مقالات الأهرام العربى

دبى فى إفريقيا

جاءت الفكرة فى كتاب أو مذكرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.. كتاب يحكى 50 عاما من تاريخ الرجل فى السياسة، 50 عاما خلقت منه شخصية مرموقة فى التنمية، ليس فى العالم العربى فحسب، ولكن فى العالم كله، خصوصا فى آسيا.

فدولة الإمارات العربية المتحدة التى قامت منذ السبعينيات برعاية الشيخ زايد آل نهيان فى القرن الماضي، أصبحت نجما سياسيا واقتصاديا بازغا فى عالمنا فى القرن الحادى والعشرين، وكان وراء هذا النجاح، الشيخ محمد بن راشد الذى صعد حاكما لإمارة (دبى)، وأصبح رئيسا للوزراء فى دولة الوحدة، وكان الدينامو الذى يصنع نجاحات تلك الدولة الفريدة التى لا تخطئها العين فى عالمنا الآن، بل هى النموذج الذى يحتذى لاستمرارية النمو وتحقيق السعادة لأهلها.

قصة الكتاب والكاتب تحتاج إلى حلقات ومتابعة كثيرة، فهى ذخيرة خبرة سياسية لا تتوافر كثيرا فى عالمنا، بل إنها فريدة فى ذاتها، خصوصا فى العالم العربي.. الكتاب يحكى قصص نجاحات بلاده، ويتوقف أمام ثلاث بلاد عربية كبرى: «العراق وصدام)، (سوريا والأسد) (ليبيا والقذافى).

وأختار هنا قصة القذافى، فالشيخ محمد بن راشد يسلط الضوء على رؤية القذافى الذى حلم بالتغيير، وهى قصة إنسانية درامية تحكى مأساة سياسية، تؤكد أنه ليس بالأحلام أو الرغبات تتحقق الأهداف، كيف تؤمن وتغير على أرض الواقع بالفعل، وليس بالأحلام، كان الكل يسأل لماذا لا تصبح ليبيا واحة للتقدم والتطور والنمو، يعيش كل سكانها أغنياء؟ وتكون ليبيا ملاذا لكل العرب، وليس بلدا للهجرة والحرب، كما هى الآن بعد 40 عاما من الحكم تحت ثورة العقيد القذافى؟ ذلك القائد غريب الأطوار، الذى كان كل يوم يطل علينا بفكرة جديدة.

كان يجب أن يكون القذافى باحثا أو كاتبا وليس زعيما لبلاده أو قائد النظرية الثالثة أو صاحب الكتاب الأخضر، القذافى، كما تقول النكتة كان يريد أن يغير ليبيا ويجعلها مثل دبي، فأرسل رئيس وزرائه إلى هناك، ليعرف كلمة السر فى التقدم، وعاد إلى ليبيا، وقال للقذافى: «إن دبى مدينة مثل كل المدن بل هى مثل طرابلس قبل الثورة يا معمر!!»

ولم تكن نكتة كما تواردت على لسان الناس بل كانت حقيقة، ويبدو أن العقيد لم يفهم الرد، فأرسل إلى الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى، لكى يرسل له الخبراء، لكى يبنوا مدينة مثل دبى فى إفريقيا، هكذا يحكى الشيخ فى مذكراته كاشفا الحقيقة للتاريخ، حقيقة المأساة العربية التى لم تعشها ليبيا وحدها ، بل عاشتها عواصم أخرى أهمها دمشق، وبغداد، وصنعاء.

قصة خراب وتعمير البلاد وراءها بالقطع السياسات والحكم وبناء المؤسسات واحترام الشعوب والعمل الجاد باستمرار وخطط ومتابعة شاقة ودقيقة.. وعمليات البناء المستمر والتحديث الكامل هى قصة دبى التى حلم بها القذافى أو مدينة حديثة فى إفريقيا، ولم يستطع، وكان يقدر إذا تعلم فضيلة الاستماع، لكنه كان يحلم ويخطب فقط، ويطرب لسماع الإشادات وهتافات الشعب وحناجر اللجان الشعبية والتخويف، وكان يسعى لأن يخافه الناس لا أن يحبوه، ويعملوا معه، فجعل ليبيا مجردة أسطورة، وهى أهم دولة بترولية إفريقية غنية الموارد، قليلة السكان، كانت ستتحول ببساطة إلى واحة الغنى والتقدم فى عالمها لشعبها بل لمنطقتها لو أراد، لكنها تحولت إلى بؤرة للإرهاب والخوف والصراعات التى لا نعرف لها نهاية.

فى النهاية أتوقف أمام ملاحظة الشيخ محمد بن راشد بعد زيارته لليبيا ولقائه مع قادتها، فقد أدرك بوعيه وحسه الفطن أن القذافى لم يكن يود التغيير، لكنه كان يتمنى التغيير ، وأن التغيير لا يحتاج إلى تمنيات أو إلى خطابات بل إلى إنجازات.

أتمنى أن نعى كلنا قصص صعود مدن وقادة وزعماء، وقصص انهيارات المدن واختفاء الزعامات، وأن ندرك معنى البقاء والاستمرارية، وهو ما ينفع الناس فى كل زمان ومكان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى