من أمطار غزة إلي رياح لبنان

وفجأة في وسط هذه الأجواء نفذت إسرائيل عمليتها العسكرية في غزة التي عرفت باسم أمطار الصيف, وهي عملية من الممكن حصر آثارها السلبية إذا أدرك الطرفان أنه لا طريق إلي حل الصراع بينهما إلا عن طريق التفاوض والجلوس حول مائدة الحوار السياسي.. وتبرز هذه الرؤية دائما في وقت الأزمات, حتي إن أكثر الأطراف تشددا في فلسطين وإسرائيل يعبرون عن ذلك ويطالبون بالحوار, ويرون أنه من الممكن دفعه إلي الأمام بالاستعانة بالمجتمع الدولي ولجنته الرباعية المهتمة بأزمة الصراع العربي ـ الفلسطيني وتحويل نتائج اجتماعات الحوار إلي آليات للعمل السياسي والدبلوماسي طويل المدي بين كل الأطراف من السياسيين إلي المواطنين والأحزاب والفصائل في إسرائيل وفلسطين معا.
ولم يمض وقت طويل علي أمطار الصيف في غزة, حتي فوجئنا بعملية عسكرية جديدة لإسرائيل في جنوب لبنان, حولت الأمطار إلي زوابع ورياح عاتية, جاءت بعد عملية حزب الله اللبناني, والتي أسر فيها جنديين إسرائيليين, ويجب أن نقدر أن هذه العملية تتم في إطار المقاومة المشروعة, مادام الصراع مفتوحا ولم ينته بين الطرفين, ومن الممكن تبادل الأسري كخطوة أولية لتعميق بذور الثقة والتفاهم بينهما, وهي بدايات ضرورية للتفاوض علي الحدود في المستقبل بين جميع الأطراف المشتركة في الصراع بكل جوانبه.
ولكن عندما يخرج الصراع عن حدوده أو عقاله, ويتحول إلي حرب مدمرة, دون مراعاة تداعياتها وظروف المنطقة بالاندفاع إلي استخدام القوة من جانب منظمات المقاومة أو بالاستعراض غير المبرر للقوة علي المستوي الإقليمي بتحليق الطائرات الإسرائيلية في وسط العاصمة السورية, أو بضرب مطار بيروت ومواقع مدنية في وسط العاصمة.. عندما يحدث ذلك فإنها تكون حسابات خاطئة لجأ إليها المسئولون الإسرائيليون, أمام ضغوط الداخل والمخاوف من اتهامهم بالضعف, وعدم قدرتهم كمدنيين علي اتخاذ القرار العسكري, وهذه الحسابات الخاطئة تتعرض لها منطقتنا عند كل صراع, وسوف تستمر ما دمنا لم نصل إلي حل نهائي لقضية الشرق الأوسط.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر يجب أن تتدخل كل الأطراف الإقليمية, مثلما فعلت مصر علي كل صعيد ـ للتحذير من مخاطر تحول الصراعات إلي حروب مدمرة مع إعادة بعث دور أمريكا الغائب والمتأثر بأوضاعها المتدهورة في العراق, والواقعة تحت ظلال أزمات أخري في إيران وكوريا, وهنا يجب عليها أن تستشعر المخاطر الموجودة في الشرق الأوسط, وأن تسعي إلي لجم المغامرات العسكرية غير المحسوبة, وأن تعمل علي دفع الجميع إلي التفاوض والبدء بعملية واسعة لتبادل الأسري بين كل الأطراف, وأن تنفذ إسرائيل ما سبق أن تعاهدت به من حيث الإفراج عن المعتقلين والأسري الفلسطينيين واللبنانيين, في إشارة إلي تحسين الأجواء الملبدة بالغيوم والمنذرة بالخطر علي مختلف الأصعدة. وفي كل هذه الخطوات التي باتت ضرورية للغاية يجب ألا يتم خلط أوراق الصراع في منطقة الشرق الأوسط إسرائيليا أو أمريكيا.
