رشح الأمريكيون لخلافته شخصا آخر كان لابد وأن يكون أجنبيا ـ غير عراقي ـ أيضا حتي تستمر جهود الخلط بين الحرب والإرهاب. ويحدث ذلك بالرغم من أن الولايات المتحدة تعلم أن الإرهاب لن ينتهي بنهاية الزرقاوي, وإنما ينتهي بنهاية الأسباب الموجدة له. تماما مثلما تدرك إسرائيل أن استعدادها لتفاوض حقيقي مع الفلسطينيين هو السبيل الوحيد لإنهاء العنف, وأن أعمال القصف والاغتيال والهدم والتجريف سوف تزيد من قائمة التضحيات التي يدفعها الفلسطينيون بطول معاناتهم.{
osaraya@ahram.org.eg
