مقالات الأهرام اليومى

فى وداع أكتوبر.. وليس النصر!

فى وداع أكتوبر، شهر النصر فى سبعينيات القرن الماضى، مازال كثير من الناس يراوحون فى أماكنهم، ولا يتحركون، ولا يدركون مغزى النصر المصرى العظيم، فى ذلك الوقت وبعده فى سنوات الحرب والسلام الصعب، ولا كيف خرجنا من هزيمة قاسية، تصوّر النظام العالمى الذى صنعها أنها كافية لكى يخرج المصريون من أى تاريخ يتطلعون إليه!. يبدو لى، بعد مرور سنوات طويلة دخلت الحقبة الخامسة، مازال البعض، إما عمداً أو تجاهلاً، لم يدرك معنى ومغزى الانتصار، ولذلك عادوا، فى الحقبة الراهنة من القرن الجديد، لامتحان إرادة المصريين، وها هم يفشلون كل يوم، وسوف يفشلون مرات عديدة قادمة، لأنهم ليسوا على الحق، كما أنهم لن يكونوا قادرين علينا. ونقول لهم بالصوت العالى: مصر دولة راسخة فى الشرق العربى والأوسط، كتبت لها الحياة على خلاف دول مصطنعة فى المنطقة، ومصر الحاضرة بقوة فى هذه الفترة لها حسابات جديدة ومختلفة، تبنى وتتحرك فى كل الخطوط، وعينها على المنطقة، وعلى كل العالم المعاصر، وتبذل قصارى جهدها فى مواجهة حرب طويلة ضد المتآمرين فى الداخل، وأنصارهم المتآمرين فى المنطقة، ولا تألو جهدا لتشرح بالصوت والصورة طبيعة التآمر ومساراته، وتقدم رؤيتها لحل الصراعات وتفكيك الألغام. تيارات سياسية أو دينية موروثة من القرون الوسطى، مازالت تتصور أن لها الحق فى قيادة وحكم المصريين، وسحبهم إلى حيث تريد، برؤية غائبة عن النصر ومتخلفة عن العصر، ولا تعرف طبيعة السكان الذين يعيشون فى مصر الآن. وإذا كان للكتابة هدف فهو تحصين أبناء بلدى مما يخطط لهم، ويسحبهم فى اتجاهات الفوضى والرغبة فى التقسيم، إن لم يكن تقسيم الوطن فعليا فالتشتيت الذهنى والانقسام المعنوى، حتى نفقد الرغبة فى الوحدة والانسجام النفسى والمعنوى والإصرار على هزيمة المتطرفين وأنصارهم، ومن يشنون حربا لا هوادة فيها، لتحقيق رغباتهم، ورؤاهم المتخلفة والجاهلة فى مصر والمنطقة. نحن فى حرب طويلة، وأقسى من حرب ضد عدو خارجى نعرف كيف يفكر، ونعرف كيف نواجهه بوحدة الوطن والجيش والشعب، أما العدو الإرهابى فتمكن من مفاصل كثيرة، وعقول متنوعة، وتحصن وتخندق فى مواقع أمامية، ومازال يتحرك لكى يقسم الناس فئات، حتى يسهل عليه الاختراق بعد هزيمته، وفشله فى الحكم. ووجدناهم فى فترة أكتوبر، وفى ذكرى النصر، يطرحون التقسيم بين الناصريين والساداتيين، وقد نجحوا من قبل فى هذا التقسيم. ونقول لهم إن مصر انتصرت بجيش أعده عبد الناصر الذى رفض الهزيمة، وبنى الجيش، ودخل حرب الاستنزاف للعدو قبل تجهيز القوات القادرة على العبور، وإن أعظم سنوات ناصر هى ما بين أعوام 67 و70، أى قبل رحيله مباشرة، ولم يكن من الممكن تحقيق النصر فى أكتوبر العظيم والعبور الأعظم بدون رفض الهزيمة وبناء الجيش.

وكان لناصر الدور الأكبر فى تحقيق النصر، بل إنه هو الذى اختار رفيقه السادات ليكون رئيسا لمصر، وكان الشهيد الرئيس الراحل، صاحب قرار الحرب وقرار السلام، هو الأقرب لناصر من غيره لقيادة الدولة، والحفاظ على مكتسباتها، والسير بها إلى النصر المستحق، ثم تصحيح مسار الوطن. ولكنه التقسيم المصطنع من خيال الجماعات المتطرفة حتى يزيدوا من جماهيرهم المتناقصة يوميا، لأن كثيرين يعودون إلى حضن الوطن، وإلى رؤية المستقبل الصحيحة والمعتدلة. وعلى نفس المنوال ينسجون خططا لتقسيم الناس، حتى يدفعوهم إلى الإحساس بالفشل والإحباط، وتعلو أصواتهم ويتساءلون بمكر ماذا تفعلون؟ اليوم تبنون مدنا جديدة، وعاصمة جديدة، وقناة جديدة، وقد فعلتم هذا من قبل، وكأنه مطلوب من الوطن أن يتوقف حتى يرضيهم! ويشككون فى المناخ السياسى والأمنى، وكأنه مطلوب من الوطن أن يأخذ من يقاتلون فى سيناء، ومن يفجرون المبانى والمساجد والكنائس، بالأحضان! إن الوطن وحدة واحدة، وقد تحقق البناء، ولا يمكن التقسيم، وما فعله ناصر والسادات ومبارك هو استكمال بناء الجيش والوطن للاستمرار والتحرك إلى المستقبل. وكما أنه لا يمكن تقسيم مصر، أو فصل جسم منها فى أى جزء، فإنهم لن يقسموا الناس بين الناصريين والساداتيين، فكل هؤلاء هم أركان الدولة المصرية المعاصرة، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولكنهم جميعا بنوا الوطن، وحافظوا على تراثه وحضارته، واطمئنوا فالتقسيم لن يكون، لا ماديا ولا معنويا، وستظل وحدة مصر قوة واحدة ضد قوة التخلف. هذه خواطر أكتبها من وحى حالة الوطن، وهو يودع شهر الحرب أكتوبر، ولكنه لن يودع النصر، وانظروا حولكم لتروا ما يحدث. فلم تكن مصر، وهى تؤلف القلوب الفلسطينية بين فتح وحماس وبين غزة والضفة، تعمل لمصلحتها، بل تعمل لمصلحة القضية الفلسطينية، وتتطلع إلى الدولة العتيدة، وتحمى الفلسطينيين من يكونون لعبة فى أيدى القطريين أو الإيرانيين، وتعمل على أن تكون أعينهم على دولتهم وحدها. ولم تكن مصر، وهى تدعم السودانيين وأهل الجنوب حتى تنتهى المقاطعة الأمريكية وغيرها، عينها على مصلحة مصرية، بقدر ما كانت عينها على مصالح الأشقاء فى السودان. ولم تكن مصر، وهى تحمى الجيش الليبى وتدعم الليبيين، عينها على مصلحة مصرية، بقدر ما كانت ترنو إلى حماية التراب الليبى والشعب الليبى. ولم تكن مصر، عندما فكرت فى سوريا، ودخلت على مسار الحل، ترنو إلى نفوذ هنا أو هناك، بقدر ما كانت تتطلع إلى التخلص من التطرف والإرهاب، ووضع حد للحرب الأهلية والطائفية. ولم تكن مصر، عندما كشفت قطر وإرهابها، تريد أن تزيد الفتنة فى الخليج، بقدر ما كانت تتطلع إلى أن تعود قطر عن السياسات العدوانية، وتحترم أشقاءها ومنطقتها وعالمها العربى، ولا تسلم مقاليد البلد العربى الشقيق، بموارده الكبيرة إلى المجهول والتطرف، وزيادة الشقاق والخلاف بين العرب فى كل مكان. أما القصة الكبرى، الانتصار المصرى، فستكون داخليا وخارجيا، كما ستكون إفريقيًا فى حماية نهر النيل، وهذا هو موضوعنا القادم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى