نحن ومحنة قطر.. وفتنة الخليج!

«وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون» – سورة النمل (93)
ما أصعب أن تكتب وتطرح أفكارًا ومشاهد فى قلب أحداث جسام، أحداث قد تغير مصائر الأمم والشعوب.. وفى قلبها الأفراد والأسر الحاكمة .. ومشاهد الأحداث لا تسطِّرهات المتغيرات فقط، ولكنها ستكتب بإراقة دماء الأبرياء فى صورة قد تعجز معها العقول عن الاستيعاب..!! أو فهم التطورات والأسباب، وما ستصل إليه هذه الحرب بل الحروب، التى لو جمعناها أو أجملناها، لفاقت فى تأثيرها وعدد ضحاياها وخسائرها المادية، ما حدث فى الحربين العالميتين: الأولى والثانية!
ما أصعب أن تروى ما حدث مع مطلع العشرية الثانية من القرن الحالى فى مصر.. وفى المنطقة بالكامل من مشاهد متتابعة مخلوطة بالخيال والحقيقة.. تصور البعض أنها ستبدل الأحوال فى البلاد والمنطقة، وستدخل بنا فى جحور تاريخ جديد مجهول، لكنه تاريخ ليس جديدا تماما، فقد أطل علينا من قبل قادما من مخيلاتنا القديمة، عبر مشاهد، كنا نعرفها فى سطور كتب التاريخ، ومسلسلات الحماقة، عن صور الدولة الدينية، وتطلعاتها الفاشية، وجهالاتها التى يصعب، معها وفيها، التفكير المنطقى والرؤية الطيبة .. ولكنها قصص ستحكي، وسيأتى أوان تسجيلها، وسنضحك، وسنبكى معا، مما حدث، ويحدث من خلالها.. كلها قصص مثيرة وغرائزية، والكثير منها بعيد عن العقل، ومن قال إن التاريخ يصنعه العقلاء؟ أو يسطره المنطقيون الصادقون؟
وسيحكى التاريخ، وتقول الإنسانية: إن المصريين المعاصرين، كانت لهم كلمتهم فى هذا المضمار العصى والصعب، عندما اجتمعوا بلا تنظيم حديدي، أو عقائدي، وبلا حزب عملاق، يملك أموالا وتاريخا، أقول اجتمعوا يوم 30 يونيو 2013، فكسروا التنظيمات القديمة التى تسلطت عليهم، وصاغوا متغيرات شاملة، وراحوا يبنون عليها كل يوم منذ ذلك التاريخ بلا توقف أو ضجيج، بل فعلوا ذلك وهم فى قلب حروب المهزومين والمنسحقين، وتحركوا تحت راية الشعب، وإصرار المصريين على التطور الإنساني، وحماية بلادهم من أى تدخلات خارجية من أى قوة سواء، أكانت محلية أم إقليمية أو دولية، كانت تريد التأثيرعلى مسارهم التاريخي، وقدرتهم على إعادة بناء دولتهم،غير عابئين بأنهم قد تأخروا – فتحية للمصريين المعاصرين- واحتراما يفوق الوصف لتضحياتهم وإصرارهم العجيب.
أنها قصة مستمرة – وحكاية ستحكيها الأجيال الحالية إلى أبنائهم، وأحفادهم، ستكون صعبة على الكتابة، وعلى الرواية، لأنهم سطروها بدماء وضحايا وتكلفة عالية، ولكنها ليست المرة الاولى فى تاريخهم، فقد سبق لهم، عبر التاريخ القديم مرات ومرات فيالتاريخ القديم و المعاصر، أن سطروا هذه الملاحم، لعل آخرها كان السقوط المدوى فى 1967 ثم النهوض الكبير 1973.
ففى ست سنوات فقط قام المصريون من الهزيمة إلى النصر. فكانت قصة بناء جيش فى 6 سنوات، وظهور أسطورة عسكرية، واجهت الغرب والشرق معا، وأعلنت عن بزوغ عصر العسكرية الجديدة والمصريين الجدد الذى لا ينتهون، ولا يسقطون الا ليقوموا اقوى، وأقدر على التصحيح، والبناء والتغيير والتطور ..
كانت تلك مقدمة لمشهد سياسى مختلف وجديد، وحالة شخصية لوصل ما انقطع فى هذا المكان، منذ مطلع الألفية الثانية من هذا القرن الذى نشهد فيه كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة، متغيرا بل متغيرات كانت تصنع أحداثا فى الماضي، نتكلم فيها وعنها طويلا وأياما وسنين، وتعيش ولا تنتهي، فأصبحنا فى عالم مختلف، يكاد يكون فيه كل شيء ينسخ ما قبله، ويبنى من جديد، ومن لا يستطيع الإلحاق به يسقط، وتدوسه الأقدام ويصبح نسيا منسيا.
هذا المشهد الجديد يعكس أهمية سياسة انتهجتها مصر منذ أربعين عاما، بعد أن حققت نصرها العسكري، ونصرها السياسي، واستردت الأرض والكرامة بعبقرية عسكرية وسياسية، مازالت تعيش وتتجدد، لأنها وقفت للقوى العظمى وحلفائها فى المنطقة، وقالت لهم :مصر لا تهزم ولا تسلم أراضيها للغير، وحدودها معروفة منذ القدم، وحاربت وفاوضت، وذهبت للتحكيم، لتصون الأرض والعرض، ويجوز أنها تقاعست فى البناء والتنظيم، ولكنها كانت تملك رؤية ورغبة فى البقاء، ومشاركة العالم، والمنطقة عملية البناء والتغيير.
كانت تلك السياسة الحكيمة والنبيلة، كما سماها الرئيس السيسى، سياسة نبيلة وشريفة، أى سياسة عدم التدخل فى الشئون الداخلية لدول المنطقة وللجيران، حتى ولو وقع علينا الضرر والضرار – وقد وقع فعلا من الجيران، والإخوة من كل الاتجاهات من السودان وليبيا وغزة – وقطعا من إسرائيل التى وقعنا معها اتفاقيات السلام. ولكن أخطر قصة وأصعبها وأشقها على النفس كان من الجار والأخ والصديق فى الخليج – من قطر العربية الشقيقة، فقد وظفت أموالها وغناها البترولي، فى إيذاء الأشقاء، فبدلا من تكوين إمبراطورية صغيرة لأميرها، فإذا بها توظف إمارة صغيرة بغناها الفاحش فى خدمة تيار سياسى عفا عليه الزمن، ودارت عليه الأيام، وكشفته كل المتغيرات أنه لا يصلح للعيش يوما أو للبقاء ساعة من زمن، فى دنيا تقدم كل يوم مكتشفات يعجز العقل المعاصر عن إستيعابها، فما بالكم بالعقل القديم الذى توقف عند القرون الوسطى.
(قطر هذه) دخلت مفترق المحنة – عندما اجتمع الكبار فى المنطقة : مصر والسعودية والإمارات، ومعهم البحرين، أكثر ضحايا قطر ظلما وعدوانا – ليقولوا للعالم فى 5 يونيو 2017 إن قطر محتلة، ومغلوبة على أمرها، وسقطت فريسة تنظيم دينى صعب المراس، يشترك فيه الإخوان المسلمون، أقوى التنظيمات الدينية وأخطرها وأقدمها، ومعهم القاعدة وداعش وغيرها، من مسميات كثيرة تختلف، لكنها تتفق على شىء واحد، هو عودة المنطقة إلى القرون الوسطى، وتغيير الدين الاسلامى السمح، وتحويله إلى شىء مخيف، يجعل المسلم يجفل ويخاف ويتوقف عطاؤه عن المشاركة فى الحياة الإنسانية، والاستعداد إلى الانتحار أو الموت البطىء.
وللحديث بقية
