فى نيويورك.. الابن سر أبيه!
الأحد 18 من جمادي الأولى 1447 هــ
العدد 50742
ليس غريبا أن يحتفى الكل فى عالمنا بعمدة نيويورك، سواء أهل السنة أو الشيعة، لأن عمدة نيويورك من قلب العالم الثالث، من أبناء المهاجرين من الأقليات، من حلموا بالحلم الأمريكى وقد حققه، وكان النيويوركيون أهلا لذلك، فهم من انتخبوا ممداني، وهو انتصار للديمقراطية الأمريكية، كما أنه انتصار للبسطاء.
لكننا فى غمرة هذا الاحتفال المبهج لا ننسى شخصية جديرة بالتهنئة، فهى التى علمت العمدة، وجعلته متحدثا يتكلم بشجاعة، هى الأب محمود ممداني، أحد أبرز المفكرين فى النقد السياسى المعاصر، ويمكن اعتباره امتدادا للنقاد الكبار: إدوارد سعيد، ونعوم تشومسكي، وهو صاحب مشروع طويل فى تأثير الدولة الحديثة وآلياتها فى صناعة الأقليات الدائمة، ويجب أن نهتم بكتبه، بل نقرأها فى عالمنا، لنعرف كيف نربى أولادنا، ونضعهم فى طريق الفوز والقبول العام فى المجتمعات التى يعيشون فيها.
ممدانى الأب يقدم مفهوم التسامح الليبرالي، ولم يكن ذلك لحظة إنسانية عليا، كما تروج السردية الغربية، بل دواء سياسى لجرح أحدثته هى نفسها، فهو يقوم على مبدأ التعايش مع الأقليات بشرط ألا يهدد الأغلبية، وقد فهمنا كيف يفكر الابن فى علاقة الأقليات بالأغلبية فى المجتمعات الغربية، حيث يعترف ممدانى الأب والابن بأهمية جنوب إفريقيا بوصفها مثالا على تجاوز هذا المنطق، إذ نجح النضال السلمى ضد الفصل العنصري، وتحول من حرب إلى مشروع سياسى لتفكيك الأمة ذاتها، وبناء دولة للجميع، ويعمل الابن على نقد البنية العنصرية، والهيمنة البيضاء على توسيع معنى المواطنة، بما يتجاوز الانتماءات العرقية، والدينية، وعلينا أن نعرف أن العمدة الجديد لم يفز من فراغ، فهو وراءه مشروع سياسى وعائلى ثقافى بامتياز، وهو يقر أمامنا بأن الابن مازال سر أبيه، ولو كان جمال حمدان عالمنا الاجتماعى وصاحب كتاب شخصية مصر بيننا الآن لكتب فصلا جديدا فى كتابه القيم (العالم الاسلامى المعاصر)، مستلهما فوز عمدة مسلم فى نيويورك، ومن قبله صادق خان، عمدة لندن، فى كتابة هذا الفصل الجديد لانتشار الأجيال الجديدة (العربية والإفريقية)، وتغلغلها فى المجتمعات الغربية، وقدرتها على الفوز، بل التعبير عنها بكل اللغات والأديان.
