حق الوطن.. وحقوق الصحفيين

نخطو بالتعديل الجديد لبعض أحكام قانون العقوبات في جرائم النشر الذي يناقشه مجلس الشعب حاليا خطوة متقدمة في برنامج الإصلاح المصري, بالرغم من حالة التربص التي تسيطر علي البعض نحو الصحافة ورجالها فلقد استجابت التعديلات التي ناقشها مجلس الشوري للروح السائدة عالميا, بإحلال العقوبات المالية والتعويضات. محل عقوبة الحبس في الكثير من المواد التي تتعلق بالسب والقذف وخدش الشرف والاعتبار. كما ألغت عقوبة تعطيل الصحف والمجلات, وهو ما يعني حماية حرية الرأي والتعبير.
ولكن واحدة من المواد الجديدة التي احتفظ فيها المشرع بعقوبة الحبس قد أثارت قدرا من الجدل والنقاش بين الصحفيين وغيرهم, خاصة فيما يتعلق بالقذف في الذمة المالية للموظف العام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة. والحبس في هذه المادة ـ المثيرة للجدل ـ والتي عرفت برقم303 ليس حبسا وجوبيا ولكنه حبس جوازي.
وبموجب هذه المادة فإن سلطة قاضي التحقيق تتيح له في ضوء الوقائع وسير عمليات التحقيق أن يحكم بالحبس أو الغرامة, وليس بالاثنين معا. ومع ذلك فإن المادة302 قد أوضحت بجلاء أن الطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية لا يدخل في أحكام هذه المادة, إذا حدث بسلامة نية. ولسلطة التحقيق أو المحكمة أن تأمر بإلزام الجهات الإدارية بتقديم ما قد يكون لديها من أوراق أو مستندات لكشف حقيقة تلك الأفعال.
واحتفظت المادة176 القديمة بعقوبة الحبس لكل من حرض علي التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام.
أيضا تم تعديل المادة181 التي كانت تحكم بالحبس علي كل من عاب بإحدي الطرق في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية, لتصبح كما يلي: يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه أو بإحدي العقوبتين كل من عاب بإحدي الطرق في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية.
وهكذا فإن قانون العقوبات الجديد بتعديلاته قد أعطي الصحافة وحرية الرأي حصانات جديدة ومزايا متعددة, حين تخلصت من عقوبة الحبس في الكثير من المواد. وفي المواد التي بقيت لم تصبح هي العقوبة الوحيدة فقد تركت لقاضي التحقيق السلطة التقديرية.
ولكن الضجة التي صاحبت القانون وعمليات الاحتجاب والصخب والضجيج السياسي أنست الجميع من صحفيين ومراقبين ومعنيين بالشأن الصحفي ما يحدث, بل غطت علي الحدث وتقدمت تداعيات الأحداث علي أسبابها, وتاه الجوهر وغابت الحقيقة, وانزوي التطور وإيجابياته. وحتي نواب الحزب الوطني وممثليه انتقلوا إلي مرحلة تصفية الحسابات مع الصحافة وتناثرت الاتهامات هنا وهناك. فالصحافة مثل الحركة النقدية التي لا تحظي بتقدير الأدباء والفنانين وغيرهم. فما أكثر من هاجمتهم الصحافة وما أشد هجومها في بعض الأحيان. ويبدو أن البعض وجدها فرصة للثأر من الصحفيين.
وبالرغم من أن كثيرا مما قيل أصابني مثل غيري بالألم وقد قضيت ثلاثين عاما أمارس هذا العمل بكل ما تقتضيه أمانة الكلمة, فإنني آليت علي نفسي أن أتجاوز الضجيج وصخبه لكي أري الصورة الحقيقية بكاملها, وأتأمل ما يحدث, فأرانا ونحن نخطو للأمام ننسي الحقيقة وأن الصحف والصحفيين تخلصوا إلي الأبد من عقوبة الحبس, وأن وعد الرئيس حسني مبارك قد تحقق للصحفيين, خاصة أنه هو نفسه الذي انتصر للصحفيين من قبل في معركة القانون93, ولكن الضجيج والصخب أصبحا لغة الحوار. فلقد انفعل بعض الزملاء الذين حملوا التعديلات بأكثر ما تحتمل, وما هو خارج السياق أو بعيدا عن صميم القانون ونتائجه في إطار اللعبة السياسية التي تراهن علي سياسة خذ وطالب والتي وصلت إلي حدود خذ وانكر.
ولكن روح المسئولية تدعونا لاحترام ما حدث وأن نراه في صورته الحقيقية. فالتعديلات الجديدة حققت الكثير من طموح الصحفيين وأعطت لحرية الرأي والإصلاح السياسي في مصر روحا جديدة بتخلص جرائم النشر من عقوبتين.. الأولي كانت تقع علي الصحفيين وهي الحبس. والثانية كانت تقع علي الصحف. وهي الغلق والتجريم. وإنها إن لم تحقق للبعض كامل الرضا, فقد حققت شيئا من التوازن بين حرية الرأي وتعميق رسالة الصحافة السامية وحماية الحياة الخاصة للمواطنين.
osaraya@ahram.org.eg
