مقالات الأهرام اليومى

مصر مبارك‏..‏ والمتغيرات دور الدولة‏..‏ ومسئوليات الوطني

تضمن حديث الرئيس حسني مبارك أمام المؤتمر السنوي الخامس للحزب الوطني رؤية مستقبلية لتحرك الحزب والحكومة لتنفيذ ما بقي من البرنامج الرئاسي بعد أن تم إنجاز مايزيد علي نصف التزاماته‏.‏ فلقد بدد الرئيس كثيرا من المخاوف التي أثارتها الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة‏,‏ خاصة فيما يتعلق بحماية غير القادرين من تداعيات تلك الأزمة‏..‏ والأهم هو أن الرئيس مبارك قدم رؤية جديدة لدور الدولة ومسئوليات الحزب الوطني في المرحلة المقبلة‏,‏ حيث تحدث في خطابه بشجاعة عن مواجهة الواقع وتأثير مشكلاته علينا‏,‏ ووضع بشفافية وبدقة نعرفها عنه تصوره لمستقبلنا‏,‏ فلقد حقق الرئيس مبارك أكبر الإنجازات في تاريخ مصر السياسي والاقتصادي‏,‏ وهو باعث مصر الحديثة‏,‏ وقد أتاح لبلادنا أطول فترة في تاريخها من الاستقرار والتطور والنمو بلا صراعات خارجية مع الحفاظ علي سيادتنا ودورنا المحوري والمركزي في إقليمنا وعالمنا‏.‏

والذين يعرفون الرئيس لم تفاجئهم حزم السياسات الجديدة المكملة لبرنامجه الانتخابي والمستوعبة لعصرها‏,‏ ولكن ازداد يقينهم وثقتهم بحكمته وقدرة قيادته علي التكيف ومواجهة المتغيرات والتعامل مع الأزمات‏..‏ فنحن معه نعيش عالمنا ونتغير باستمرار‏,‏ ونتطور نحو المستقبل بحرية وديمقراطية تهدف إلي تطوير حياتنا ومستوي معيشتنا‏,‏ ولسنا معرضين للخطر أو الفوضي التي يخطط لها الذين يستهدفون دورنا ومكانتنا‏,‏ ولذلك استحق التجاوب الشعبي من كل المصريين‏..‏ أهل المدينة وأبناء الريف الصعايدة والبحاروة وذلك عندما قال كلنا فلاحين‏.‏

وقد طرح الرئيس ثلاثة محاور للتعامل مع المتغيرات السلبية في الاقتصاد العالمي‏:‏
‏*‏ المحور الأول‏:‏ أنه في ضوء ما أنجزه برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري‏,‏ لارجعة عن الانفتاح باقتصادنا علي العالم‏.‏ فقد تمكنا بهذا البرنامج من تحقيق المزيد من الاستثمار والتصدير والنمو الاقتصادي وإتاحة المزيد من فرص العمل ومواجهة الزيادة في أعباء الدعم والتوسع في الخدمات‏,‏ ولولا سياسات الإصلاح الاقتصادي لما تمكنا من مواجهة الكثير من الأزمات‏,‏ وفي مقدمتها أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة‏,‏ فالأزمة الاقتصادية الراهنة ليست مبررا للهجوم علي برامج الإصلاح الاقتصادي‏,‏ كما أن التدخل الحالي من بعض الدول لاحتواء تداعيات الأزمة لايعني تراجعا عن اقتصاد السوق‏,‏ ولايعني العودة إلي نظريات تجاوزها العصر‏,‏ ولكنها إجراءات مؤقتة لحين تعافي الاقتصاد العالمي من أزمته‏.‏

والحقيقة أن قدرتنا علي مواجهة تداعيات الواقع الاقتصادي العالمي الراهن تأتي نتيجة لبرنامج الإصلاح الذي بدأ جديا منذ أربع سنوات‏,‏ ولو أن خطط الإصلاح الاقتصادي في مصر تأخرت لكان موقفنا اليوم مختلفا ونحن نواجه أزمة عالمية باقتصاد ضعيف ومتهالك‏.‏ ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الذين ينتقدون برنامج الإصلاح الاقتصادي اليوم هم أنفسهم الذين عارضوه منذ البداية‏,‏ وقبل أن تلوح في الأفق بوادر الأزمة الاقتصادية الراهنة التي جاءت ذريعة لتصعيد الهجوم علي برنامج الإصلاح المصري‏,‏ ولم يعد الرجوع عن الإصلاح الاقتصادي خيارا مطروحا فقد أصبح ضرورة حياة وبقاء لأجيال الحاضر والمستقبل‏,‏ فسنوات الإصلاح السابقة لم تؤد فقط إلي تحقيق إنجازات اقتصادية ولكنها أسفرت عن تغييرات سوف تتسارع في علاقات العمل وثقافته وحفز الفردية المبدعة في مجالات الإنتاج‏.‏

المحور الثاني‏:‏ هو الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية للنمو والتنمية‏,‏ فعلي الرغم من أن الرئيس أكد من قبل أولويات التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر‏,‏ فإن الأزمة العالمية الراهنة تثير القلق بشأن الفئات الأقل دخلا‏,‏ وهنا يعيد الرئيس التأكيد علي توسيع قاعدة العدالة الاجتماعية وإعلاء أولوياتها من خلال الاهتمام بالمناطق المحرومة‏,‏ وتوفير الحماية للفقراء ومحدودي الدخل وسكان العشوائيات والقري الأكثر فقرا‏,‏ بالاستهداف المباشر جغرافيا‏,‏ وعبر الأسر الفقيرة‏,‏ وبتحسين الأداء الحكومي المخصص لهذا الشأن عبر الدعم والتكلفة الاجتماعية للصحة والتعليم‏,‏ وأكد الرئيس أن ثمار الإصلاح والتنمية هي حق لكل مصري ومصرية‏.‏ كما أن تحقيق العدالة الاجتماعية يعزز المشاركة بين أبناء الوطن بكل فئاته‏.‏ وفي سبيل توفير الحماية والرعاية لتلك الفئات من المجتمع حدد الرئيس بدقة كيف نحقق هذا الهدف بتطوير الإطار التشريعي الحالي‏,‏ وتعديل معايير استحقاق معاش الضمان الاجتماعي الذي يستفيد منه حاليا أكثر من مليون اسرة‏.‏ كما تم تخصيص تمويل مبدئي لمشروع الألف قرية الأكثر فقرا قدره‏3.7‏ مليار جنيه‏,‏

ووجه إلي إنشاء صندوق لتمويل العشوائيات بتمويل مبدئي قدره‏500‏ مليون جنيه‏,‏ ستتم زيادته فيما بعد‏,‏ وتطرق الرئيس إلي مشكلات الفلاح المصري وطالب بتحقيق مصالحه وحل مشكلاته‏.‏ واقترب الرئيس من مشكلات الأحوزة العمرانية في الدلتا والصعيد وهي تمس فئات أهملت احتياجاتها من قبل‏,‏ وربط الرئيس بين إصلاح أحوال الفلاح المصري وبين قدرتنا علي تجاوز أزمة الغذاء العالمية والاستفادة من دروسها‏.‏ وسوف يكون الفلاح المصري محور استراتيجية التنمية الزراعية التي كلف بها الحزب لرفع معدل النمو في القطاع الزراعي ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الحاصلات السبعة الأساسية لما يتجاوز‏80%‏ من احتياجاتنا‏.‏ وطالب الرئيس بمضاعفة الجهد في برامج الإسكان الشعبي‏,‏ وتوفير مياه الشرب للجميع‏,‏ والتي أصبحت تصل الآن إلي أكثر من‏98%‏ من سكان الدلتا والصعيد‏.‏ غير أن المشكلة الماثلة في برامج الحكومة لرعاية الفئات محدودة الدخل هي تحديد تلك الفئات والوصول إلي آليات فاعلة لتعظيم العائد الاجتماعي للاستثمارات المخصصة لهذا الغرض‏.‏ وهي مشكلة تتطلب جهدا جماعيا وحوارا مجتمعيا واسع النطاق‏.‏

فقد أصبح حجم الاستثمارات الموجهة لهذه القضية غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد المصري‏,‏ وإذا لم تحقق تلك الاستثمارات عائدا مماثلا‏,‏ فإننا نحمل اقتصادنا أعباء بلا نتيجة‏.‏ ويظل الوصول إلي هذا العائد مشكلة مجتمع أكثر من كونه مشكلة حزب أو حكومة‏.‏

*‏ المحور الثالث‏:‏ وتطرق فيه الرئيس لتحديث الأطر التشريعية للعديد من القضايا ذات الأهمية في مسيرتنا التنموية عبر تعزيز البنية التشريعية الداعمة للمشاركة السياسية والديمقراطية وحقوق المواطنة‏,‏ وتطوير التشريعات الخاصة بتنظيم الأحوال الشخصية بهدف استكمال منظومة حماية الأسرة المصرية‏,‏ واستلهام التطورات التي طرأت علي المجتمع‏,‏ وماتم إصلاحه في هذا المجال خلال السنوات الماضية‏.‏ وتطرق الرئيس إلي وسائل تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية وزيادة تمثيلها في مجالسنا النيابية‏.‏وطالب بطرح التعديلات التشريعية التي تحقق ذلك قبل الانتخابات البرلمانية عام‏2010,‏ وعلينا أن نقف بكثير من الانتباه أمام مطالبته بالتشريعات اللازمة لتعزيز عملية اللامركزية لتحقيق التنمية المحلية‏,‏ التي تمثل نقطة ارتكاز مستقبلية لزيادة مشاركة الناس والمجتمع في القرار والتنفيذ السياسي والاقتصادي‏,‏ وكذلك طرح التعديلات التشريعية علي القانون المنظم للنقابات المهنية بما يمكنها من أداء دورها بفعالية‏,‏ فالمهنيون هم عصارة الفكر والثقافة‏,‏ ومن المهم زيادة دورهم من أجل المجتمع والديمقراطية‏.‏

لقد جاء خطاب الرئيس ببرنامج عمل متكامل للمرحلة المقبلة يستند في أسسه إلي برنامجه الانتخابي‏,‏ ويستجيب لمتغيرات كثيرة في الداخل والخارج‏.‏ فلقد أصبح الحزب وحكومته اليوم مسئولين عن تحقيق تلك الرؤية التي طرحها الرئيس‏,‏ وأحسب أن مؤتمر الحزب سوف ينتهي إلي سياسات وبرامج تضع توجيهات الرئيس موضع التنفيذ قبل أن ينعقد مؤتمره السنوي المقبل‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى