مقالات الأهرام اليومى

الحزب الوطني‏..‏ والجبهة الوطنية

نترقب جميعا الانتخابات البرلمانية المقبلة‏,‏ وهذه الانتخابات سوف تساعدنا علي قياس حركة تطور الأحزاب المصرية‏,‏ ومدي توافقها مع التغييرات السياسية الجوهرية التي طرأت علي مصر‏,‏ بتعديل المادة‏76‏ من الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية التي تركت أثرا واضحا في مجمل العمل السياسي‏,‏ فقد نقلت الإصلاح السياسي إلي نقطة متقدمة في سلم التحولات نحو بناء نظام ديمقراطي عصري‏.‏

وكانت الانتخابات الرئاسية التي جرت بين الأحزاب‏,‏ قد كشفت عن أن الحزب الوطني مازال هو حزب الأغلبية الكبيرة‏,‏ وأنه الوحيد القادر علي حشد أنصاره وناخبيه‏,‏ وأن الهوة مازالت كبيرة بينه وبين الأحزاب الأخري‏,‏ التي مازال تأثيرها محدودا في الشارع السياسي‏,‏ ولا نغالي إذا وصفنا وجودها بأنه وجود إعلامي أكثر منه سياسي‏,‏ وحتي تنجح العملية السياسية في مصر وتتطور إلي الأفضل يجب أن تشارك الأحزاب كلها في بناء نظام سياسي تعددي قوي‏.‏

ولاشك أن قرار الأحزاب المصرية المعارضة تشكيل جبهة موحدة قد أحدث تأثيرا إيجابيا باعتبار أن هذه الجبهة قد تكون قادرة علي منافسة الحزب الوطني الذي يتطور ويتشكل بفكر جديد كحزب سياسي‏,‏ بعيدا عن نفوذ الحكومة أو قوتها‏.‏

وأمام هذا التطور الإيجابي‏,‏ فإن معادلة عملية الإصلاح السياسي الواقعية قد أصبحت مرهونة بتطورين‏,‏ الأول‏:‏ هو أن يستمر الحزب الوطني في سياساته الجديدة الرامية إلي الاعتماد علي الذات والقدرة علي استخدام آلته الحزبية في توحيد أعضائه‏.‏ أما الثاني فيدور حول مستقبل الجبهة المعلنة وقدرتها علي الوحدة بدلا من التفتت حتي تصبح قوة منافسة قادرة علي تغيير المناخ السياسي‏.‏

فبالنسبة للحزب الوطني فإن عملية التحول والنمو فيه يجب أن تتطور إلي التعاون والتماسك والتجانس بين أعضائه كحزب متحد‏,‏ يرمي إلي تحقيق سياسات جديدة‏,‏ ويملك رؤية عصرية لتطوير مصر‏,‏ وقد تمثلت هذه الرؤية في برنامجه الانتخابي المتطور الذي أجمعت عليه أغلبية الأمة المصرية‏,‏ وانتخبت رئيسه كأول رئيس منتخب للبلاد في ولاية جديدة‏,‏ مما أحدث حراكا وتطورا ونموا سياسيا شهد له الخارج والداخل معا‏.‏

وهنا يجب أن نشير إلي أن النظرة إلي الحزب الوطني ومدي فاعليته‏,‏ سوف تتضح خلال الساعات المقبلة‏,‏ وسوف يتبين مدي قدرة مجمعات الحزب الانتخابية علي تقديم وجوه جديدة‏,‏ لها شعبية في دوائرها ومدي قدرتها علي الفوز وتجميع الراغبين في العمل السياسي والناخبين حولها‏,‏ وحول الفكرة والمضمون‏,‏ وليس حول الشخصيات أو العصبيات‏.‏

العمل السياسي في ظل المناخ الحزبي لم يعد عملا فرديا‏,‏ برغم أن نظامنا الانتخابي مازال فرديا‏,‏ وإنما هو عمل مؤسسي يقوم علي احترام السياسات والعمل الجماعي‏.‏

وحتي نكون واقعيين‏,‏ فإن التغيير في طريقة الاختيار ستكون صعبة في حزب قوي وكبير تتنافس علي الترشيح علي قائمته قوي كثيرة‏,‏ ولن يغير الحزب هذه القائمة بشكل كامل في انتخابات‏2005,‏ ولكن يكفي في هذه المرحلة‏,‏ أنه يحاول‏,‏ وأنه يلجم طموحات قياداته‏,‏ ويدفعها إلي التعاون بدلا من التطاحن‏,‏ لتمتثل للأساليب العصرية في الاختيار‏,‏ عبر طريقة الاستقصاء والبحث الميداني داخل الدائرة لقياس مدي شعبية كل من يرغب في ترشيحه‏,‏ وفي الوقت نفسه فإنه يسعي إلي معرفة قدرة المرشح علي تجميع وحشد الناس حول المرشح ليذهبوا إلي صناديق الاقتراع‏,‏ وتلك مهمة تحتاج إلي نضوج وفعالية لكي تتكامل في المناخ السياسي كله‏,‏ ولن يلوم أحد الحزب الوطني إذا حرص علي كسب الانتخابات والدوائر‏,‏ ووضعها في سلم أولوياته‏,‏ لكننا نطالبه بمراعاة مستقبل العملية السياسية بتقديم وجوه برلمانية قادرة علي تمثيل الأمة كلها‏,‏ وليس تمثيل دوائرها المحلية فقط‏,‏ مع مراعاة التمثيل النسبي للمجتمع عن الشباب والمرأة والأقليات لحفظ التوازن البرلماني الذي نطمح إليه‏.‏

أما بالنسبة للجبهة الوطنية المعارضة‏,‏ فإن ظهورها علي المسرح‏,‏ يعني اعترافا منها بحاجتها إلي التعاون لكي تكتسب التأثير الذي تفتقده حتي الآن في مجمل العملية السياسية‏,‏ وعليها أن تستكمل تشكيلها‏,‏ وأن تنتقل من التركيزعلي الشكل إلي المضمون‏,‏ فلا قيمة للمظهر عندما يتعلق الأمر بمعركة انتخابية تبحث عن التصويت الذي سوف يترجم إلي مقاعد في برلمان سيكون منوطا به إدارة أكبر عملية تحول سياسي واقتصادي واجتماعي في تاريخ مصر الحديث‏.‏

ولأننا نبحث عن قوة الأحزاب وقدرتها علي التنافس الحقيقي‏,‏ فإننا لا نريد للجبهة أن تكون مطية للقوي السياسية غير الشرعية‏,‏ التي مازالت تخلط بين الدين والسياسة‏,‏ وتستغل ضعف الأحزاب‏,‏ وعدم قدرتها علي المنافسة الحقيقية لحزب الأغلبية‏,‏ فتحصل علي أصوات الأقلية المعارضة‏,‏ ولاشك في أن تمثيل الأحزاب في البرلمان سيكون في مصلحة التجربة السياسية‏,‏ وسوف يعني في مضمونه النهائي أن الإصلاح السياسي في مصر عملية حقيقية علي أرض الواقع‏.‏

أيضا فإن هذه الجبهة تحتاج إلي الشفافية والثقة بين أعضائها‏,‏ حتي يتوصلوا معا إلي برنامج مشترك بعد حصر نقاط الاتفاق‏,‏ وتضييق تأثير مناطق الاختلاف‏,‏ ونحن جميعا ندرك أن فرص نمو جبهة واسعة متعارضة في الاتجاهات السياسية‏,‏ عملية صعبة‏,‏ بل تكاد تكون مستحيلة لأسباب عديدة‏,‏ منها أن التراكم السياسي في هذا الإطار محدود‏,‏ كما أن سوابقنا في التحالفات السياسية والانتخابية لا تخدم نجاح هذه الفكرة‏,‏ ولكنها علي كل حال خطوة علي طريق التطور السياسي‏,‏ والاندماج بين الأحزاب ذات التيار الواحد‏,‏ فالرغبة في الوحدة والتطور أصبحت هي السائدة الآن‏,‏ وليس التفكك والتناحر كما كان الأمر من قبل‏.‏

ويبقي التطور السياسي عملية نسبية في كل المراحل‏,‏ ولن تنجح هذه العملية وتتطور مرة واحدة‏,‏ حتي ولو كانت فكرة طموحا لتشكيل جبهة‏,‏ وصلت إلي أعلي مستويات العمل المشترك‏,‏ إذ لايمكن أن يحدث ذلك دون المرور بمراحل من العمل والتنسيق والتحالف‏,‏ تساعد الأفراد علي الاستجابة السياسية‏,‏ وتعمل علي تحسين المناخ‏,‏ وإذا استطاعت الجبهة التنسيق في هذه المرحلة بين الأحزاب في بعض الدوائر التي تملك فيها ميزة نسبية‏,‏ بحيث تقلل من حدة التنافسات بينها‏,‏ وتركز علي منافسة حزب الأغلبية‏,‏ فإنها ستكون قادرة علي الفوز بدوائر انتخابية تمكنها من الوجود في البرلمان الجديد بشكل يسمح لها بالتأثير في المرحلة السياسية المقبلة‏.‏

إن استمرار عملية تطوير الحياة السياسية والحزبية في مصر علي أرض الواقع تشكل صلب الإصلاح والتغيير السياسي بل هي عموده الفقري‏,‏ وأستطيع أن أقول إن ظهور حزبين كبيرين مؤثرين ومتنافسين‏,‏ وقوي حزبية أخري قادرة علي إثراء الحياة السياسية‏,‏ بأفكار ملهمة للمستقبل‏,‏ سوف يساعدنا كثيرا علي طريق التطور والنمو السياسي‏.‏

وتكشف كل المؤشرات عن أن مصر تمضي علي الطريق الصحيح‏,‏ وأن الخطوة المقبلة‏,‏ والمتمثلة في الانتخابات البرلمانية‏,‏ تعد امتحانا قاسيا للجميع‏,‏ للأحزاب والناخبين والحكومة والشارع السياسي‏,‏ وعلينا جميعا أن ننجح في هذا الامتحان‏,‏ لنكشف عن قدرتنا علي البناء المتماسك لنظام سياسي مدني تعددي وتنافسي يقدم أفضل العناصر والقيادات إلي العمل السياسي‏,‏ تنفيذيا وتشريعيا‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى