مقالات الأهرام اليومى

تحية مستحقة للدبلوماسية المصرية

يعكس التحرك الدبلوماسي المصري الأخير بزيارة وزير الخارجية أحمد أبوالغيط ووزير البترول سامح فهمي إلي بغداد رؤية سياسية مستقرة لدي مصر تتمثل في ضرورة دعم العراق وتحريره والحفاظ علي هويته ومكانته العربية منذ أن احتلته أمريكا ضاربة عرض الحائط بالشرعية الدولية والحقوق المستقرة‏.‏

فمصر صاحبة السياسة القوية والمستقيمة في الشرق الأوسط والتي تدافع دائما عن استقرار منطقتها وتحمي عروبتها قد رفضت الحرب منذ البداية‏..‏ وهي أول دولة عربية أرسلت بعثة دبلوماسية كبيرة علي رأسها سفير هو الراحل إيهاب الشريف‏,‏ وذلك في يونيو عام‏2005.‏ وكان لسفارتها وسفيرها دور نشيط في المصالحة العراقية والعمل علي رأب الصدع ومساعدة العراقيين علي تجاوز الديكتاتورية والحصار والاحتلال نتيجة فهمها للخريطة السياسية والمذهبية للعراق‏,‏ ولكن تحركها هذا تعارض مع مصالح عالمية وقوي إقليمية كانت تسعي للفوضي وللاستفادة من المتغيرات‏.‏

فخطف هؤلاء سفيرها وقتل‏,‏ فراح شهيداوأصبح علامة بارزة لدور بلاده وقيمها واستقامتها السياسية‏,‏ ولكن هذا لم يوقف دور مصر وسعيها الجاد لإنقاذ شعب العراق من الأخطار التي تتهدده‏.‏

وفي محاولة لإعادة الاستقرار من دوامات العنف اليومي منذ أن سقط العراق في براثن الاحتلال نظمت مصر مؤتمر المعهد الدولي لإنقاذ العراق بشرم الشيخ في مايو عام‏2007,‏ وذلك للمساعدة في إعماره وإعادة بنائه‏,‏ وسد الاحتياجات الأساسية لسكانه إلي جانب مشاركتها في اجتماعات دول الجوار‏.‏ فمصر من البلاد القلائل التي آمنت بأهمية عودة العراق قويا معافي‏,‏ ورفضت كل الدعاوي الشيطانية للاستفادة من النكبة العراقية‏.‏

وقد خلقت الأوضاع السياسية والمتغيرات العالمية فرصة جديدة للمصريين لتحرك آخر لمساعدة العراق والعمل علي بقاء الدولة العراقية موحدة ومستقرة‏,‏ فقد حملت المؤشرات متغيرا نحو تحسن نسبي للأمن قد يكون هشا أو غير مستقر‏,‏ ولكننا يجب أن نساعد في البناء عليه وتقويته‏,‏ كما أن الحكومة الراهنة خاصة في العام الأخير أظهرت عدة مواقف حرصت من خلالها علي تأكيد استقلال العراق سواء في تعامله مع أمريكا أو إيران‏.‏ فقد رفضت الحكومة العراقية الطموح الإيراني بجعل العراق محافظة إيرانية برغم علاقة رئيسها نوري المالكي بالإيرانيين خلال لجوئه السياسي إلي إيران في فترة ما قبل الاحتلال‏,‏ كذلك أظهرت الحكومة حرصا علي المصالح العراقية وسيادتها علي أراضيها خلال مفاوضاتها مع أمريكا حول الاتفاقية الأمنية‏,‏ فهناك إذن ما يمكن أن يتم البناء عليه حرصا علي مستقبل العراق وعودته قويا لمحيطه وعالمه‏.‏

إن المنطقة العربية والشرق الأوسط مقبلان علي منعطف جديد ونقطة تحول خاصة بالنسبة للسياسة الأمريكية في العراق‏,‏ وأبرز مؤشراتها قادم من النتائج السريعة للأزمة المالية العالمية‏,‏ فالانفاق المالي الأمريكي لاحتلال العراق تجاوز الآن تريليون دولار‏..‏ أقول الانفاق وليس الخسائر الأمريكية في العراق والتي لا يمكن حسابها الآن برغم أن البعض قدرها بثلاثة أضعاف الإنفاق‏..‏ وهذا الإنفاق تجاوزت أرقامه خطة الإنقاذ من الأزمة المالية الراهنة بكل تبعاتها‏..‏ ومن هنا فإن الادارة الأمريكية القادمة‏(‏ سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية‏)‏ ليس أمامها سوي وضع حد للاحتلال وتكلفته الباهظة‏.‏

وأمام هذه المتغيرات لايسعنا إلا أن نحيي مبادرة الدبلوماسية المصرية في اختيار هذا التوقيت للاقتراب أكثر من العراق وحكومته لتقويته وحمايته‏,‏ فالوجود المصري في هذا التوقيت الدقيق والحساس بالعراق وتصريح وزير خارجيتها أحمد أبوالغيط‏’‏ حان الوقت للعمل معا‏’‏ يشير إلي تغير جوهري ومرحلة جديدة علينا أن نستبشر بها لإخراج العراق من أزمته وعودة العراقيين للعرب وعودة العرب للعراقيين‏.‏

ويكشف الترحيب العربي والعراقي بالزيارة المصرية التي حملت مبادرة لمشاركة العراق في كل المجالات السياسية والاقتصادية أن الروح العربية لم تضعف ولم تفتر برغم الأزمات والحروب‏.‏

إنها بشارة جديدة وروح مختلفة علينا أن نتمسك بها ونعمل من أجلها ليعود الاستقرار للمنطقة ونحمي مصالح شعوبنا العربية التي أنهكتها الصراعات والحروب والتدخلات الأجنبية والإقليمية طمعا في السيطرة السياسية ونهبا لمواردها الاقتصادية والنفطية‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى