المصريون فى عيدهم

الأثنين 4 من شوال 1439 هــ
العدد 48041
بأى حال عدت يا عيد ..عيد سعيد على كل المصريين ، فاليوم آخر أيام العيد ،وغدا نعود إلى حياتنا الطبيعية بعد شهر الصيام، والعبادة الروحية الجماعية عالية المكانة.
تلاحقت الأحداث الكبيرة فى بر مصر، وبات يصعب رصدها وتصور تأثيرها، ويبدو لى أن المصريين تغيروا،وأصبحوا قادرين على تجاوز واستيعاب كل ما يحدث بروح جديدة، وواقعية جدا وأكثر هدوءا، ونتج هذا عن الثقة فى المستقبل، واستيعاب المتغيرات.
وقد جرت أحداث كبيرة، ومنذ سنوات كان يكفى وقوع واحد منها حتى نتوقف حوله بالتأويل والبحث والمخاوف، أما اليوم فيحدث وكأنه عادي، وجزء من حياتنا اليومية. وهذا من أكبر المتغيرات التى تملؤنى بالثقة فى مستقبل هذا الوطن، وقدرة شعبه، ومؤسساته، ورئيسه، وحكومته، على انتقاله إلى موقع أفضل، وأكثر تقدما على خريطة عالمنا المعاصر.
وبينما تحدث المتغيرات الصعبة يحاول أهل الشر إثارة الذوابع، فينظر المصريون إليهم باشمئزاز وتهكم، ويكادون من فرط ثقتهم بمستقبل بلدهم ينظرون إليهم بالرثاء لعدم قدرتهم على قراءة مستقبل مصر فى إقليمها، بينما المتغيرات تطحن وتعصف بالإقليم وأبنائه..
والمصريون غير بعيدين عن ذلك، فهم لا يتوقفون عن متابعة الأحداث، وأوجاع الشعب السورى وأبنائه من الضحايا ومن المدن التى تهدمت، والمفقودين والمشردين والمهجرين يوجعون القلوب ويدمون النفوس على بلد كان عزيزا، فأكلته الحرب الأهلية، وطحنته صراعات السلطة والجماعات، وأطماع القوى الجديدة المستعمرة، سواء عالمية أم إقليمية. وفى اليمن تكاد الحرب لا تتوقف، والمدن تهدم، والناس يصرخون، والعالم لا يسمع.
أما فى العراق فغير قادرين على تأليف حكومة، والصراعات تشل البلاد بعد حروب مازالت ساخنة. وكل هذه الدول أصبحت مرهونة بقوى إقليمية وعالمية هى التى ترضى أو لا ترضى عن تشكيل الحكومة وعودة الحياة الطبيعية. ومازال المجهول يتربص بالإقليم، خاصة فى فلسطين، أكثر قضاياه حساسية، وقدسها الغائبة، والتى يتلاعب بها العالم.
وسط كل ذلك، غيرت مصر حكومتها بسلاسة واطمئنان، تغييرا كاملا ،يكاد يكون شهادة على قدرة الوطن، وانتقاله من مرحلة إلى أخرى بسلامة وثقة ويقين، فقد أرادت القيادة السياسية فى مصر، متمثلة فى رئيس الجمهورية، أن تبدأ عهدا رئاسيا جديدا، بتغيير حكومى من العيار الثقيل، فتغيرت الحكومة، وخرج رئيس الحكومة من الوزن الثقيل،بعد أن أنجز أخطر القرارات الاقتصادية فى حياة المصريين، بإصلاح اقتصادى صائب، وضع الوطن أمام مستقبل جديد، بعد أن كان يتهدده الضياع والإفلاس، ولم يتوقف، فأنجز دخول عصر الغاز الطبيعي، والمنافسة العالمية، هذه السوق الطاحنة، هو المهندس شريف إسماعيل الذى أضعه فى مقدمة رؤساء الوزراء الذين لهم شأن كبير فى تاريخ الحكومات المصرية منذ الاستقلال، وجاء رئيس حكومة هو الآخر من العيار الثقيل، ومن كبار البنائين هو المهندس مصطفى مدبولى الذى يبدو أنه سيتحمل هو وحكومته الانتقال بمصر إلى عصر جديد، ونترقب بالكثير من الأمل أن تدخل الخدمة، فى سنوات وجيزة ما لايقل عن 13 مدينة جديدة، تستوعب جزءا كبيرا من النمو السكانى، وكذلك تقلل من التكدس السكانى فى الدلتا، والذى أصبح يهدد الحياة المصرية، والأمن القومى للبلاد.
حكومة جديدة تتسلم المهمة من حكومة قديمة، ولديها الكثير من الوقت للتفكير، ولكنها لا تتثاءب ولا تنام، فستكمل قرارات الإصلاحات الاقتصادية، وتصدر أول باقة من التصحيح السعرى لأسعار المحروقات التى سوف تؤلم الكثيرين، ولكنها تعيد للمجتمع الحق فى استغلال ثرواته، وعدم تبديدها فى الهواء، فالموارد لا تكفى حاجة كل السكان، ويجب أن تذهب إلى مكانها الصحيح، خاصة فى مجال تغيير البيئة الاقتصادية، والأهم البنية البشرية، بإعادة بناء الإنسان المصرى الذى نترقب ظهوره ومشاركته الأكبر فى التصحيح الاقتصادى، وفى عملية البناء والتغيير والتحديث التى تشمل ربوع الوطن.
فالموارد التى سوف توجه للصحة والتعليم والثقافة سيكون لها مردودها الإيجابى خلال عشر سنوات مقبلة، يستفيد منها أطفالنا والقطاعات الأوسع والأكثر احتياجا لدعم الدولة المصرية، كما تغيرت وزارات السيادة، والأكثر تأثيرا فى حياة المصريين، وزارة الدفاع ووزارةالداخلية، وقد لعبوا أكثر الأدوار تأثيرا فى حياة المصريين، سواء فى المتغيرات التى صاحبت ضرب التطرف والإرهاب أم مواجهة شراذم الإخوان الذين أرادوا إحراق الوطن بعد أن لفظهم الشعب، فكان لتغيير الوزيرين وقع فى نفوس الناس، لأن الوزيرين من العيار الثقيل، وقد بذلا جهدا خارقا ومجهودا ملموسا يستحقان عليه الشكر والتقدير.
ولكن الوطن يحتاج الى دماء جديدة، وأن تكون المتغيرات بهذا الحجم والدقة والتأثير، هذا والله لحدث كبير سيكون له وقع على نفوس المتابعين والمراقبين، بأن المصريين تغيروا ولم يصبحوا يخافون من المتغيرات، بل يلاحقون حياتهم بالتغيير والتصويب والبحث عن دماء جديدة، ولا تتوقف الأحداث.
وكان أكثرها تأثيرا ووقعا فى نفوسنا هو لقاء رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد الذى جاء إلى مصر، وحمل معه بشارة بأن سد النهضة لم يعد صراعا على النيل، بل تعاون عليه، وأن الرشد قد عاد لدول النيل، مصر وإثيوبيا والسودان، شمالا وجنوبا، وأنهم يبحثون عن التعاون والبناء لزيارة موارد النهر، وليس صراعا على المياه،ولأن النيل غنى بموارده ومياهه، فهم يبحثون عن التعاون المشترك، والبناء عليه لمصلحة الأجيال الحالية والقادمة.
وهذا متغير كبير لرؤية متكاملة، لسياسات حكيمة، بنيت فى السنوات الخمس الماضية، وأصبحت قادرة على أن تؤتى ثمارها اليوم.
وهذه التحولات تحدث بهدوء، وثقة، ولعلى أشير هنا إلى أهمية التحالف الذى بنته مصر مع دول الخليج، السعودية والإمارات تحديدا والبحرين، والذى استطاع أن يوقف التدخلات العدوانية للنظام القطرى على منطقتنا بعد أن استفحل، وأصبحت أضراره بليغة، وشديدة التأثير على مستقبل منطقتنا.
وكان لهذا التحالف تأثيره فى الداخل المصرى، والواقع الخليجى، والقرن الإفريقى، والتعامل مع أوروبا، والولايات المتحدة، فتحية لصناع هذا التحالف الذى جاء فى زمانه ومكانه لإنقاذ ما تبقى للعرب من قدرة على السياسة والمواجهة، وسط تداعيات إقليمية وعالمية مخيفة، ولا أستطيع أن أنهى هذا الاستعراض إلا بالإشادة بالروح القتالية التى رأيتها فى منتخب مصر القومى فى روسيا، وفى الصورة التى ظهر عليها، وفى استيعاب الجماهير لروح كرة القدم، بعد أن كانوا لا يبحثون إلا عن الفوز فى المباريات، فأصبحت الروح الرياضية فى المقدمة، ولا تنسوا أن هذا الفريق ذهب إلى روسيا فى ظروف صعبة، فنحن بلا دورى كرة محترم، وأنديتنا تلعب منذ سنوات بلا جمهور، فتحية للرياضيين المصريين أن وجدوا فى هذا المحفل العالمى للكرة فى تلك الظروف الصعبة.
ولا أنسى أن أحيى اليوم المبهج يوم الجمعة، عقب صلاة العيد، وقد خرجت مصر كلها رئيسا وحكومة وشعبا لكى تحتفى بأبناء الشهداء وضحايا حرب الإرهاب الذى أعطونا وأعطوا بلدهم حق الحياة والثقة واليقين بالمستقبل، وتركوا أولادهم فى أحضان الوطن، فحق على الوطن أن يعطيهم حتى يصبحوا رجال المستقبل، وعلينا أن نشيد ونحيى قبلة الحياة التى أعطاها الرئيس السيسى لأبناء شهدائنا يوم العيد بكل حب، وجعل الشهداء فى مقدمة بناة مصر المستقبل .
كل عام وأنتم بخير، وحق علينا أن نقول عدت يا عيد بالبسمة والأمل والمستقبل، وإن شاء الله سيعود، والمصريون ينشرون الفرح فى ربوع وطنهم، وإقليمهم، وهم يهزمون التخلف والإرهاب والتطرف والعحز، ويلاحقون العصر والانتصار فى عالم الحياة والتقدم.
