مقالات الأهرام اليومى

من أمطار غزة إلي رياح لبنان

تستطيع عندما تملك القوة أن تبدأ الحرب‏,‏ ولكنك لا تستطيع أن تنهيها‏.‏ ولا أن تدرك الثمن الذي سوف تدفعه فيها‏.‏ فالحروب قاسية‏,‏ وقد كابدت شعوبنا ومنطقتنا لهيبها‏,‏ وتعرف بدقة قسوتها من كل النواحي‏,‏ وأقلها تكلفتها المادية الباهظة‏,‏ وتدميرها البنية التحتية الغالية‏.‏ فالشعوب هي التي تدفع الثمن‏,‏ وقد رأينا المآسي والأهوال التي يتعرض لها الشعبان العراقي والفلسطيني‏.‏ ولمسنا المخاوف من أن يمتد لهيب الحروب ليشمل لبنان أيضا‏..‏ ذلك البلد العربي الذي يحاول أن يتعافي من الاحتلال والحروب الأهلية والمعاناة الاقتصادية‏,‏ كما يتزايد الخوف علي الشرق الأوسط كله من تأثير الأزمة الإيرانية النووية وتحولاتها المفاجئة‏,‏ ويريد العقلاء ألا تصبح المنطقة العربية رهينة لتلك الأزمة‏,‏ أو أن تصبح إحدي أوراق اللعب في أزمة دولية مرشحة لكارثة‏,‏ سواء علي أيدي الأطراف العالمية أو حتي علي أيدي الطرف الإقليمي‏.‏

وفجأة في وسط هذه الأجواء نفذت إسرائيل عمليتها العسكرية في غزة التي عرفت باسم أمطار الصيف‏,‏ وهي عملية من الممكن حصر آثارها السلبية إذا أدرك الطرفان أنه لا طريق إلي حل الصراع بينهما إلا عن طريق التفاوض والجلوس حول مائدة الحوار السياسي‏..‏ وتبرز هذه الرؤية دائما في وقت الأزمات‏,‏ حتي إن أكثر الأطراف تشددا في فلسطين وإسرائيل يعبرون عن ذلك ويطالبون بالحوار‏,‏ ويرون أنه من الممكن دفعه إلي الأمام بالاستعانة بالمجتمع الدولي ولجنته الرباعية المهتمة بأزمة الصراع العربي ـ الفلسطيني وتحويل نتائج اجتماعات الحوار إلي آليات للعمل السياسي والدبلوماسي طويل المدي بين كل الأطراف من السياسيين إلي المواطنين والأحزاب والفصائل في إسرائيل وفلسطين معا‏.‏

ولم يمض وقت طويل علي أمطار الصيف في غزة‏,‏ حتي فوجئنا بعملية عسكرية جديدة لإسرائيل في جنوب لبنان‏,‏ حولت الأمطار إلي زوابع ورياح عاتية‏,‏ جاءت بعد عملية حزب الله اللبناني‏,‏ والتي أسر فيها جنديين إسرائيليين‏,‏ ويجب أن نقدر أن هذه العملية تتم في إطار المقاومة المشروعة‏,‏ مادام الصراع مفتوحا ولم ينته بين الطرفين‏,‏ ومن الممكن تبادل الأسري كخطوة أولية لتعميق بذور الثقة والتفاهم بينهما‏,‏ وهي بدايات ضرورية للتفاوض علي الحدود في المستقبل بين جميع الأطراف المشتركة في الصراع بكل جوانبه‏.‏

ولكن عندما يخرج الصراع عن حدوده أو عقاله‏,‏ ويتحول إلي حرب مدمرة‏,‏ دون مراعاة تداعياتها وظروف المنطقة بالاندفاع إلي استخدام القوة من جانب منظمات المقاومة أو بالاستعراض غير المبرر للقوة علي المستوي الإقليمي بتحليق الطائرات الإسرائيلية في وسط العاصمة السورية‏,‏ أو بضرب مطار بيروت ومواقع مدنية في وسط العاصمة‏..‏ عندما يحدث ذلك فإنها تكون حسابات خاطئة لجأ إليها المسئولون الإسرائيليون‏,‏ أمام ضغوط الداخل والمخاوف من اتهامهم بالضعف‏,‏ وعدم قدرتهم كمدنيين علي اتخاذ القرار العسكري‏,‏ وهذه الحسابات الخاطئة تتعرض لها منطقتنا عند كل صراع‏,‏ وسوف تستمر ما دمنا لم نصل إلي حل نهائي لقضية الشرق الأوسط‏.‏

وفي ظل هذا المناخ المتوتر يجب أن تتدخل كل الأطراف الإقليمية‏,‏ مثلما فعلت مصر علي كل صعيد ـ للتحذير من مخاطر تحول الصراعات إلي حروب مدمرة مع إعادة بعث دور أمريكا الغائب والمتأثر بأوضاعها المتدهورة في العراق‏,‏ والواقعة تحت ظلال أزمات أخري في إيران وكوريا‏,‏ وهنا يجب عليها أن تستشعر المخاطر الموجودة في الشرق الأوسط‏,‏ وأن تسعي إلي لجم المغامرات العسكرية غير المحسوبة‏,‏ وأن تعمل علي دفع الجميع إلي التفاوض والبدء بعملية واسعة لتبادل الأسري بين كل الأطراف‏,‏ وأن تنفذ إسرائيل ما سبق أن تعاهدت به من حيث الإفراج عن المعتقلين والأسري الفلسطينيين واللبنانيين‏,‏ في إشارة إلي تحسين الأجواء الملبدة بالغيوم والمنذرة بالخطر علي مختلف الأصعدة‏.‏ وفي كل هذه الخطوات التي باتت ضرورية للغاية يجب ألا يتم خلط أوراق الصراع في منطقة الشرق الأوسط إسرائيليا أو أمريكيا‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى