مقالات الأهرام اليومى

ظلال أكتوبر 2017

هلت علينا أنوار أكتوبر.. بأى حال عدت يا أكتوبر.. فهو ليس تاريخ نصرٍ عزيزٍ فقط، بل حالة مصرية مستمرة، وهو حاضر ومستقبل أيضا، لأنه رؤية لهذا الوطن.

تحدى فيه المصريون المعاصرون كل القوى العالمية الظالمة التى تكالبت على الوطن، وأرادت أن تعيده، بعد يونيو 1967، إلى حالة من الهزيمة والانكسار الدائم، عبر الاحتلال الإسرائيلى لشبه جزيرة سيناء الغالية، معبر قارتنا (إفريقيا) إلى العالم، وإغلاقه قناة السويس، ثم الوقوف على حافة القناة يطل على مدنها، ويهدد دلتا النيل والقاهرة !!

المصريون المعاصرون الذين رفضوا الهزيمة ليسوا ورثة حضارة عظيمة قديمة، فك الغرب شفرتها بكشف الأبجدية الهيروغليفية من على حجر رشيد فقط، بل هم بوتقة انصهرت فيها، وبها كل الحضارات القديمة والحديثة، بل والأديان السماوية ( الثلاثة) التى مرت عليهم عبر الاحتلال والمكوث فيها لحقب طويلة.

فمصر تكاد تكون البلد الوحيد الذى كان درة تاج الإمبراطوريات القديمة والحديثة معاً، والتى تطورت فى العالم حتى وصلت إلى القوتين العالميتين الأمريكية والروسية لسنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وكل القوى، فى العالمين القديم والحديث،وهى فى طريقها لتكوين إمبراطورياتها، كان لها هدف واحد هو إخضاع مصر والمصريين، وكانت النتيجة هى الفشل للجميع، بل إنهم جميعا اندمجوا فى مصر، وكانت شخصية مصر أقوى، وقادرة على تحويلهم، وأن يصبح كل من بقى منهم على أرضها مصريا معبرا عن هذا الوطن وثقافته الوسطية السمحة التى تقبل الجميع، وتقبل التعدد الثقافى والدينى بروح سمحة، وصار الجميع جزءا لا ينفصل من هذا العالم..

نقول هذا الكلام لفريق من المصريين، تصور، ما بعد الاضطرابات فى 2011، أنه قادر على تغيير شخصية مصر وتحويلها، بل وإعادة هندستها على أفكار قديمة عششت فى أذهانهم، وتصوروا أنها الإسلام، ديننا ومبعث هويتنا وثقافتنا، أرادوا تغييرنا بأسلوبهم وتعصبهم الفج، فلفظهم المجتمع والشعب المصرى، وطردهم، وسوف يظلون بعيدين عنه إلى أن يعودوا إلى رشدهم، أو يعيدهم أبناؤهم وأحفادهم إلى صوابهم، ويعيدوا التمسك بمصر وشخصيتها التى نعرفها جميعا.

هذا الفريق ذهب يبيع وطنه لقوة إقليمية وقوة عالمية مقابل السلطة والتحكم فى المصريين، وعندما كشفت المؤامرة جن جنونهم، وفقدوا صوابهم، ومازالوا على هذه الحالة، لا يستطيعون العودة، ولا يعترفون بأخطائهم، ولا يصححون أنفسهم..

تناسوا، ليس التاريخ القديم لمصر فقط، بل وتاريخها الحديث ما بعد يونيو 1967، عندما نفض المصريون غبار الهزيمة، وبنوا الجيش خلال ست سنوات فقط، وخاضوا الحرب وانتصروا بأقل الاسلحة، وبقى العالم مبهوراً بخراطيم المياه التى هدمت خط بارليف، ومهدت الأرض والقناة لقواتنا لتعود إلى سيناء مرة أخرى، معلنة عصراً جديداً لمصر، مازلنا نعيشه ويعيش فينا، ولا نتخلى عنه أبداً.

لا ننسى أبطال النصر، لا ننسى من رفضوا الهزيمة مثل ناصر، ولا السادات صانع النصر ومصحح الانكسار، ولا ننسى جيشنا البطل، فهؤلاء هم أبطال النصر.

ومن يحاولون تقسيم الوطن بين عصر الهزيمة وعصر النصر هم ضد الوطن، ومن يحاولون أن يصوروا أن سنوات مصر ما بعد النصر هى سنوات الانفتاح، وعصر الأغنياء هم من يغنون وينسجون على منوال الإخوان المسلمين..

إن الجمهورية التى صنعت النصر هى نفسها الجمهورية الأولى التى قامت بعد سقوط الملكية وإعلان الجمهورية، والجيش الذى أسقط الملكية هو نفسه الجيش الذى عبر وانتصر وصحح الهزيمة.

بأى حال عدت يا أكتوبر.. لن أتكلم كثيرا، ولكن أكتوبر 2017 عاد ومصر قوية، رغم ما مر بها من ظروف وتطورات قاسية وصعبة ومريرة، وكانت قادرة على الوقوف فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر2017، لتعيد تذكير العالم برؤية ما بعد أكتوبر 1973، رؤية السلام والاستقرار للمنطقة والعالم، وهزيمة التطرف ومواجهة الإرهاب والإرهابيين، ووسط عالم مأزوم يطل عليه شبح الحروب النووية فى منطقة تشهد حروبا مريرة، ويهددها الإرهاب والتطرف، ويهددها التقسيم العرقى والطائفى والدينى.

كانت مصر قادرة، على لسان رئيسها، أن تطرح أمام الجمعية العامة وأمام الإسرائيليين والفلسطينيين رؤية مصر للسلام والاستقرار التى صممت عليها بعد النصر، وكانت منهاج سياستها طوال السبعينيات، وفرضتها على إسرائيل وعلى العالم، وقد واجهت بها كل القوى العالمية والمتخاذلة.

ولم تقل مصر كلاما فى الهواء، بل وضعت خريطة طريق، وكانت قادرة على السير عندما مهدت لوضع حد للانقسام بين الفلسطينيين ( بين الضفة وغزة ).

كانت اللحظة الدرامية فى الجمعية العامة، عندمت وقف الرئيس السيسى مذكرا بالتجربة المصرية وبقوة صناعة السلام، شبيهة، إلى حد كبير بمصر، عندما وقف رئيسها السادات مواجهاً الكنيست الإسرائيلى بالحق المصرى، وأكمل نصره على من كان يحاربهم بالأمس بالسياسة، وبقوة الحق ومنطقه.

لحظة القوة تلك، ومنطق العقل والسياسة، فى حضرة العالم، وفى منطقة تمر بظروف دقيقة وصعبة، أخذتنى بعيداً لتكشف عن حالنا، ومصدر قوتنا، بعيدا عن الشرح والتحليل، والاضطراب والحروب النووية، والتلويح بالإبادة، والانقسامات، وتفكك الدول فى الشرق الأوسط، وفى العراق وفى سوريا، وغياب الأمن فى السودان واليمن وليبيا، والمخاوف التى تكتنف إيران وتركيا ما بعد أزمة الخليج وفتنة قطر.

وقد وضعتنى حالة العالم والمنطقة فى المقارنة بين رؤية مصر وما يحدث حولها، وجعلتنى أقول إن من يحترم نفسه وعقله وبلده تذهب الدنيا إليه، وإن من يكون قادرا على أن يغير وأن من يحترمه العالم، سيحصل على ما يستحقه من تقدير، هكذا فعلت مصر فاستحقت الاحترام فى تلك اللحظة الصعبة.

انظروا إلى هذه المفارقة، وتذكروا الصعوبات التى مرت على مصر، ولا تخافوا من القادم، برغم صعوباته وامتحاناته القاسية، لأننا بالقطع نملك ناصية التحرك والمواجهة، وهى بالقطع مَلَكَة تفوق النصر نفسه، لأنها تعنى انتصارات متتابعة وقادرة على تحقيق الهدف،وصيانة الشعوب وحماية الأمم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى